في الذكرى الـ (40) لها.. أمريكا اللاتينية "مريضة" ديمقراطيًا
كتب - هشام عبد الخالق:
تحل هذا العام الذكرى الأربعين لبداية موجة الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، والتي غيّرت النظم العسكرية الديكتاتورية إلى أنظمة سياسية حقيقية، ولكنها ذكرى تحمل في طياتها آثارًا كئيبة، فالديمقراطية تتراجع على مستوى العالم، حيث عادت عدة دول مرة أخرى إلى الأوتوقراطية خلال هذا القرن، ويقلق هذا التطور الكثيرين في أمريكا اللاتينية.
وقالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، في تقرير لها اليوم الخميس، كان للديمقراطية في أمريكا اللاتينية شأن كبير، وهناك حالتان فقط تدلان على التراجع التي شهدته تلك المنطقة، وهما فنزويلا ونيكارجوا، فكلًا منهما ألغوا الانتخابات الرئاسية، ويحكم رئيسيهما المنتخبين كديكتاتوريين الآن، كما أن هناك دولتان تمثلان علامات استفهام، وهما هندوراس وبوليفيا، حيث قام رؤسائها الحاليين بإلغاء تحديد مدة الرئاسة، ويحكمان الآن كأوتوقراطيين - حيث تكون السلطة في يد شخص واحد -، وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس البوليفي إيفو موراليس، - وهو رئيس ناجح منذ 2006 - قد يواجه صعوبات في الفوز بالانتخابات المقررة عام 2019.
وتتابع المجلة، الإكوادور، حيث كان يحكم رافائيل كوريا بطريقة مماثلة لمدة عقد كامل حتى عام 2017، قد تكون على قائمة الدول التي تتراجع فيها الديمقراطية، واعتقد الجميع في البداية أن خليفته لينين مورينو سيكون غير مؤثر في تلك الدولة، ولكنه أثبت عكس ذلك، وصوّت الإكوادوريون في استفتاء الرابع من فبراير، على أن جميع مسؤولي الدولة المنتخبين لهم الحق في فترتين فقط في المكتب، مما منع أي تكهنات لعودة كوريا المستقبلية.
وأضافت، أحد أكبر المخاطر التي تواجهها دول أمريكا اللاتينية ليست فقط في القمع الذي تتعرض له، ولكن أيضًا في الاضمحلال السياسي، وكما يشرح فرانسيس فوكوياما، أحد الخبراء السياسيين: "عندما تفشل النظم السياسية في التكيف مع الظروف المتغيرة، بسبب معارضة أصحاب المصالح"، ويبدو أن هذا هو الوضع في كوستاريكا، إحدى أقدم وأقوى الديمقراطيات في المنطقة.
وقالت المجلة، لم يدعم أي الحزبين الرئيسيين في الدولة، - حزب التحرير الوطني وحزب المسيحيين الاجتماعيين، اللذان حكما في الفترة من 1948 حتى 2014 - مرشحًا رئاسيًا في الانتخابات المقررة في الأول من أبريل، وسوف يشهد السباق الانتخابي فابريشيو ألفارادو، وهو قس إنجيلي هدفه الأساسي معارضة زواج المثليين، ويبدأ السباق الانتخابي كأحد المرشحين الأكثر حظًا للفوز بالانتخابات.
ولكن - كما تقول المجلة - الفساد السياسي في كوستاريكا أكبر من هذا، حيث انخفض دعم النظام السياسي من 87% عام 1983 إلى 62% عام 2016، وأحد الأسباب في هذا هو الفساد، ويقول كيفن كاساس زامورا، أحد الخبراء السياسيين والنائب الثاني السابق لرئيس كوستاريكا: "الفساد أحد التفسيرات السهلة جدًا لأمراض معقدة للغاية أُصيبت بها كوستاريكا".
وكوستاريكا بلد ناجح من نواح كثيرة، حيث فتحت أبوابها أمام العولمة، ونوّعت في اقتصادها معتمدة على صناعات جديدة، مثل الأجهزة الطبية والسياحة البيئية والطاقة المتجددة، ولكن فشل السياسيون في التعامل مع ارتفاع نسبة الجريمة، وعدم المساواة في الدخل، والفقر، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى فشلها لسنوات عديدة في الموافقة على زيادة الإيرادات الضريبية، والتي تقبع الآن عند 14% من الناتج المحلي الإقليمي وهي نسبة ضئيلة للغاية أمام تطور الدولة، وهذا بدوره بسبب تجزئة السياسة (فهناك سبعة أحزاب في الجمعية العامة)، وبهذه الطريقة أصبح هناك العديد ممن يحق لهم الاعتراض على السياسات.
وبعد فوزه بـ 17 مقعدًا في الجمعية العامة الجديدة، سيكون حزب التحرير الوطني في كوستاريكا هو الأضخم من حيث العدد، وتعاني كوستاريكا من حلقة مفرغة يسعى فيها الناخبون للحصول على ممثلين سياسيين جدد يحققون نجاحات أكبر من سابقيهم.
وتقول المجلة، المشكلات التي تمر بها كوستاريكا هي علامات على ما يحدث في المنطقة، حيث يصعد الإنجيليون البروتستانت كقوة سياسية ضاربة في عدة مدن، وتُطبق سياسة الانقسام الجديدة في عدة دول مثل البرازيل، جواتيمالا، وبيرو وتبشر بالسوء لكلًا من النساء والمثليين على حد سواء، والتجزؤ السياسي آخذ في الارتفاع، خاصة في البرازيل وكولومبيا، وأصبحت الأحزاب القديمة الآن أشبه بالقذائف الفارغة التي تنتظر استبدالها.
وتختتم المجلة تقريرها قائلة: "أصبح الناخبون أكثر تطلبًا الآن، لأن مجتمعات أمريكا اللاتينية قد تغيرت بشكل كبير، وتصارع الأنظمة السياسية من أجل التطور، وأصبحت الديمقراطية حيّة في المنطقة، ولكن "مريضة".
فيديو قد يعجبك: