كيف جاهدت مصر لتحقيق الاستقرار في ليبيا؟
كتبت – إيمان محمود
منذ بداية الأزمة في ليبيا عام 2011، كان لمصر موقفًا ثابتًا، لم يتغير بفعل الانقسام السياسي الليبي الداخلي، لتعلن منذ سنوات دعمها لوحدة الأراضي الليبية التي تمثل لها عمقًا استراتيجيًا، وضرورة إنهاء العنف والخروج من الأزمة الحالية من خلال إطار للتسوية السياسية بين الفرقاء الليبيين.
واندلعت الثورة الليبية في 17 فبراير من العام 2011، والتي تسببت في فوضى عارمة وأبرزت الانقسامات الداخلية بين الأطياف السياسية المختلفة ما أدى إلى تحول الثورة إلى حرب أهلية استمرت حتى بعد مقتل الرئيس الليبي الراحل مُعمر القذافي، في 20 أكتوبر من العام ذاته.
وتعددت الحكومات المتصارعة على الحكم في ليبيا؛ بين حكومة الوفاق الوطني –المُعترف بها دوليًا- برئاسة فائز السرّاج، وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، والحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، والتي يدعمها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني.
لكن الجهود المصرية بالتعاون مع دول الجوار الليبي "تونس – الجزائر"، تركزت على الدفع بالحلول السياسية في الأساس، والجمع بين الفرقاء الليبيين في محاولة للتوصل إلى صيغة مناسبة لعبور من الأزمة.
تسوية سياسية
عبّرت مصر بوضوح من خلال دعمها للحوار السياسي الذي عُقد بين الأطراف الليبية المختلفة تحت رعاية الأمم المتحدة، عن تلك الثوابت التي شكّلت موقفها، رافضةً لفكرة الميليشيات أو التشكيلات العسكرية غير النظامية وغير الخاضعة لسلطة الدولة، وبالتالي دعم الأطراف السياسية والعسكرية الشرعية، سواء كانت مجلس النواب في طبرق أو الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وفي هذا السياق، لجأت مصر لعدد من التحركات المهمة، شملت الحوار مع ممثلي الكيانات الشرعية في ليبيا، سواء في الشرق أو في الغرب، والحوار مع شيوخ القبائل الليبية، والعمل على تطوير توافق إقليمي مع دول الجوار الليبي.
ونجحت مصر، في يوليو عام 2016 في أن تكون وسيطًا لعقد لقاءً هامًا جمع بين فائز السراج والمشير خليفة حفتر في مدينة المرج شرقي ليبيا، وعدد من القادة الليبيين، توصلا من خلاله إلى اتفاق مبدئي حول عدد من الثوابت، على رأسها الحفاظ على وحدة ليبيا.
واتفق الحضور على مجموعة من القضايا المُعلقة، يأتى فى مقدمتها إعادة النظر في صلاحيات المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، ومنصب القائد الأعلى للجيش واختصاصاته وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة، إضافة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول فبراير 2018.
كان ذلك بعد أن بذلت مصر جهودًا مضنية في ترتيب لقاء يجمع بين أبرز الفرقاء الليبيين وهما فائز السراج والمشير خليفة حفتر، حتى نجحت القاهرة مؤخرًا في استضافة عدد من الاجتماعات التي جمعت قادة بارزين في حكومتي الوفاق والانتقالية، للاتفاق على خارطة طريق للمستقبل الليبي.
وبرعاية مصرية؛ ناقشت الاجتماعات مُخرجات الاتفاق السياسي المُوقع في الصخيرات بالمغرب برعاية الأمم المتحدة، والعمل على تطبيقها بشكل توافقي، خاصة ما يتعلق منها بالإجراءات القانونية والدستورية لحكومة الوفاق الوطني.
وتأمل القاهرة أن تمثل هذه الاجتماعات، بداية لمرحلة جديدة من الاتصالات واللقاءات، لجمع الليبيين على طاولة واحدة، بحثا عن الوئام السياسي وإنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب وحل الأزمات العالقة.
توحيد الجيش الليبي
تسعى مصر إلى تشكيل جيش ليبي قادر على استعادة تماسك الدولة من الداخل وحماية حدودها، وتمثلت أهم أوجه الدعم التي قدمتها مصر للجيش الوطني الليبي في تدريب كوادر الجيش، وتعزيز قدراته الاستخباراتية، بالإضافة إلى المساعي السياسية المصرية لفك الحظر عن تسليح الجيش الليبي، والحصول على اعتراف دولي بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء حفتر.
وفي هذا الإطار؛ استضافت القاهرة عدة اجتماعات لعسكريين ليبيين من الغرب والشرق بهدف بحث سبل توحيد الجيش وإبعاده عن التجاذبات السياسية وإنهاء حالة الانقسام الراهنة.
كان آخر هذه الاجتماعات التي استضافتها القاهرة، هو الاجتماع الرابع لوفد الجيش الليبي المعنى بعملية تنظيم المؤسسة العسكرية الليبية والذى عقد خلال الفترة من 6 إلى 9 ديسمبر الماضي.
واتفق الوفد على أهمية دعم ومساندة المسار العسكري والأمني بالتوازي مع المسار السياسي باعتباره حجر الزاوية والعمود الفقري لاستقرار الدولة الليبية، مع مطالبة المجتمع الدولي بدعم جهود هذا المسار دون تدخل أو فرض منهج انتقائي.
وأشاد وفد الجيش الليبي على إيجابية الاجتماعات التي تجرى برعاية القاهرة، معبرًا عن شكره الجزيل لجمهورية مصر العربية حكومة وشعبا على جهودها لحل الأزمة الليبية وحسن الاستقبال وكرم الضيافة ودعمها اللامحدود لجهود تنظيم المؤسسة العسكرية الليبية.
يضم الوفد فريقين من ضباط من مختلف المدن الليبية، أحدهما تابع للقيادة العامة برئاسة المشير خليفة حفتر، والآخر يمثل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
وتؤكد مصر بشكل مستمر؛ على ضرورة تأسيس جيش ليبي قوي بالتوازي مع السير في التسوية السياسية، وأن جهود توحيد الجيش الليبي هدف أسمى يسعى الجميع إلى تحقيقه لتوحيد جهود استعادة الاستقرار إلى ليبيا والقضاء على الإرهاب.
وفي ضوء الحدود المشتركة الممتدة بين البلدين، وما شهدته مصر من محاولات تسلل، والهجمات الإرهابية المنظمة التي عكست وجود تنسيق بين التنظيمات الإرهابية في مصر وليبيا، تعمل القاهرة على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا، التي تعد منفذًا خطيرًا لتهريب الأسلحة والذخائر إلى الأراضي المصرية، خاصة أن الوضع الليبي الراهن يمثل وضعًا ملائمًا لاحتضان الجماعات الإرهابية.
وبالتنسيق مع الجانب الليبي؛ قامت مصر بعدد من الضربات العسكرية الناجحة لجماعات إرهابية ليبية، وقضت على العديد من أماكن تمركز وتدريب العناصر الإرهابية، وآخرها مجموعة الضربات المركزة التي تمت في مايو الماضي ونجحت في تدمير المركز الرئيسي لشورى مجاهدي درنة، كما أسهمت بصورة فاعلة في تحرير مدينة بنغازي الليبية.
فيديو قد يعجبك: