لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

التاريخ الأسود للحركة الصهيونية قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي

07:53 م الأربعاء 21 فبراير 2018

كتب – هشام عبد الخالق:

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحقيقًا حول قصة اليهود الذين غادروا فلسطين قبل إعلان تأسيس إسرائيل بثلاثة عقود.

وقالت الصحيفة في بداية التحقيق إنه "قبل ثلاثة عقود من تأسيس الدولة الإسرائيلية، غادر أكثر من 60000 يهودي الدولة لأسباب مادية وأيديولوجية، ويكشف كتاب جديد الجانب المظلم من التاريخ الصهيوني، والذي يشمل الطرد القسري للمهاجرين اليهود.

وتابعت الصحيفة، في أكتوبر 1926 وبالتحديد في وارسو عاصمة بولندا، تم عقد محاكمة علنية ضد الحركة الصهيونية، بسبب طريقة معاملتها لمن هاجروا إلى المستعمرة البريطانية - آنذاك - فلسطين خلال تلك الفترة، وكان من ضمن الشهود مهاجرين سابقين حاولوا تجربة حظهم في مستعمرة فلسطين وغادروا بعد ذلك، أحد هؤلاء المهاجرين كان أحد أصحاب المصانع ويدعى روبن، والذي غادر عندما فشل مصنع السجائر الذي أسسه في غزو السوق المحلي، لأن المدخنين فضلوا السجائر المستوردة، لذلك أغلق مصنعه وعاد إلى بولندا.

وفي شهادته، تذكر روبن كيف أنه تم استدعائه للقاء لواء المدافعين عن اللغة، وهي مجموعة تم تأسيسها لدعم اللغة العبرية في فلسطين، وقاموا بفحص سجائره التي حملت نصًا إنجليزيًا، وقالت صحيفة إسرائيلية في ذلك الوقت، إن الشاهد استنتج أنه تمت مقاطعة منتجات يهود بولندا في فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني، حتى لو كانت أفضل وأرخص".

وسلطت تلك المحاكمة العلنية الضوء على قصة وُضعت طيّ الكتمان في التاريخ الصهيوني، وهي قصة اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين ثم غادروها، خلال فترة نمو المجتمع اليهودي في المستعمرة البريطانية، واليهود الذين هاجروا وجرّبوا حظهم ولكن لم يسعفهم الحظ فغادروا فلسطين، يُطلق عليهم في اللغة العبرية "يورديم"، وتعني أنهم من مرتبة منخفضة.

وبحث الدكتور مير مارجاليت في قصة المهاجرين، ونشر كتاب مؤخرًا حول ذلك بالعبرية، تحت عنوان: "العائدون باكّين - الهجرة خلال فترة الانتداب البريطاني".

وكتب مارجاليت - الذي كان مستشارًا سابقًا لحزب "ميريتس" في القدس، الدراسة كجزء من أطروحة الدكتوراه التي قدمها في الجامعة العبرية وبعد ذلك في جامعة حيفا، ويتعلق التحول بين الجامعات بموضوع أطروحته ومعارضة انشغاله بالموضوع.

ويقول مارجاليت، لقد أطلقوا عليّ لقب "المؤرخ الجديد"، متذكرًا كيف أثار بحثه الكثير من المناقشات، فعلى سبيل المثال - كما يتابع مارجاليت - "كتب المؤرخون في تلك الفترة - 1927 حتى 1929 - أن المهاجرين غادروا البلاد بسبب الجوع، ولكن ادّعى المشرف على الرسالة البحثية، بناء على بيانات الاقتصاد الكلي، أنه لم يكن هناك مجاعة قبل ظهور دولة إسرائيل، وتوصلنا في النهاية إلى أنه لم يكن هناك مجاعة حينها ولكن كان هناك جوعى".

وقرر مارجاليت عند تأريخه تلك الفترة، أن يستمع لشهادات المهاجرين منهم شخصيًا، وألا يجادلهم فيما يقولونه، ويتابع: "عندما هاجرت عائلة مندلسون من فلسطين عام 1942، بعد أن وصل جيش إرفين رومل إلى ضواحي البلد، فسّرت العائلة ذلك بأنها لم تترك أهوال هتلر في ألمانيا لتقع ضحية له في فلسطين، ونحن لن نحاول تفسير إذا ما كان هذا الخوف مبرر أم لا".

ويدّعي مارجاليت أن هذه الشهادات تبين جانبًا مُظلمًا من التاريخ الصهيوني لم يُروى من قبل، وطبقًا للتقديرات، فإنه خلال فترتي العليا الأولى والثانية (1882-1903، و1904-1914) على الترتيب، غادر أكثر من نصف المهاجرين الجدد مستعمرة فلسطين قبل حتى بدء الحرب العالمية الأولى عام 1914، وركّز مارجاليت على ما يقرب من الـ 60 ألف مهاجر يهودي الذين غادروا في فترة الانتداب البريطاني، من 1923 حتى 1948، في سنوات الذروة من المستعمرة اليهودية في فلسطين - والتي كانت عام 1947 قبل تأسيس الدولة العبرية بعام واحد - كان يهاجر حوالي 10% من المهاجرين الجدد.

وبلغ عدد المهاجرين بإضافة هؤلاء من هاجروا قبل الحكم البريطاني في 1917، ما يقرب من 90 ألف شخص، ويؤكد مارجاليت، أنه بمقارنة عدد هؤلاء المهاجرين بموجات الهجرة في أماكن أخرى خلال نفس الفترة، يُعد هذا نجاحًا، فعلى سبيل المثال، عاد 30% من الإيطاليين الذين غادروا أراضيهم متجهين لأمريكا الجنوبية، إلى بلادهم مرة أخرى، ولكن على عكس الإيطاليين واجه يهود فلسطين في فترة الانتداب البريطاني، صعوبات عدة بعد الهجرة، فبالطبع خلال الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك أي إمكانية للعودة إلى أوروبا، وحتى السفر إلى وِجهات أخرى كان محفوفًا بالمخاطر.

ويدّعي مارجاليت أن آلاف اليهود أرادوا الهجرة من فلسطين، ولكن افتقروا للوسائل التي يقومون بها بذلك، ويقول: "في بعض الأحيان لم يمتلكوا حتى مبلغ الثمانية جنيهات فلسطينية ليشتروا تذكرة، وهناك أدلة على تجمع أشخاص في الموانئ هاتفين في وجه القادمين الجدد: "لماذا أتيتم؟"، كما أنهم كانوا يذهبون إلى مكاتب شركات الشحن ليبحثوا عن تذكرة في الدرجة الرابعة أو الخامسة".

وأظهرت بعض الشهادات الأخرى، أشخاصًا استطاعوا الوصول إلى الموانئ الأوروبية ولكن تقطعت بهم السُبل هناك بدون أي أمل في الوصول إلى أوطانهم مرة أخرى، ليموتوا ببطء من الجوع والأمراض، وأوقفت تلك التقارير التي وصلت فلسطين في ذلك الوقت، هؤلاء من أرادوا السفر، بحسب رواية مارجاليت.

وكانت إحدى أكثر القصص إثارة للدهشة حول هؤلاء الذين أرادوا ترك فلسطين والعودة لأوطانهم، قصة من وصلوا لمعسكرات الأمم المتحدة للاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، وطلبوا أن يتم إدراجهم في قوائم المهاجرين ليعودوا إلى أوطانهم في أوروبا، وطالبت منظمة "إعادة المهاجرين الألمان" من الأمم المتحدة في عام 1947 أن تعيد هؤلاء المهاجرين إلى النمسا وتشيكوسلوفاكيا، وفي فلسطين الواقعة تحت الانتداب تم طلب 485 باسبور نمساوي، وأراد 14500 يهودي نمسوي العودة لأراضيهم حسبما ذكر القنصل البولندي في تل أبيب.

ويدّعي مارجاليت، أن القيادة الصهيونية حاولت منع عودة اليهود إلى دولهم الأوروبية، ويقول: "هناك دليل على وجود صفقة بين الوكالة اليهودية والقنصل البولندي في فلسطين، والتي بمقتضاها يتم تأخير طلبات هؤلاء من يرغبون في العودة حتى يفقدوا رغبتهم في العودة، ومن الواضح لماذا لم يرد الوكالة أو البولنديين عودتهم إلى بلادهم، حيث كان هناك العديد من مشاكل معاداة السامية والكراهية، وعدد من قضايا الملكية أيضًا، ومن الواضح أنه إذا تم فتح الباب للهجرة فكان الرقم سيزداد بصورة ملحوظة".

وطبقًا لمارجاليت، فليس هؤلاء من ظلوا في فلسطين هم من كتبوا التاريخ في دولة ما قبل إسرائيل، ولكن هؤلاء أيضًا من لم يبقوا، ويقول: "عندما قرأت في التاريخ من عيون المهاجرين، اكتشفتُ أشياء لم أكن أعرفها من قبل، فعلى سبيل المثال، نحن نصف عادةً استيعاب الموجات الأولى لـ "العُليا"، على أنها قصة نجاح، ولكنني أدرك الآن أن هذا لم يكن حقيقيًا، حيث لم تستطع القيادة اليهودية في فلسطين السيطرة على المهاجرين، ومن بقى استطاع الصمود بفضل مجهوداتهم الشخصية".

ويعكس كتاب مارجاليت، أن أكثر القصص السوداوية في تاريخ الحركة الصهيونية، كان الهجرة الإجبارية، والتي كانت تدفع فيها المنظمات الصهيونية المرضى وأصحاب السلوك السيء، حتى لا يكونوا عبئًا على المجتمع اليهودي.

واشتكى جوشوا جوردون - مدير مكتب الهجرة في تل أبيب خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين - في عام 1921، من أن المهاجرين الذين يُرسلون إلى أوروبا لم يكونوا المرضى فقط، ولكن أيضًا عند وصولهم لا يتلقون المعاملة اللازمة، وكانوا يموتون جوعًا ومرضًا في الشوارع الأوروبية، وعلى الرغم من تلك الانتقادات، أصبحت سياسة المجتمع اليهودي الرسمية في 1926، في تل أبيب إرسال هؤلاء المرضى إلى بلادهم الأوروبية.

ويقول مارجاليت في كتابه: "بعد ذلك بعام واحد، نُشرت تعليمات بأن المهاجر القادر على إعانة نفسه، سوف يستلم المال اللازم للعودة لمنزله ويغادر فلسطين، ومن يقرر البقاء سوف يتلقون مساعدة مالية قصيرة الأجل للقيام بترتيبات العمل، إذا استطاعوا إثبات قدرتهم على إدارة أعمالهم بشكل دائم في البلاد".

وناشد أحد المهاجرين، موشي آشيبيرج، مسؤولي مكتب الهجرة بالبقاء بعد أن تم إخباره بأن عليه المغادرة وكتب عدة خطابات قال فيها: "أنا خائف من المغادرة، فليس لديّ أحد أذهب إليه هناك".

ولكن غادر أغلب المهاجرين وفقًا لإرداتهم الحرة، وكان من ضمنهم صناع برجوازيين رأوا استثمار أموالهم في مكان آخر، ووجد مارجاليت أن السبب الرئيسي في عودة المهاجرين لبلادهم أو الهجرة لبلدٍ آخر، كان الصعوبات المالية التي واجهتهم، وقرر بعض الأشخاص بعد عجزهم عن إيجاد عمل وتدهور أوضاعهم بشكل مستمر، المغادرة لـ "إنقاذ ما تبقى من حياتهم"، حسبما وصف مارجاليت الوضع.

وهاجر آخرون بسبب خوفهم على حياتهم، سواء كان ذلك بسبب الاشتباكات التي قام بها العرب عام 1929، أو الثورة العربية في الفترة من 1936 - 1939، أو خوفًا من رومل وقواته وغزو ألماني محتمل خلال الحرب العالمية الثانية، وقبل حرب 1948 بوقتٍ قليل، ساعدت بريطانيا مجتمع "المسيحيون اليهود" على الهرب من الدولة، بسبب خوفهم من اليهود والعرب، وهي حركة إنجيلية بروتستانتية تؤكد على العنصر "اليهودي" في الإيمان المسيحي، ويتكون أتباعها من اليهود المؤمنين بالمسيح ويعتبر اليهود المسيانيين حركة يهودية عرقيًا مسيحية دينيًا.

غادر عدد من الأشخاص فلسطين أيضًا بسبب حنينهم واشتياقهم للوطن، ويقول مارجاليت حول هذا: "في بعض الرسائل التي رأيتها اشتاق الناس لأحبتهم، وكتبوا "لقد حلمتُ بالقدوم إلى هنا، ولكن فجأة أحلم بمنزلي وعائلتي"، وغادر آخرون لأسباب أيديولوجية، حيث شعر بعض الاشتراكيون أن الصهاينة يخونون مهمتهم في تأسيس دولة معتدلة، وهناك أيضًا من رأوا اليهود الأوائل في فلسطين على أنهم مُلوثين للأرض، وفضلوا مراقبة اليهودية في محاكم حركة "الحاسيديم" في بولندا، بدلًا من رؤيتها في دولة ما قبل إسرائيل.

و"الحاسيديم" هي حركة روحانية اجتماعية يهودية نشأت في القرن السابع عشر، مؤسسها الرئيسي هو رمبم وتلميذه، الماجيد من مزريتش، الذي بدوره نشر وعمَّم هذا في جميع أنحاء شرق أوروبا لتتحول إلى حركة كبيرة، وتميز الفكر الحسيدي - وخصوصًا في الأجيال الأولى - بالدعوة إلى عبادة الرب وطاعته ومحبة إسرائيل واتباع الصالحين.

ويعترف مارجاليت، أنا أتفهم كثيرًا من غادروا لأسباب أيديولوجية، فأنا شخصيًا كان لديّ معتقدات مشابهة، وعند كتابتي الكتاب ومعرفة كل هذه الصعوبات التي واجهوها، اعتقدتُ أن السؤال الذي يجب طرحه ليس لماذا يهاجرون، ولكن لماذا يبقون في فلسطين".

ويقول مارجاليت في نهاية حديثه: "كان من حسن حظ الحركة الصهيونية أنه كان من الصعب مغادرة الدولة، فإذا لم يحدث هذا، كنا سنصل عام 1948 أضعف كثيرًا مما كنا عليه في ذلك الوقت، وكان سيصبح قرار ديفيد بن جوريون بإعلان الدولة الإسرائيلية مختلفًا".

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان