من عبدالناصر إلى السيسي .. كيف يرى الجمهوريون الأمريكيون مصر؟
كتبت- هدى الشيمي ورنا أسامة:
على مدار الأعوام الماضية، ومنذ قيام ثورة الضباط الأحرار التي أنهت عصر الملكية وأعلنت الجمهورية، وحتى الآن، وصل إلى سدة الرئاسة الأمريكية 6 رؤساء جمهوريين، كانت علاقتهم بالحكام المصريين جيدة إلى حد كبير، لاسيما وأن واشنطن تعتبر مصر لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط.
ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في مصر، أصدر السيناتور الجمهوري الأمريكي، جون ماكين، بيانًا لاذعًا يهاجم فيه النظام المصرى، مُشكّكًا في إمكانية إجراء انتخابات "حرة ونزيهة"، بالتزامن مع مرور 7 أعوام على ثورة 25 يناير. فيما أعربت وزارة الخارجية المصرية في بيان عن "رفض مصر الكامل، شكلًا وموضوعًا، للبيان لما تضمنه من اتهامات جُزافية ومُغالطات وبيانات غير صحيحة حول الأوضاع في مصر ومسارها السياسي".
ويتسق انتقاد ماكين مع وجهة نظر السواد الأعظم من الجمهوريين الذين يُمثّلون أغلبية أعضاء الكونجرس الأمريكي، ويتخذون موقفًا سلبيًا من التطورات على الساحة المصرية، الأمر الذى ردت عليه وزارة الخارجية المصرية أكثر من مرة ونفته على لسان متحدثها الرسمى وأكدت أنه "عارٍ تمامًا عن الصحة".
ما هو الحزب الجمهوري؟
قبل التطرق إلى شكل وطبيعة العلاقات بين الرؤساء المصريين ونظائرهم الجمهوريين، يجب الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري هو أحد أكبر حزبين سياسيين معاصرين رئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية، يُعرف اختصارًا بـ"جي أو بي" (G.O.P)، وتأسس في 20 فبراير 1854 من قِبل بعض المنشقين الشماليين عن الحزبين اليميني والديمقراطي.
تبنى الجمهوريون سياسات أفضت إلى تحرير الأمريكيين من أصل أفريقي من العبودية؛ لأن فكرة تأسيس الحزب الجمهوري انبثقت من تحرير العبيد في القرن التاسع عشر. وليس لهم توجه فكري واضح أو عقيدة مذهبية سياسية ثابتة؛ إذ تخترق الحزب العديد من التيارات الداخلية المختلفة لدرجة التناقض في بعض الأحيان، بين المحافظين الماليين والمحافظين الاجتماعيين والمحافظين الجدد والمعتدلين والمدافعين عن الحريات.
منذ تأسيسه، فاز الحزب بمنصب الرئيس 19 مرة، ومن أبرز الرؤساء الجمهوريين: أبراهام لينكولن، روزفلت، رونالد ريجان الذي كان له دور في إنهاء الحرب الباردة مع روسيا، وريتشارد نيكسون الذي أُجبِر على الاستقالة بسبب فضيحة "ووترجيت"، وجورج بوش الأب، وجورج دبليو بوش الابن.
عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، تصدرت واجهةَ الحزب مجموعة "المحافظين الجدد" الذين فرضوا نظرتهم على السياسة الخارجية الأمريكية، وفي فترة حضورهم القوي قامت الحرب على أفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003، فضلًا عن الحرب على الإرهاب.
كيف كانت علاقات الرؤساء الجمهوريين بمصر؟
تباينت علاقات الجمهوريين الأمريكيين برؤساء مصر، ولعبت المعطيات السياسية في عهد كل رئيس دورًا في تحديد ماهيّة هذه العلاقة ما بين الفتور والانتعاش، العداء والصداقة، النديّة والتبعية.
"ناصر والسوفيت.. وانتهاء آمال واشنطن"
بعد وصول الضباط الأحرار إلى السلطة وإطاحتهم بالنظام الملكي كان هناك احتمال لفتح قنوات مختلفة مع الولايات المتحدة، لكن خطاب القومية العربية الذي نادى به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، المناهض لإسرائيل قضى على أمل أن تصبح واشنطن راعية للنظام المصري الجديد الذى فضّل التوجه شرقًا، ففي عام 1955 وقّعت مصر صفقة شراء الأسلحة السوفيتية عبر دولة تشيكوسلوفاكيا، فدخلت مصر في عمق المعسكر السوفيتي على الرغم من جهود القاهرة لتصبح ضمن دول عدم الانحياز.
وتحطمت كل الآمال في بناء علاقة جيدة بين مصر وأمريكا، عندما وافقت موسكو على بناء سد كهرومائي ضخم (السد العالي) على نهر النيل في جنوب مصر، في حين رفض البنك الدولي تمويل المشروع بعد توصية من واشنطن.
وتأزمت العلاقات بشكل أكبر، عندما اتهمت مصر الولايات المتحدة بالتواطؤ مع إسرائيل في نكسة عام 1967.
"السادات.. وعودة الهيمنة الأمريكية"
بدأ نفوذ واشنطن في الزحف إلى مصر بعد فترة قصيرة من هزيمة مصر، عندما توسطت أمريكا لوقف إطلاق النار (مبادرة روجرز) عام 1970 لإنهاء القتال المكثف بين مصر وإسرائيل، إلا أن هذا لم يمنع واشنطن من الوقوف إلى جانب إسرائيل، حليفتها الأقرب في الشرق الأوسط، خلال حرب أكتوبر، فدعمتها عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، وكان لهنري كسينجر، وزير الخارجية الأمريكي في عهد ريتشارد نيكسون، دورًا كبيرًا لصالح تل أبيب.
وبحسب تقرير أوردته صحيفة الأهرام عام 2015، تحرّك كسينجر في محاور عدة لصالح إسرائيل، فطلب من الملك حسين، حاكم الأردن، عدم المشاركة في الحرب، وحث روسيا على تجنب المعركة.
وبعد انتهاء حرب 73، زاد نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، لاسيما وأنها لعبت دور الوسيط بين مصر وإسرائيل، وأصبحت أكثر حضورا في المنطقة، بعد توقيع اتفاقية السلام في منتجع "كامب ديفيد"، والتي تمت برعاية أمريكية.
عقب ذلك بدأت رحلة "المساعدات الأمريكية" إلى مصر، والتي اعتُبرت بمثابة "مكافأة" على توقيع المعاهدة مع إسرائيل، خاصة وأنها أتت في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها بعد انتهاء الحرب.
كما كانت علاقة الرئيس الأمريكي الجمهوري رونالد ريجان بنظيره المصري محمد أنور السادات وثيقة، وقدم له نخبًا في حفل جمعمها عام 1981 بواشنطن، أكد فيه الحاكم الأمريكي أن "السادات من الشخصيات القليلة أو المحدودة التي تمكنت من فعل أشياء للشرق الأوسط ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ". وأثنى على زيارته التاريخية لإسرائيل، ومعاهدة السلام، وما يفعله الرئيس الراحل من أجل القضية الفلسطينية، بحسب ما نقله موقع "The American Presidency project".
"مبارك و29 عامًا من العلاقات الوثيقة"
لم تتغير سياسة مصر تجاه الولايات المتحدة كثيرًا بعد اغتيال السادات عام 1981، وتولي حسني مبارك خلفًا له، إذ حافظ الرئيس المصري الأسبق على العلاقات الوثيقة مع واشنطن، والتزم بتنفيذ بنود معاهد السلام مع إسرائيل، وربما تُظهر زياراته شبه السنوية للبيت الأبيض، طيلة 29 عامًا تولى فيهم الرئاسة مدى قرب الدولتين.
وخلال سنوات حكم مبارك وحتى فترة قصيرة من الإطاحة به عام 2011، كانت علاقاته بالرؤساء الأمريكيين (الجمهوريين والديمقراطيين) جيدة، إذ تعاقب على رئاسة أمريكا في مدة بقاء مبارك في الحكم 5 رؤساء، منهم 3 حكام ينتمون إلى الحزب الجمهوري، وهم ريجان وجورج بوش الأب والابن.
أشاد الرئيس ريجان بسياسات مبارك لاسيما تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكان الرئيس الأمريكي السابق ينظر دائما إلى محادثاته مع مبارك على أنها "مُثمرة"، ودائما ما كان يكرر دعوة الرئيس المصري الأسبق إلى واشنطن.
وعلى مدار أعوام، تعاون ريجان ومبارك من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ومحاولة إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، عن طريق فتح حوار مع الفلسطنيين. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير نشرته عام 1982، إن موقف مبارك وجهوده بخصوص القضية الفلسطينية، مشابهة إلى درجة كبيرة لما فعله سلفه السادات.
وبقت الأوضاع كما هي بعد تولي جورج بوش الأب الرئاسة خلفًا لريجان، واستمرت الزيارات والمحادثات المصرية الأمريكية بشأن القضايا والأمور الخاصة بالشرق الأوسط.
واستمر التعاون المصري الأمريكي بعد تولي الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش المنصب عام 2001، وأكد الطرفان على مواصلة الجهود لدفع من أجل تحقيق خطة سلام شاملة في المنطقة، إلا أنها توترت إلى حد ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2004، والذي نددت به عدد من الدول العربية من بينها مصر.
بوش: مبارك أخبرنا بوجود أسلحة بيولوجية في العراق
وفي عام 2010، قال بوش الابن، في كتابه، إن مبارك أخبر السلطات الأمريكية أن العراق تمتلك أسلحة بيولوجية، وتسعى أن تستخدمها ضد القوات الأمريكية، مُشيرا إلى رفض الرئيس المصري الإدلاء بهذه التصريحات بشكل علني، خوفا من قلب الشارع العربي ضده، واغضاب نظرائه من الحكام والمسؤولين العرب.
"السيسي وترامب.. صداقة واحترام متبادل"
فتحت الإدارة الأمريكية صفحة جديدة في علاقتها مع مصر بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة في يناير الماضي. وبخلاف أوباما الذي امتنع عن دعوة الرئيس المصري لواشنطن، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن السيسي وترامب جمعت بينهما علاقة جيدة، منذ لقائهما على هامش الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2016، والذي أبدى فيه السيسي دعمه للمرشح الجمهوري آنذاك، وتفضيلا له على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وقالت وكالة أسوشيتيد برس الإخبارية إنه بالرغم من اختلاف البيئات التي قدم منها ترامب والسيسي، فالأول رجل أعمال ونجم تليفزيون واقع، أما الثاني رجل عسكري جاء من بيئة محافظة، إلا أن هناك تشابه واضح في اللغة التي يستخدماها، مثل "أهل الشر"، و"أد الدنيا"، بالإضافة إلى هجومهما على القضاء.
ورغم اعتقاد عديدين أن "ملف حقوق الإنسان المصري" لن يشكل عائقًا بعلاقة ترامب بالقاهرة، لعدم تطرق الرئيسين إليه خلال زيارة السيسي لواشنطن. أصدرت الولايات المتحدة قرارًا بتخفيض أو تأجيل المساعدات الأمريكية لمصر، في سبتمبر الماضي، والتي تُقدر بحوالي 290.7 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
يُذكر أن الولايات المتحدة منحت الحكومة المصرية مساعدات بلغت قيمتها 77.4 مليار دولار بين عاميّ 1948 و2016، تضمنت 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية منذ عام 1978.
فيديوجراف: تاريخ المساعدات الأمريكية إلى مصر
"علاقة ظاهرها عكس باطنها"
وفي هذا الشأن، تقول نهي بكر، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، إن السياسيين الجمهوريين أصدروا قرارات لم تشهدها مصر خلال حكم الديمقراطيين، والذين كانوا لاذعي النقد للقاهرة، أهمها القرارات المتعلقة بالمساعدات العسكرية.
وقالت بكر، لمصراوي، إن التفاؤل الذي سيطر على المشهد عند زيارة السيسي لواشنطن، وذكر العديد بمقابلة كارتر للسادات، لم يستمر طويلا.
وتابعت: "كان هناك تصور بحدوث تقارب بين الرئيسين، سيؤدي إلى تحسين العلاقات المصرية الأمريكية، إلا أننا فوجئنا بقرار يمس لأول مرة المساعدات العسكرية لمصر وبقرار من الرئيس الأمريكي"، مُشيرة إلى أنه من خلال هذا القرار تم تحويل جزء من المساعدات الاقتصادية إلى تونس.
وكان لاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس المُحتلة عاصمة لإسرائيل تأثيره على العلاقات بين البلدين، وتقول بكر "رأينا رئيس أمريكي لا يكترث بذلك ويعلن بأنه سينقل سفارة بلده إلى تل أبيب، على عكس أسلافه الذين أجّلوا هذا القرار خوفًا من تداعيته الأمنية".
وبالنظر إلى أهمية القضية الفلسطينية لمصر، وكونها واحدة من ثوابت سياستها الخارجية، وكون العلاقات المصرية الأمريكية قائمة في جزي منها على المساعدات العسكرية والاقتصادية، ترى بكر أن العلاقات بين البلدين "مظهرها جيد بين الرؤساء ولكن في واقع ما يحدث خلف الأبواب وما تتخذه الإدارة الأمريكية أو الكونجرس من قرارات، فإنها (لا تسير في المنحى التعاوني لها)".
كما توقّعت بكر أن يُعاد انتخاب ترامب مرة أخرى، ما يعني استمرار حالة الالتباس التي تتسم بها العلاقات المصرية الأمريكية الآن.
فيديو قد يعجبك: