إعلان

"ترفيه السعودية".. صناعة جديدة تبدأ من الصفر

12:24 م الإثنين 19 مارس 2018

كتب- هشام عبدالخالق:

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا حول صناعة الترفيه التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، وعن خطواتها الناشئة في هذا الاتجاه، وقالت في بداية التقرير: "صفّق الجمهور في المسرح الممتلئ بهم، مع إطفاء الأضواء وامتطاء قائد الأوركسترا لخشبة المسرح، لتعود الأضواء بعد بُرهة ويجد السعوديون أنفسهم أمام فريق الأوركسترا في ملابس عربية تاريخية".

"حبيبي.. غنيلي قصيدة"، كانت تلك الكلمات التي بدأت بها المغنية أغنيتها عن العنصرية، الحرب، والحب، وكان الأمر المثير للجدل، أن كل هذا يحدث على خشبة مسرح عام في العاصمة السعودية المحافظة، وكان إنتاج مسرحية "عنتر وعبلة" بتقنيات جديدة جزءًا من الدفعة التي تحاول الحكومة السعودية من خلالها خلق بيئة ترفيهية نابضة بالحياة، لسكانها البالغ عددهم 29 مليون شخص.

عُرفت السعودية دائمًا وأبدًا بأنها - حسب رأي الصحيفة - إحدى أكثر الدول المحافظة في العالم، حيث طبّق رجال دين بلحى طويلة قواعد اجتماعية صارمة، واضطرت النساء لتغطية أجسامهن ووجوههن في العلن، وكانت الحفلات والمسارح ممنوعة، وكانت فكرة المرح نفسها غير متاحة وتُقابل دائمًا على أنها شيء غير إسلامي.

ولكن أصبحت المملكة الآن تستضيف مهرجانات للقصص المصورة، عروض راقصة، حفلات، وقام المغني العالمي ياني بتأدية بعضًا من عروضه في ديسمبر الماضي، وكذلك مغني الراب الأمريكي نيللي، ولكن كان الحضور كله من الذكور، ومن المقرر أن يغني تامر حسني إحدى حفلاته في وقت لاحق من هذا الشهر، وتقوم شركات طرح الأفلام العالمية بتوقيع عقود لفتح دور العرض في طول البلاد وعرضها.

تأتي تلك التغيرات في الوقت الذي يحل ولي العهد السعودي ضيفًا في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل، من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأمريكية في المملكة، ويهدف الأمير البالغ من العمر 32 عامًا لتوجيه دفة الاقتصاد بعيدًا عن النفط، في نفس الوقت الذي يجعل فيه الحياة أكثر سهولة على السعوديين، ويقول المسؤولون إن صناعة الترفيه ستساعد في كلا الأمرين.

وتقول الصحيفة، حقيقة أن السعوديين الذين ينفقون مليارات الدولارات كل عام على الترفيه، سوف ينفقونها في المملكة بدلًا من ذلك، هو أمر عظيم وسيوفر الوظائف التي يحتاجها الناس هناك، كما أن تلك الدفعة ناحية الترفيه مفيدة من الناحية السياسية أيضًا، حيث ارتقى الأمير محمد بن سلمان إلى القمة منذ ظهوره للحياة العامة قبل ثلاث سنوات، في الوقت الذي يغير فيه من القواعد التقليدية للمجتمع.

وغيّر ولي العهد، من هيكل المؤسسة الدينية، عن طريق تجريد الشرطة الدينية من سلطة اعتقال الناس وإسكات رجال الدين الذين يعارضون إصلاحاته الاجتماعية، وقاد حملة ضد الفساد في المملكة، مقصيًا بذلك عدد من الأمراء ورجال الأعمال.

واتّجه "بن سلمان" في نفس الوقت إلى الشباب، ليكون اعتماده عليهم في دعم برامجه الإصلاحية، حيث أن ثلثا السعوديين تحت سن الثلاثين، وأيّد العديدون التغييرات التي يقوم بها.

ويُمكن للنساء خاصة، الإحساس بالتغييرات التي قام بها محمد بن سلمان في المملكة، حيث تقول لينا بلبل البالغة من العمر 26 عامًا، قديمًا كانت هيئة الأمر بالمعروف تمشي وراءنا وتقول "غطوا وجوهكن"، أما الآن فلا ترى مثل هؤلاء الرجال طويلي اللحى في الشوارع، ونحاول دائمًا أن نتابع الخطة التي تعرضها هيئة الترفيه العامة في عُطلات نهاية الأسبوع لنخطط لإجازاتنا، وسوف أحصل على رخصتي في يونيو القادم، حيث وعدت الحكومة برفع الحظر على قيادة النساء للسيارات".

ابتهال الصغير، البالغة من العمر 25 عامًا، تقول، قديمًا كان يُمكن لأعضاء الأسرة المالكة، أن يفعلوا ما يحلو لهم، سرقة، مصادرة ممتلكات، وغير ذلك، أما الآن سوف يتبّع الجميع الطريق الصحيح، بعد حملة مكافحة الفساد التي قام بها ولي العهد".

وتتابع الصحيفة، سيخبرنا الزمن إذا كانت تلك الدفعة نحو عالم الترفيه ستخلق المزيد من الوظائف كما يتنبأ الجميع، وتدعم الاقتصاد الذي يعاني من أسعار النفط المتدنية، وتعوض الضرائب الجديدة التي دمّرت ميزانيات العائلات، وتعتمد السعودية بشكل كبير على النفط باعتبارها الدولة الأولى في العالم المصدرة له، وأدى انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014 لامتصاص الأموال من خزائن الدولة، مما يعني أن هناك وظائف قليلة مقارنة بمئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام، ويأمل الأمير بن سلمان في تعويض ذلك عن طريق دعم القطاع الخاص في مناطق مثل العناية الطبية، التعدين، والترفيه.

وأضافت الصحيفة، ظل السعوديون المحافظون الذين يرون مثل هذه التغييرات الاجتماعية تهديدًا لثقافتهم الإسلامية، صامتين حتى الآن، وهذا ما جعل الحكومة تستمر في خطتها، مُراهنة على أن أعداد من يبحثون عن المرح تفوق بكثير هؤلاء من يعارضونه.

وعلى الرغم من تنظيم أكثر من 2000 حدثًا ترفيهيًا العام الماضي، إلا أن الهيئة العامة للترفيه تأمل في مضاعفة هذا الرقم هذا العام، وعلى الرغم من ذلك فإن الدولة ما زالت تبدأ من الصفر، بعد أن قامت الحكومة بإغلاق السينمات المتواجدة بها في أعقاب انتشار موجة المحافظين عام 1979، ولا يتم تدريس الموسيقي، الرقص، أو المسرح في المدارس السعودية، بل تفتقر المملكة للأكاديميات الموسيقية والسينمائية.

ولمواجهة هذه المشكلة، كما تقول الصحيفة في نهاية تقريرها، يجب على السعودية أن تبني نظامًا كاملًا لـ "الفنون، السياحة، والترفيه"، كما قال أحمد الخطيب، رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية، وقد خصصت الحكومة ما يقرب من 64 مليار دولار من أجل بناء كل ما يلزم على مدار العشر سنوات القادمة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان