الحشد الشعبي.. قوات نالت حقوقها أم أداة إيرانية تُفيد العبادي؟
برلين (دويتشه فيله)
أدخل رئيس وزراء العراق حيدر العبادي "الحشد الشعبي" إلى الجيش في البلاد. إجراء يثير عدة أسئلة حول اختيار هذا التوقيت بالذات، وحول منح "الحشد" شهادة حسن السيرة في وجه الاتهامات الحقوقية الموجهة إليه وارتباطه بإيران.
أصدر حيدر العبادي مَرسوماً يضفي قوانين الخدمة العسكرية على قوات "الحشد الشعبي"، ويمكنها من الكثير من الحقوق المخوّلة للمنتسبين إلى الجيش، ومن ذلك الرواتب ذاتها والحق في الدراسة بالكليات والمعاهد العسكرية.
قوات الحشد الشعبي التي جرى تشكيلها عام 2014 إثر دعوة أطلقها المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني لأجل قتال تنظيم "داعش"، تتكون بشكل كبير من عشرات آلاف شباب الشيعة العراقيين، الموزعين على الكثير من الفصائل التي حملت السلاح دعماً للجيش العراقي في مهمته طرد "داعش" من المناطق التي سيطر عليها. انتهى القتال نهاية عام 2017 رسمياُ، لكن قوات الحشد الشعبي لم يجرِ تفكيكها، قبل أن يتم إضفاء الصفة الرسمية عليها في ظرفية حساسة يشهدها العراق، تخصّ الاستعداد للانتخابات التشريعية المقرّرة ماي/أيار 2018.
وإن كان هذا المرسوم منتظراً، نظرا لإقرار البرلمان العراقي قانون إدماج "الحشد الشعبي" ضمن الجيش العراقي عام 2016 وربط هذه القوات بسلطة القائد العام للقوات المسلحة، فإنه يطرح الكثير من الأسئلة حول مآلاته وأهدافه وتوقيته، خاصة ما يتعلّق بمآل الاتهامات الموجهة من لدن منظمات حقوقية دولية إلى "الحشد الشعبي" بارتكاب انتهاكات خطيرة بحقّ المدنيين السنة، ثم إمكانية ارتباط المرسوم بأهداف سياسة تخصّ استمالة الأوساط الشيعية قبل إجراء الانتخابات التشريعية، وكذا ما يتعلّق بدور إيران في العراق بما أن الأولى دعمّت كثيرا قوات "الحشد الشعبي".
تبييض لـ"الانتهاكات"؟
دافع حيدر العبادي عن قانو إدماج "الحشد الشعبي" ضمن الجيش عام 2016 عندما قال إنه طالب بالقانون في أكثر من مرة نظراً لـ"التضحيات التي قدمها هؤلاء المقاتلين الأبطال من شباب وكبار السن"، متحدثا عن أنه هذا القرار أقلّ ما يمكن أن تقدمه الدولة إليهم.
لكن هذه الإشادة التي جاءت من العبادي لم تتكرر في تقارير حقوقية حول "الانتهاكات" التي وقعت إبّان تحرير المناطق العراقية من قبضة "داعش"، فمنظمة العفو الدولية سبق لها أن طلبت من سلطات البلد كبح جماح قوات "الحشد الشعبي" وهي تستعيد الفلوجة. كما قالت المنظمة، في تقرير بداية عام 2017، أن 643 رجلاً وطفلاً من بلدة الصقلاوية، في محافظة الأنبار، يعدّون في عداد المفقودين بعد اختطافهم على يد "الحشد الشعبي" لمدة تزيد عن عام، متحدثة عن أن هذه القوات استخدمت أسلحة من مخزونات الجيش العراقي، في ارتكاب جرائم حرب وهجمات انتقامية ضد المسلمين السنة.
اعترف حيدر العبادي في وقت سابق بارتكاب بعض المقاتلين ضمن "الحشد الشعبي" ما اعتبرها أخطاءً أثناء العمليات العسكرية، وتوّعد بمحاسبة المسؤولين. كما أرسلت الأمم المتحدة بعثتين للمراقبة إلى مدينة طوزخورماتو، الواقعة جنوب كركوك بعد ورود تقارير عن وقوع انتهاكات من لدن "الحشد الشعبي". غير أن هذا الأخير اتهم على لسان المتحدث الرسمي باسمه، منظمة العفو الدولية بـ"تعمد تشويه سمعته"، نافياً الاتهامات الموجهة إليه، ومتهما المنظمة باتباع سياسات الأطراف والدول التي تموّلها.
يقول جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبار، إن الحكومة العراقية كانت حريصة جداً على حصر دور "الحشد الشعبي" في المساندة فقط وليس قيادة العمليات، إذ أوكلت القيادة إلى الجيش العراقي. ويشير في حديث لـDW عربية أن مهام قوات الحشد كانت خارج المدن ولم تساهم في عمليات التطهير داخل المدن، لافتاً أن الانتهاكات التي قامت بها مجموعات وأفراد إبّان تحرير المناطق من "داعش" لا تمثل الحشد الشعبي، مضيفا أن التاريخ عرف على الدوام وجود مجموعات خارج السيطرة إبّان فترات الحروب.
وإن كان هشام الهاشمي، الخبير الأمني في شؤون الفصائل المسلحة المتشددة ، يتفق أن الانتهاكات التي جرت لم تكن ممنهجة، وكانت تخصّ أفراداً أو بعض المجموعات، إلّا أنه يستدرك، في حديث لـDW عربية، أن الحكومة العراقية لم تعاقب المتوّرطين، كما لم تقدم قيادة "الحشد" الشعبي أسماء المجرمين إلى العدالة، ممّا يجعل من مرسوم العبادي خطوة لنسيان الجرائم التي وقعت، وفق قول الهاشمي.
الأهداف السياسية
يشكّك جاسم محمد في توقيت إصدار هذا المرسوم: "من الممكن أن يُفهم أنه لصالح العبادي في الحملة الانتخابية، وكان يفترض إصدار المرسوم بعد انتهاء عمليات الموصل". الفكرة ذاتها يشير إليها هشام الهامشي بقوله: "الخطوة انتخابية بجدارة، رغم أنه من الناحية القانونية ليس من صلاحيات العبادي إصدار مثل هذا المرسوم دون المرور عبر مجلس الوزراء ثم مجلس النواب حتى يتم إدراج الرواتب في الموازنة العامة، وهو أمر لم يتم، إذ لا توجد هذه الرواتب في موازنة العام الجاري".
ويتابع الهاشمي أن العبادي أراد من خلال هذا المرسوم تعديل موقفه تجاه من انتقدوه بخصوص غياب حقوق أفراد الحشد الشعبي، كما أنه أراد احتواء المظاهرات التي كانت مقرّرة اليوم حول مطالب هذه الفئة التي ترى الأوساط المدافعة عنها أن الحكومة لم تقدر بما يكفي تضحياتها، وفق حديث الخبير ذاته.
هدية جديدة لإيران؟
ظهرت مؤشرات عديدة حول ارتباط "الحشد الشعبي" بإيران، ومن ذلك اللقاءات المتعددة التي جرت بين قياديين في هذه القوات وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس داخل الحرس الثوري الإيراني، وكذا الإشادة المستمرة لقياديي الحشد بالدعم الإيراني، كما أشارت عدة تقارير إعلامية أن الكثير من أسلحة الحشد جاءت من إيران، ممّا يطرح عدة إشكاليات حول الدور الممكن لـ"الحشد الشعبي" في خارطة العراق، وهل يكرّر التجربة ذاتها للحرس الثوري في إيران، أي الاستحواذ على جانب مهم من مفاصل الدولة.
يستبعد جاسم محمد، أن يكون هناك ارتباط حقيقي بين "الحشد الشعبي" وإيران، إذ يقول إن الحشد لا يحمل أهدافاً سياسية ومهمته كانت دفاعية محضة، لكن المحلل ذاته يشير إلى وجود جماعات مسلحة مؤدلجة داخل الجيش والأمن العراقيين لها ولاءات لجماعات سياسية مقرّبة من إيران، وهو ما يمثل خطورة على المؤسستين المذكورتين، حسب تعبيره.
غير أن هشام الهاشمي يرى أن الحشد الشعبي شهد اختلالاً كبيراً في توازن مكوناته، فبين 120 ألف مقاتل، هناك 80 ألفاً من الشيعة و30 ألفاً من السنة والبقيّة لمكوّنات أخرى. كما أن الحكومة العراقية لم تتعامل بشكل متساوٍ مع جميع مكونات "الحشد الشعبي"، إذ انحازت إلى الفصائل الشيعية في التسليح، ممّا أزم الموضوع بشكل كبير، وخلق حساسيات داخل الحشد، حسب قول الهاشمي.
فيديو قد يعجبك: