"تهريب النطف".. كيف أنجب الأسرى الفلسطينيون 65 طفلا من "خلف القضبان"؟
كتبت- رنا أسامة:
الإنجاب من خلف القُضبان عبر "تهريب النطف" عملية ظلت حُلمًا يراود الأسرى الفلسطينيين لسنوات طويلة، بينما يعتريهم الخوف من انقضاء أعمارهم داخل السجون، وتلاشي حلم الأبوة رويدًا رويدًا مع تقدم العمر خلف القضبان، ولاسيّما أولئك المحكوم عليهم بالسجن المؤبّد.
منذ نحو 13 عامًا، شهدت السجون الإسرائيلية، محاولات عِدة لتهريب "نُطف" أسرى فلسطينيين، لتحقيق حلم الإنجاب لزوجاتهم وذويهم في الخارج. وبحسب أحدث إحصاءات هيئة شؤون الأسرى، هناك 52 حالة لزوجات أسرى أنجبن أبناء لهن، بمجموع 65 طفلًا وطفلة.
وتُجرى كل عملية تهريب النطف بعد الحصول على فتوى دينية تبيحها ضمن ضوابط، أهمها "وجود شهود بأن الحيوانات المنوية تعود للأب الأسير وستستقر في رحم زوجته". وتستند الفتوى لاعتبارات من مفتي الديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، بأن "إجازة الشرع للتلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب تتم إذا حصر التلقيح خارج الرحم بين حيوان منوي من الزوج ببويضة الزوجة، ثم يعود الجنين بعد تبرعمه في المختبر إلى الرحم ويحدث الحمل".
كان العديد من علماء الدين الفلسطينيين مثل المفتي عكرمة صبري، والقيادي في حركة حماس حامد البيتاوي قد أصدرا قبل سنوات فتوى تبيح لنساء الأسرى الحمل من نطف أزواجهن المهربة من السجون الإسرائيلية.
بات هذا الحُلم حقيقة ملموسة منذ أغسطس 2012، بعد أن وُلِد أول طفل أنابيب فلسطيني فيما يُمكن اعتباره "أول مولود من حيوان منوي تم تهريبه من أبيه الأسير في إسرائيل وتلقيحه ببويضة والدته التي زُرِعت كنُطفة في رَحِمها لاحقًا"، حسبما ذكرت قناة العربية.
وأجرى عملية الولادة القيصرية الدكتور سالم أبوخيزران -أحد أبرز الأخصائيين بالتخصيب في فلسطين والمنطقة العربية- في المستشفى العربي التخصصي بمدينة نابلس.
ووفق العربية، نجحت عائلة من نابلس بالضفة الغربية في إنجاب مولود ذكر، بعد أن تمكن الأسير الفلسطيني عمار الزبن من تهريب نُطفته سرًا إلى زوجته التي حملت بعد عملية التلقيح الاصطناعي ووضعت مولودًا أسمته "مُهند".
وبحسب تقارير فلسطينية، سُجّلت عملية الإنجاب هذه الأولى من نوعها، إذ سبق أن أجريت محاولات تهريب نُطف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وزراعتها بهدف الإنجاب، بيد أن أيًا منها لم تتكلل بنجاح، بينها محاولتان فاشلتان قام بهما عمار الزبن نفسه عام 2011.
وأعرب جميع أقرباء الزبن عن فرحتهم وسعادتهم العارمة إزاء ولادة الطفل، وقالت زوجته دلال محمود الزبن، حينها، إنه "من الضروري أن يُسمح بنقل نطف الأسرى الذين حُكِم عليهم بفترات سجن طويلة عبر جهات معنية ليتم زراعتها لزوجاتهم فيتمكنّ من الإنجاب".
واعتقلت القوات الإسرائيلية عمار الزبن عام 1998، وحكم عليه بالسجن المؤبد 26 مرة. ومهند هو الابن الثالث له بعد أن رُزِق بابنتيه بشائر (22 عامًا) وبيسان (20 عامًا).
ومن مدينة الخليل، رُزِق الأسير الفلسطيني زياد القواسمي، بتوأمين هما (عمر ويوسف)، بعد نجاحه في تهريب نُطف لزوجته من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
في ديسمبر 2012، استقبلت أم حسن القواسمي، المُلقّبة بـ"خنساء فلسطين"، أم لشهيدين ولخمسة من الأسرى، المهنئين بأحفادها الجدد، وكأن أبناءها جميعًا بين أحضانها، تقول "إرادة الله فوق كل شيء، الحمد لله اللي اجا يوم أشوف فيه أولاد زياد، الشكر لله ولكل حدا وقف معنا"، حسبما نقلت تقارير فلسطينية.
وعادة ما تكلف إجراءات التلقيح الإصطناعي مبالغ مالية طائلة، فيما تُشير صحيفة الأيام الفلسطينية إلى أن مركز "رزان" يقدمها مجانًا للأسرى بشرط" أن يكون الأسير محكومًا عليه بالسجن لسنوات طويلة، حتى لا تضيع على زوجته فرصة الحمل والإنجاب والتي تقل تدريجيًا مع وصول المرأة للعقد الرابع"، حسبما نقلت عن مدير المركز الدكتور سالم أبوخيزران.
ويقوم أهالي الأسرى بالتنسيق مع المركز قبل أسابيع من الزيارة، وأحيانًا يفشلون في الحصول على تهريب الحيوانات المنوية، وعندما ينجحون يتصلون بالمركز عندما يصلون لأقرب حاجز لأي مدينة في الضفة الغربية، حيث تتوزع فروع "رزان"، وينتظرهم طاقم المركز مهما تأخر الوقت.
ويخضع توثيق عينات الحيوانات المنوية في المركز إلى معايير عالية، إذ يقوم اثنان من عائلة الأسرى بتسليم العينة الى المركز بحضور أخصائيين من المختبر، ليقوم الجميع بالتأكد من كتابة اسم الأسير وموعد تسلم العينة، حتى أن المركز يحافظ على العبوات التي هُربت فيها العينات كنوع إضافي من التوثيق، بحسب أبوخيزران.
في نوفمبر 2017، رُزق أسير فلسطيني من مدينة سلفيت، شمال القدس المحتلة، بمولود ذكر عن طريق نُطف هربها من سجنه، وتمت زراعتها في رحم زوجته.
وقال المستشار الإعلامي لمركز "رزان لعلاج العقم وأطفال الأنابيب"، محمد قبلان، في تقارير صحيفة وقتذاك، إن "الأسير عماد عبد الرحيم علي، المُحتجز في سجن النقب الصهيوني، رُزق بطفل أسماه (عبد الرحيم)، بعد عملية جراحية أجريت لزوجته في المستشفى العربي التخصصي في نابلس".
وحول الأضرار الأمنية من الإعلان عبر وسائل الإعلام عن نجاح التلقيح الاصطناعي لزوجات الأسرى، قال أبوخيزران: "ندرك أن إدارات السجون الإسرائيلية ستلجأ لإجراءات أكثر تعقيدا وتشددا، لكن هذا الإعلان يهدف إلى توجيه نداء للمؤسسات الحقوقية الدولية بأن تضغط على إسرائيل لتسمح للأسرى بإخراج عينات من حيواناتهم المنوية لذويهم بطريقة عادية، أو عبر الصليب الأحمر الدولي، حيث لا يعقل ان يحرم مئات الأسرى من ذوي الأحكام العالية من حقهم في الإنجاب".
وأوضحت مسؤولة في المُختبر الفلسطيني، الدكتور تمارا أصلان، أن زوجات الأسرى وأمهاتهم يُحضرن عينات الحيوانات المنوية إلى المختبر بطرق غير مسبوقة، فعلى سبيل المثال، يقول أبوخيزران إن إحداهن أحضرتها في "علبة صغيرة لملح الطعام "بعد أن غطّتها بكثير من الملابس لتحافظ على درجة حرارتها خوفا عليها من التلف.
وتقول:" تصل إلينا العينات المهربة بعد 12 ساعة في الطريق، يصل بعضها بحالة جيدة والبعض ليس كذلك، ما يتسبب بحزن كبير لهم".
وتأتي أحدث عمليات الولادة بهذا النوع، أمس الأحد، بعد أن وضعت زوجة أسير فلسطيني من قطاع غزة، مولودًا حملت به عن طريق "نُطفة منوية"، نجحت بتهريبها من زوجها "أيوب أبوكريّم" المعتقل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أعوام.
وقال عزّام أبوكريّم، والد المعتقل، وجد الطفل: "رُزقنا اليوم بمولود ذكر، لابني المعتقل داخل السجون الإسرائيلية، بعد أن نجحنا في تهريب النطفة".
وخلال عام 2017، رُزق 7 معتقلين فلسطينيين داخل سجون الاحتلال، بمواليدهم، عبر "النطف المهربة"، وفق هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية.
فيديو قد يعجبك: