فاغنر.. ظل روسيا الطويل في سوريا
(بي بي سي):
شن الطيران الأمريكي في 7 فبراير/شباط غارات مكثفة على رتل من القوات الموالية للحكومة السورية قرب بلدة خشام في محافظة دير الزور شرقي البلاد.
وأدت الغارة الجوية التي شاركت فيها طائرات آباتشي وطائرات مقاتلة من عدة أنواع والمدفعية الثقيلة إلى مقتل عدد كبير من أفراد الرتل الذين تضاربت الأنباء حول هويتهم.
لكن الشيء المؤكد الآن هو أن من بين القتلى عددا من الروس وتأكدت بي بي سي من هوية اثنين منهم.
وأشارت تقارير عديدة إلى أن القتلى الروس هم عناصر شركة أمنية روسية خاصة تعمل في سوريا بموجب عقد مع وزارة الدفاع الروسية تحمل اسم "فاغنر" شبيهة بشركة "بلاك ووتر" الأمريكية التي ذاع صيتها بعد احتلال العراق عام 2003.
خط التماس
هناك تفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا حول خط التماس شرقي سوريا، وهو نهر الفرات حيث تعتبر مناطق غربي النهر منطقة نشاط القوات الروسية والحكومة السورية والقوى المتحالفة معها وشرقي النهر منطقة نفوذ القوات الامريكية وقوات سوريا الديمقراطية التي تدعهما في ملاحقة بقايا تنظيم "الدولة الاسلامية" قرب وادي نهر الفرات حتى الحدود مع العراق.
كما أن هناك خط اتصال ساخنا بين الطرفين لتنسيق التحركات على الأرض والجو لتفادي إمكانية وقوع صدام غير مقصود بين قوات البلدين العاملة في سوريا.
ونشرت وكالة بلومبيرغ في 13 فبراير/شباط 2018 تقريرا عن هجوم 7 فبراير ومما جاء فيه: "قتل أكثر من 200 متعاقد عسكري معظمهم روس يعملون لحساب حكومة الرئيس بشار الأسد في هجوم فاشل على نقطة تمركز للقوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة معها في محافظة دير الزور الغنية بالنفط حسبما قال روسيان".
ونقلت الوكالة عن مسؤولين أمريكيين أن حوالي 100 مسلح لقوا حتفهم في الهجوم وأصيب ما بين 200 إلى 300 شخص.
الهجوم كان يستهدف موقع "قوات سوريا الديمقراطية" في معمل غاز "كونوكو" الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن خط التماس بين الطرفين.
تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان مرة أخرى موضوع المقاتلين الروس الذي يعملون في شركات أمنية وينفذون مهام عسكرية في سوريا وهذا ليس بجديد، أذ يعود ذلك إلى سنوات عديدة.
فاغنر المقاتل
قالت رويترز إن قائد "المرتزقة" الروس في سوريا هو من المقاتلين السابقين في منطقة الدونباس شرقي أوكرانيا، وكان يعرف بالاسم الحركي "فاغنر" وكانت أول مشاركة له في المعارك بسوريا عام 2013 حسبما نقلت رويترز عن شخصين مقربين منه، وبعدها عاد إلى شرقي اوكرانيا ليقود مجموعة من المقاتلين الروس هناك . وعاد فاغنر إلى سوريا بعد تدخل روسيا عسكريا لدعم حكم الرئيس الأسد في سبتمبر/أيلول 2015 .
ونشر ت وكالة رويترز في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تقريرا مفصلا عن عدد من المقاتلين الروس الذين كانوا يعملون ضمن هذه المجموعة وقتلوا أثناء المعارك في سوريا.
وجاء في التقرير أن عام 2016 كان عاما مأساوياً لوحدة روسية كانت تضم نحو 100 روسي كانوا يقاتلون إلى جانب قوات الرئيس بشار الاسد شمالي سوريا، فقد قتل مكسيم كولغانوف في فبراير/شباط 2016 خلال المعارك قرب مدينة حلب وبعدها بفترة قصيرة مات سيرغي موروزوف في المستشفى بعد إصابته خلال المعارك قرب مدينة تدمر وسط سوريا.
وقد تم منح موروزوف وكولغانوف الأوسمة التي يتم منحها لجنود الجيش الروسي وشهادات موقعة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "تقديرا لتضحياتهم في سبيل وطنهم" حسبما جاء في تلك الشهادات.
ولكن "فاغنر" أصبحت الآن شركة كبيرة وصل عدد عناصرها إلى 1500 عنصر في مرحلة من المراحل.
وتأسست الشركة على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري اوتكين الذي يخضع لعقوبات امريكية لدور الشركة في تجنيد الجنود الروس السابقين للقتال في شرق اوكرانيا. وشوهد اوتكين خلال مأدبة عشاء اقامها بوتين لقدماء الجنود الروس.
"ذابو مع معداتهم"
لم يتم الإعلان عن مقتل الشخصين في الإعلام الروسي وتم إخبار اسرتيهما بمعلومات محدودة عن ظروف مقتلههما وطُلب منها عدم الخوض في الموضوع.
وحسب المعلومات المتوفرة فان المقاتلين الروس الذين يقاتلون في سوريا بصفة متعاقدين أو بالأحرى "مرتزقة" يعملون لصالح شركة خاصة، ورغم النفي الروسي الرسمي لوجود علاقة لهم بالجيش الروسي إلا أن الوقائع تؤكد أنهم يعملون بالتنسيق الكامل مع القوات الروسية ويتلقون نفس امتيازات عناصر الجيش الروسي. ويتم نقلهم إلى سوريا بواسطة طائرات عسكرية روسية تهبط في القواعد الروسية هناك ويتلقون العلاج في المستشفيات العسكرية الروسية أسوة بالجنود الروس.
بالعودة إلى ما وقع في 7 فبراير نقل موقع "بازفيد" الاخباري عن موقع صحيفة كومسمولسكايا برافدا الاخباري المقرب من الجيش الروسي أن "عناصر شركة أمنية خاصة حاولوا السيطرة على محطة تجميع غاز كبيرة وتوقع العناصر انسحاب القوات الكردية التي تسيطر على المحطة عند مشاهدتهم اقتراب الرتل الكبير من المحطة. قام الضباط الأمريكيون في الموقع بالاتصال بنظرائهم الروس للاستفسار عما إذا كان هناك جنود روس في المنطقة أو ضمن الرتل. وجاء رد الضباط الروس أنهم لا يقومون بأي عمليات عسكرية في المنطقة.
ونقل الموقع الاخباري الروسي عن أحد عناصر الرتل قوله "لم يتوقف الأمريكيون عن القصف، لقد أبادونا عمليا، في البداية بدأوا بالقصف المدفعي وبعدها جاءت الطائرات العمودية.......عدد القتلى ليس 600 أو 200 لقد أٌبيدت الوحدة الهجومية الخامسة برمتها، لقد ذابوا مع معداتهم".
ونشر موقع محطة ABC التلفزيونية الامريكية أواخر العام الماضي تقريرا مفصلا تحت عنوان "جيش فلاديمير بوتين السري: آلاف من المقاولين الروس يقاتلون في سوريا" جاء فيه مجموعة "فاغنر" قد نشرت في سوريا 3 آلاف مقاتل منذ 2015 ، قبل ان تتمكن القوات الروسية من ترجيح كفة الميزان لصالح بشار الاسد. وتحدث التقرير عن دوافع روسيا من ارسال هؤلاء المقاولين وأولها أن بوتين الذي يتوقع أن يفوز في الانتخابات الرئاسيىة قريبا يمكنه القول أن انتصار روسيا في سوريا جاء دون خسائر تذكر في صفوف الجنود الروس إذ أن المقاولين يموتون دون ضجيج وليسوا على قيود وزارة الدفاع الروسية.
والسبب الاخر أن المقاولين الروس يتولون حماية المنشآت النفطية والغازية التي يتم استردادها من الجماعات المسلحة بموجب عقد بين الحكومة السورية وشركة ايفرو بوليس الروسية والتي يقال أن مالكها رجل أعمال مقرب من بوتين ويلقب بطباخ بوتين حيث ستحصل الشركة على نسبة الربع من عائدات الحقول التي يتم استردادها من "الدولة الاسلامية" ولمدة خمس سنوات.
"طباخ بوتين"
ونقلت ABC عن موقع فونتانكا الاخباري والذي يتخذ من سانت بتروسبورغ مقرا لها أن ايفرو بوليس ليست سوى واجهة لفاغنر. ومالك ايفرو بوليس هو يفغيني بريغوزين ويخضع ايضا لعقوبات امريكية بسبب دوره في القتال في شرقي اوكرانيا أيضا.
وتعمل ايفرو بوليس التي يملكها بريغوزين في مجال خدمات الاطعام ومن بين زبائنها الجيش الروسي وقال زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني إن شركات بريغوزين باتت تسيطر على كل عقود وزارة الدفاع الروسية. وأشارت الشركة على موقعها على شبكة الانترنت أنها تعمل في مجال بيع الأغذية عام 2016.
لكنها اضافت مؤخرا مجالات التعدين وانتاج الغاز والنفط إلى قائمة مجالات أنشطتها وافتتحت مكتبا لها في العاصمة السورية دمشق.
وعلى ضوء ما سبق يمكن التوصل إلى فهم سبب توجه هذا الرتل نحو محطة غاز كونوكو لاستعادتها من قبضة القوات الكردية. كما أن ردود الفعل الروسية التي تلت الحادث لم تتحدث كثيرا عن عدد قتلى الرتل وتفاصيل ما حدث بل ركٌز على توجيه الاتهام لواشنطن بمحاولة "السيطرة على ثروة سوريا بشكل غير شرعي".
فقد قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها "لقد أظهرت الحادثة مرة أخرى أن الغرض الحقيقي من استمرار الوجود غير القانوني للقوات الأمريكية في سوريا ليس القتال ضد تنظيم "داعش"، وإنما الاستيلاء والسيطرة على الأصول الاقتصادية، التي تعود ملكيتها للجمهورية العربية السورية فقط".
فيديو قد يعجبك: