"الطريقة الروسية للسيطرة على الإعلام".. كيف أحكم بوتين قبضته على الميديا؟
كتب: هشام عبدالخالق
لا صوت يعلو في روسيا على صوت الرئيس فلاديمير بوتين؛ الذي فاز بالولاية الرابعة رئيسًا للبلاد. وتعيش روسيا حاليا ظروفًا اقتصادية صعبة، مع علو النعرة القومية والعداء للغرب في الخطاب الرسمي للدولة، وهو الخطاب التعبوي الذي يلاقي قبولًا من المواطنين الروس.
وأجريت الانتخابات الرئاسية الروسية في ظل عدم وجود منافسين حقيقيين لبوتين، بعد اعتقال المعارض الروسي الكبير نافالي بتهم على خلفية التظاهر ضد الانتخابات الرئاسية، وهي التهم التي يصفها المعارضين بأنها ملفقة، من أجل إفساح الطريق لبوتين نحو الكرملين دون معوقات في ولايته الرابعة.
وخلال الثمانية عشر عامًا الماضية، منذ توليه الحكم أول مرة عام 2000 خلفًا للرئيس بوريس يلتسن استطاع ضابط المخابرات الوافد الجديد على كرسي الرئاسة إحكام قبضته الأمنية على وسائل الإعلام في البلاد كافة، وجعلها ملك يمينه.. لكن كيف تم ذلك؟
في هذا التقرير يرصد "مصراوي" طريقة فلاديمير بوتين في السيطرة على وسائل الإعلام:
كيف كان حال الإعلام في الحقبة السوفيتية؟
بداية؛ في مرحلة الاتحاد السوفيتي كان الإعلام تابعًا كليًا للحزب الشيوعي، وجهاز الكي جي بي، وكان يركز على إنجازات الدولة السوفياتية والمواجهة الكونية بين الإمبريالية والشيوعية، فضلًا عن البروباجندا الشيوعية.
وخلال تلك الفترة؛ كان مجرد الإشارة إلى خطأ ارتكبه مسؤول حكومي أو توجيه نقد لعضو ما في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أو أي مسؤول في الحزب، يعد بمثابة الجريمة.
لكن مع مجيء ميخائيل غورباتشوف – آخر رئيس للاتحاد السوفيتي - أعلن "البيريسترويكا" - وهو برنامج إصلاح اقتصادي (إعادة هيكلة) صاحبه سياسة الشفافية - والتي أعطت مساحة لوسائل الإعلام وصلت حد اتهام الحكومة السوفيتية بالفشل أواخر الثمانينيات، وكان يهدف "جوربتشوف" من وراء ذلك تقليم أظافر بعض القوى التي لا يسيطر عليها، وليس حرية الصحافة في حد ذاتها، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
الإعلام الروسي ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: حرية غير مسبوقة
في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين تمتع الإعلام الروسي بحرية غير مسبوقة، وكان بوسع الإعلام تناول أي قضية، لكن التوجهات العامة للإعلام حينها كانت من توجهات الدولة التي تبنت نهج التكامل مع الغرب.
وفي هذا الوقت تمكن كبار ممثلي "الأوليجارشية" أو من يطلق عليهم في روسيا "الروس الجدد" من جني ثروات طائلة خلال وقت قياسي من الزمن، وأسسوا إمبراطوريات إعلامية.
واليهوديان بوريس بيريزوفسكي الذي سيطر على "المؤسسة العامة للتلفزيون" وتضم أهم قنوات التلفزيون الروسي، وفلاديمير جوسينسكي صاحب مؤسسة "موست" التي تضم قنوات تلفزيونية، وعددا من الصحف والمجلات، وكلاهما يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الروسية كانا في مقدمة رجال الأعمال المسيطرين على الإعلام.
وكان الأول من داعمي الرئيس يلتسين، وكان معروفا أنه من "العائلة"، وهو لقب كان يُطلق على مجموعة من الشخصيات التي كانت تحكم البلاد فعليًا.
وكان بيريزوفسكي يستنفر كل وسائله الإعلامية خلال الحملات الانتخابية الرئاسية لصالح يلتسين، لا سيما انتخابات عام 1996. أما جوسينسكي فوجه إمبراطوريته الإعلامية ضد يلتسين في أغلب الأحيان.
مرحلة بوتين رئيسا: ملاحقة أصحاب القنوات والصحف بتهم مالية
في العام 1999 قرر يلتسين التنحي، وتم اختيار فلاديمير بوتين قائمًا بأعمال الرئيس حينها انتظارًا لانتخابات عام 2000، التي فاز فيها بوتين.
وكانت الخطوة الأولى التي قام بها هي ملاحقة "الإمبراطورين" بيريزوفسكي وغوسينسكي بتهم مالية، وانتهى الأمر بفرارهما خارج البلاد.
وفي غضون ذلك استعاد بوتين سيطرة الدولة على أسهم القناة الروسية الأولى التي كانت من أهم أدوات بيريزوفسكي الإعلامية.
أما مؤسسة غوسينسكي؛ وقنواتها فقد سيطر عليها أشخاص موالون لنهج الرئيس فلاديمير بوتين، وبهذا الشكل أصبح الإعلام الروسي كله تقريبًا بقبضة الكرملين.
وتقول صحيفة الشرق الأوسط على لسان مراسلها في موسكو: اليوم لا يمكن تجاهل حقيقة أن تلك المساحات من الحرية التي كانت متاحة للإعلام الروسي سابقًا قد تلاشت تقريبًا، حيث يعرض معظم الإعلام الروسي وجهة النظر الرسمية فقط ويدافع عنها ويروج لها، بينما تبقى مساحات لا تذكر للإعلام الخارج عن سيطرة الكرملين.
كيف سيطر بوتين على شبكة "إن تي في" والقنوات الروسية الرئيسية؟
بعد ثلاثة أشهر فقط من بداية فترته الرئاسية الأولى، فرض بوتين سيطرته على وسائل الإعلام، وساعده ذلك في التخلص من معارضيه الأقوياء، وإبعادهم عن مراكز قوتهم، وبرز ذلك في تغطية حرب الشيشان، وهجمات روسيا الدموية، ودعم شعبية الرئيس، وتعظيم صورة روسيا الجديدة وقائدها، وتحديد أعدائها الجدد.
وكانت أولى ضحاياه شبكة "إن تي في" الإخبارية المستقلة التي كان يشاهدها - في مايو 2000- ما يقرب من 100 مليون شخص، وتصل إلى قرابة 70% من السكان.
وبرغم ذلك فإن شبكة "إن تي في" لم تكن الأخيرة، وواصل بوتين إحكام سيطرته على وسائل الإعلام المختلفة.
وتُعدّ اليوم القنوات التلفزيونية الروسية الرئيسية الثلاث ( القناة الأولى وVGTRK، أو شركة البث التلفزيوني والإذاعي الحكومية في جميع أنحاء روسيا) - حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية - إما مملوكة مباشرةً للدولة، وتعمل بوصفها مؤسساتٍ حكومية أو مملوكة من إحدى الشركات التابعة لإحدى أكبر شركات النفط والغاز في روسيا: غاز بروم (NTV).
فرق تحريرية موالية للكرملين تستولي على أكبر وسيلة إعلام مستقلة على الإنترنت
وفي وقت لاحق تعرضت أكبر وسائل الإعلام على الإنترنت المستقلة مثل Lenta.ru، لعمليات استيلاء عدائية من فرق تحريرٍ موالية، مختارة من الكرملين. يتحكم نائب رئيس أركان بوتين، أليكسي جروموف، في التغطية السياسية، ويقرّر السياسات الخارجية والمحلية التي تجب تغطيتها، وكيف، والأهم من ذلك ما لا ينبغي تغطيته.
وقالت "الجارديان": "أكبر مثال على ذلك منعه متابعة أي أخبار عن أسرة الرئيس، ما لم تصدر تعليمات بخلاف ذلك.
سلاح تضييق الخناق على الملاك وفرض العقوبات والغرامات يؤتي ثماره
وبحسب الصحيفة، فإن الدولة تُوظف قوةً صلبة، وأخرى ناعمة؛ لتعزيز قبضتها على وسائل الإعلام في البلاد، فتُصدر قوانين تقييدية جديدة مثبطة للهمة بانتظام وهو ما أُجبر أصحاب امتيازات وسائل الإعلام الأجنبية على التخلي عن حصصهم في العلامات التجارية العالمية مثل مجلتي فوربس وإسكوير.
من ناحية أخرى، يتم فرض غرامات وعقوبات على وسائل الإعلام الأجنبية إذا لم يتم تغطية الموضوعات المثيرة للجدل، مثل الإرهاب، وتعاطي المخدرات، من حيث أنها "لا تثني صراحة عن السلوك"، وتُهدَّد المنافذ المستقلة بالرقابة الذاتية، وتُخنَق الأشياء التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة، مثل خدمات "الكابل"، أو "الوصول إلى المطابع"، إذا لم تمتثل للأوامر.
وحسب الصحيفة البريطانية، لا تتعرض وسائل الإعلام في روسيا إلى ضغط الدولة فحسب، ولكن أيضًا إلى قيود أيّ صناعة تواجه التحديات نفسها في جميع أنحاء العالم: مثل السباق المتسارع باستمرار لزيادة عدد مشاهدات الصفحة، وتضاؤل الميزانيات وإيرادات الإعلانات، وهذا بدوره يسمح بمزيد من احتمالات التلاعب بالتغطية من خلال وسائل أكثر تقليدية، مثل تحيز السماح بالدخول.
ولا يرَ الروس في الأقاليم الخارجية سوى ما يريده بوتين منهم رؤيته، وأصبح يوجد الآن ثلاثة آلاف قناة تلفزيونية في روسيا، يتجنب معظمها الأخبار تمامًا، وإذا وقعت أي أحداث سياسية مهمة يراد تغطيتها، فيجب مراجعتها بشكل صارم من الحكومة، تقول "الجارديان".
فيديو قد يعجبك: