الموت لـ"بيبي".. الإسرائيليون يحاصرون نتنياهو: فساده ضيع لذّة الاعتراف بالقدس
كتبت- رنا أسامة وهدى الشيمي:
تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الإسرائيلية ضد فساد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي اندلعت منذ مطلع ديسمبر الماضي. وبحسب القناة السابعة الإسرائيلية فإن المحتجين رسموا الأسبوع الجاري جرافيتي على الجدران في وسط تل أبيب مع عبارات بالطلاء تقول "الموت لبيبي" وهو اسم الشهرة لنتنياهو.
وشهدت دولة الاحتلال منذ مطلع ديسمبر الماضي مظاهرات حاشدة في مدن عدة، شارك فيها عشرات الآلاف احتجاجًا على فساد بعض أفراد الحكومة، مُطالبين باستقالة نتنياهو. وتأتي الاحتجاجات على خلفية التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية منذ عدة أشهر، بشأن شبهات حول تورط نتنياهو وزوجته في قضايا فساد واستغلال سلطات، زادت حدتها بعد محاولات نتنياهو وحزب الليكود، (الحزب الحاكم في إسرائيل)، لتمرير قانون في الكنيست يهدف لتخفيف الضغوط عليه ومنع محاكمته، والحد من صلاحيات جهات التحقيق.
وفي الوقت نفسه، استغل المُعارضون السياسيون لنتنياهو الاحتجاجات ضده، وعلى رأسهم وزير الحرب السابق موشيه يعالون ومنافسه السياسي، والذي قاد إحدى المظاهرات، ووصف رئيس الحكومة بأنه "آفة أخطر بكثير من التهديد الإيراني ومن حزب الله".
"مرض خطير"
وفي هذا الشأن، يقول مارتن بليشر، إسرائيلي مُقيم في السويد، في اتصال عبر "فيسبوك"، إن الاحتجاجات التي تحدث في إسرائيل ما هي إلا إشارة إلى شعور المواطنين بتنامي الفساد في المجتمع، لاسيما وأن الاتهامات بالفساد والحصول على رشاوي لا تقتصر على نتنياهو فقط، بل تشمل عددا من الساسة والمسؤولين البارزين في إسرائيل.
ويتابع قوله: "نتنياهو ما هو إلا أحد أعراض مرض خطير يؤثر في المجتمع الإسرائيلي بأكمله".
واتفقت معه، عالمة الآثار الإسرائيلية إيلانا فاين باي- هاي، المقيمة في تل أبيب، والتي عزت سبب قيام الاحتجاجات إلى التنديد بفساد نتنياهو وزوجته سارة، والتي قالت في اتصال معها عبر "فيسبوك"، إن" رئيس الحكومة وقرينته غير متواضعين وغير متجانسين مع أطياف الشعب، ولا يعتنقان نفس القيم والمعتقدات والمبادئ اليهودية"، علاوة على ذلك لا يسير "بيبي" على الاستراتيجية ذاتها التي سار عليها أسلافه.
"فساد آل نتنياهو"
حرص نتنياهو وزوجته سارة على أن تعيش أسرتهما حياة مُترفة، وكشفت وثيقة إسرائيلية تُعرف باسم "وثيقة الشُبهات" تورّط نتنياهو، وقرينته سارة، في قضايا تحوم حول الفساد وخيانة الأمانة العامة، وأبرزها حصولهما على هدايا باهظة الثمن، تتضمن سجائر فاخرة وزجاجات شمبانيا بمئات آلاف الشواكل، من الميلياردير إسرائيلي الأصل أرنون ميلشان، مقابل خدمات تقتضي من نتنياهو أن يستغل نفوذه.
فيما نفت سارة، خلال الإدلاء بشهادتها في القضية 1000، المعروفة إعلاميًا بـ"فضيحة الهدايا"، في نوفمبر الماضي، طلبها وزوجها الحصول على هدايا باهظة الثمن من ميلشان، وقالت إن "كل ما قُدّم لهما كان مجرد تعبير عن الامتنان والصداقة"، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وزعمت أن "قيمة الهدايا أقل بكثير من الأرقام التي تحدثت عنها التقارير وأنها كانت مجرد (تفاهات) بين أصدقاء مُقرّبين".
"وجبات فاخرة"
كما كشفت الوثيقة، التي قدّمها المستشار القضائي أفيحاي مندلبليت، أكتوبر الماضي، أن السيدة نتنياهو عملت بشكل منهجي على طلب وجبات غذاء ثمينة من المطاعم واستئجار طباخين محترفين لإعداد وجبات في منزل رئيس الحكومة على حساب خزينة الدولة، بمدفوعات غير قانونية بلغت 100 ألف دولار أمريكي.
وبحسب الوثيقة، يُشتبه أن سارة تحايلت على السلطات بين عامي 2010 و2013 وادعت أنها لا توطف طبّاخة في مقر رئيس الحكومة في القدس، بالرغم من تشغيل طباخات، للالتفاف على القانون الذي ينص على أنه يحظر على سكان مقر رئيس الحكومة طلب الوجبات من المطاعم في حال تشغيل طباخات في المقر.
وردًا على ذلك، اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلي، رجل صيانة، عمل في مقره في السابق بأنه المسؤول عن الترويج لهذه الاتهامات.
"أندية تعرّي"
كما تأتي القضية 2000، المعروفة إعلاميًا بقضية "يسرائيل هايوم"، والمتعلقة بتسجيلات اجتماعات نتنياهو بمالك صحيفة يديعوت أحرنوت، أرنون موزيس، واتفاقهما السري الذي يقضي بتخفيض الصحيفة انتقادها لسياسات رئيس الحكومة، مقابل وعد من الأخير بتقليص مبيعات الصحيفة المنافسة، وهي يسرائيل هايوم.
لم يتوقّف فساد آل نتيناهو حتى رئيس الحكومة وقرينته بل طال نجلهما، يائير، بعد أن انتشر تسجيل صوتي مُسرّب بثّته القناة الثانية الإسرائيلية، يناير الماضي، لمحادثة جرت قبل عامين يتحدث فيها يائير نتنياهو مع نجل أحد كبار رجال الأعمال في مجال الغاز، من أمام أحد أندية التعرّي.
ووفق القناة الثانية الإسرائيلية، تم تسجيل الحديث بينما كانا يائير نتنياهو وكوبي مايمون، خارج أبواب أحد أندية التعرّي، حينما طلب الأول من الثاني أن يعطيه بعض المال مقابل صفقة غاز مثيرة للجدل، تتجاوز قيمتها الـ20 مليار دولار، دفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي للأمام داخل الكنيست.
وبحسب التسجيل، تلفّظ يائير بألفاظ نابية، وتحدّث مع صديقه عن "راقصات مُتعريات ومومسات"، وعرض على نجل رجل الأعمال أن يمنحه فتاة كان على علاقة بها، مُشددًا على ضرورة الحفاظ على سرية تلك المحادثة.
وحاول محامو نتنياهو منع بث التسجيل قائلين إن يائير كان يدلي بتعليقات فارغة بينما كان مخمورًا، في الوقت الذي نفت فيه عائلته في بيان أي علاقة لها بعائلة تاجر الغاز، بحسب تقارير إسرائيلية.
"عصابات المافيا"
ولا يعد نتنياهو أول رئيس وزراء يُتهم في قضايا فساد أو رشاوي أو خيانة أمانة وثقة الشعب، إذ يحفل التاريخ الإسرائيلي بفضائح فساد طالت مسؤولين كبار بينهم رؤساء ومسؤولين، وانتهت إما باستقالتهم من مناصبهم أو بعزلهم أو محاكمتهم وسجنهم.
وسبق نتنياهو في قفص الاتهام سلفه إيهود أولمرت، والذي اعتبره الادعاء العام الإسرائيلي مُذنبًا عام 2006، بعد قبوله رشاوي أثناء عمله في منصب محافظ القدس، ووُجّهت إليه الاتهامات مرة أخرى عام 2012، أي بعد توليه رئاسة الحكومة، بانتهاك الثقة والحصول على رشاوي. وصدر بحقه عقوبة بالسجن ستة أعوام عام 2015.
ووجهت التهم إلى رئيس إسرائيل الأسبق، عيزرا فايتسمان، في الفترة بين عاميّ 1993 و2000، وعُزل من منصبه في أعقاب القضية المعروفة باسم "قضية سروسي"، والتي اتهم فيها بتلقي مئات الآلاف من الدولارات بشكل غير قانوني، لكن فايتسمان قدم استقالته حتى يتجنب المحاكمة.
إلى جانب موشيه كاتساف، الرئيس الإسرائيلي الأسبق الذي تولى بعد فايتسمان، واتهم بارتكاب جرائم جنسية بحق 10 نساء عملن معه، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 7 سنوات أمضى منها 5 سنوات قبل خروجه.
كما طالت اتهامات الفساد رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، والذي اتهم بالتورط في السيطرة على أراضي الدولة، ووجهت له تهم بارتكاب مخالفات احتيال ومخالفات لقانون تمويل الأحزاب، وهي الاتهامات التي تحملها نجله عمري شارون، وحكم عليه بالسجن لمدة 7 أشهر.
وقال الكاتب الإسرائيلي إكيفا إلدار، في مقال نُشر بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، إن الفساد خلال حكم نتنياهو أصبح أشبه بـ"عمليات عصابات المافيا"، فلم يعد مقتصرا على شخص أو اثنين في الحكومة أو بالدائرة المقربة من رئيسها، ولكنه شمل موظفين منتخبين، وضباط عسكريين، وكبار المحاميين في دولة الاحتلال، ومجموعات شركات ضخمة.
ومع ذلك، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن نتنياهو يبدو واثقًا من النجاة من هذه القضية، لاسيما بعد موافقة الكنيست الإسرائيلي، في أواخر نوفمبر الماضي، على مشروع قانون قدّمه نواب حزب الليكود والمعروف باسم "قانون التوصيات"، ويهدف لمنع الشرطة من رفع توصياتها للنيابة العامة عقب انتهاء تحقيقاتها، وقد ربط البعض بين محاولة تمرير هذا القانون وبين التحقيقات الجارية حاليًا، حيث ينتظر أن يسرى هذا القانون، في حال إقراره بصورة نهائية، بأثر رجعي على تحقيقات الشرطة الحالية مع نتنياهو في قضايا الفساد.
"سياسات غير مُرضية"
وبجانب قضايا الفساد، يقول بيلشر إن عددًا لا يستهان به من الإسرائيليين غير راضين عن أداء حكومة نتنياهو، ويشعرون أنه يبذل جهودًا كبيرة من أجل الحفاظ على منصبه، وبقائه على رأس السلطة، ما خلق حالة من الانقسام داخل المجتمع اليهودي، وزاد الاستقطاب بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه.
وتقول فاين باي- هاي إن فساد نتنياهو الداخلي وسياسته غير المرضية تؤثر كثيرًا على مجتمعها، وتابعت أن "قرار ترامب التاريخي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لن يشعر الإسرائيليون بلذّته في ظل حكم نتنياهو"، لاسيّما وأنها تؤكد أن المدينة المحتلة يجب أن يتشاركها معتنقو الديانات السماوية الثلاثة، وهذا ما لا يسمح به رئيس الحكومة.
ورغم كثافة الاحتجاجات وطول مدتها، لا تتوقع عالمة الآثار الإسرائيلية أن تؤدي الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو حاليا انتهاء حكمه، قائلة: "لا اعتقد أن الاحتجاجات أو الاتهامات ستقود إلى الإطاحة به، ولكن من يدري قد يحدث أي شيء في أي وقت".
فيديو قد يعجبك: