كاتبة إسرائيلية تكشف أساليب الاحتلال في تغيير الاعترافات
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، مقالًا للكاتبة عميرة هاس، إحدى المدافعات الإسرائيليات عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتحدثت فيه عن واقعة اعتداء قوات جيش الاحتلال على الطفل محمد التميمي وكيف استطاعت التأثير عليه ودفعه للاعتراف بأن إصابته كانت نتيجة وقوعه عن الدراجة.
وقالت هاس، في بداية مقالها: "يتوقّع الجنرال يؤاف مردخاي، منسق الأنشطة الحكومية في الأراضي، أن نصدق أن عشرات الفلسطينيين وبضع إسرائيليين، تآمروا لإعداد كذبة ضخمة من أجل تشويه قوات الدفاع الإسرائيلية".
وتابعت، طبقًا لما ذكره، فإن الكاذب هنا ليس محمد التميمي البالغ من العمر 15 عامًا فقط، بل أيضًا والداه، بعض أعضاء من عائلته في قرية النبي صالح، وأصدقائه الذين من ضمنهم الناشط الإسرائيلي اليساري جوناثان بولاك، الذي كان مع التميمي عندما تسلق سلمًا في 15 ديسمبر الماضي، ليرى ماذا يفعل الجنود الإسرائيليون المتجمعون في منزل فارغ بقريته، ولكن تم إطلاق النار على الصبي الصغير في رأسه ليسقط مضرجًا في بركة من دمائه.
ويدّعي مردخاي، في منشور على موقع فيسبوك يوم الثلاثاء، أن الفلسطينيين أغبياء لأن كثيرًا منهم تعاون في خلق كذبة من السهل للغاية فضحها، ويعتمد مرخاي على أشياء قالها التميمي الصغير لمحققي الشرطة يوم الإثنين، بعد ساعات قليلة من اندفاع قوة عسكرية كبيرة نحو قريته "النبي صالح" ونحو منزله قبل الفجر بقليل، لتوقظه من نومه وتعتقله، وتم اعتقال خمسة قاصرين آخرين وخمسة بالغين في ظروف مشابهة لظروفه.
وأضافت الكاتبة، كان التميمي قابعًا في ظلام دامس، نصف مستيقظ، ويرتعد من المشهد الذي يرى فيه البنادق مُصوبة نحوه، والهواء الذي تفوح منه رائحة الغاز المسيل للدموع والرائحة المثيرة للاشمئزاز القادمة من المياه التي رشّتها القوات الإسرائيلية، وأُخذ محمد التميمي للاستجواب في ظل تلك الظروف، ومن السهل معرفة ماذا دار بخلد الفتى الصغير المُصاب، المقرر أن يخضع لعملية جراحية أخرى في الأيام القادمة لإعادة بناء جمجته في الأسابيع القادمة.
وقالت هاس: "من المؤكد أن التميمي كان يفكر في أمور عدة في ذلك الوقت، مثل ربما سوف يتم اعتقالي لعدة أسابيع، ربما ستسوء حالتي الصحية أكثر، ربما لن يتم إطلاق سراحي حتى موعد عمليتي القادمة".
التميمي، أخبر المحققين وممثلين عن مكتب التنسيق والإدارة المدنية، والذين كانوا حاضرين لسبب ما، ما أرادوا سماعه، وهو أنه جرح نفسه عندما سقط عن دراجته.
وتابعت هاس، تجري قوات الأمن مئات الاعتقالات والاستجوابات كل أسبوع في القدس والضفة الغربية، لا يشكك أحد في حقيقة أن أحد أهداف تلك القوات فضح أولئك الذين يخططون أو ينفذون هجمات مسلحة، والهدف الثاني هو جمع المعلومات، عن أكبر عدد ممكن من الناس وعن الأنشطة الاجتماعية والسياسية، وقد يتم أحيانًا استخراج معلومات تافهة ومبتذلة للغاية، وأحيانًا معلومات محرجة، والهدف الثالث (وإن لم يكن بالضرورة ثالثهم من ناحية الأهمية) هو القضاء على النشاط الشعبي ضد الاحتلال، والتي أصبحت قرية النبي صالح رمزًا له، فالفلسطينيون ممنوعون من إظهار مقاومتهم للاحتلال بأي شكل من الأشكال.
وأضافت هاس، إحدى طرق ردع الأفراد الذين قد يكونون مشاركين محتملين في الصراعات الشعبية، هو إلحاق ضرر جسيم على الأشخاص الذين يشاركون في تلك المظاهرات بالفعل، بوسائل تتراوح بين الإصابات والقتل؛ الاحتجاز في ظروف أشد من تلك التي يواجهها المشتبه به في الكسب غير المشروع، نير هيفيتز، والحرمان من النوم؛ إجبارهم على وضع أصفاد مؤلمة، وسائل الاستجواب المهينة؛ الاتهامات السخيفة.
كثير من الاعتقالات هي مجرد وسيلة أخرى تحاول إسرائيل من خلالها، بصورة منهجية، تقويض النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتفكيكه، من أجل إضعاف قدرته على الصمود أمام الاحتلال وتحديه.
عندما يكون المحتجزون قاصرين، فإن سُجانهم يحوزون قدرة أكبر على استخراج ما يريدونه، فبمساعدة عدد قليل من الصفعات، والأوضاع المؤلمة أثناء الاستجواب والضغوط النفسية، يعترفون على الفور ببعض المعلومات الكاذبة، والتي تكون أغلبها مبالغ فيها، فمن السهل التلاعب بهؤلاء القاصرين وكسر نفسياتهم.
ويناقش الفلسطينيون، فيما بينهم، مشاركة القاصرين في أنشطة احتجاجية ضد الاحتلال، فروح النضال عزيزة عليهم، وكره الاحتلال يجري داخل الفلسطينيين بشكل عميق لإجراء هذه المناقشة من الأساس، ولكن الثمن المرتفع الذي يدفعه القاصرون وأسرهم، واضح للجميع.
واختتمت الكاتبة مقالها قائلة: "من السابق لأوانه الحكم إذا ما كان منشور مثل الخاص بيؤاف مردخاي، سيشجع مثل هذا النقاش، وما إذا كان سيتم إجراء هذه المناقشة بشكل عام بين الفلسطينيين أم لا، أو تقوية موقف أولئك الذين يقولون إن إسرائيل لن يوقفها شيء في سبيل القمع، وبالتالي لا ينبغي سلب صغار السن من حقهم في التظاهر".
فيديو قد يعجبك: