هآارتس: النووي السعودي يرعب إسرائيل
كتبت- رنا أسامة وهدى الشيمي:
قالت صحيفة هآارتس إن إسرائيل تضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أو على الأقل تعديله- وهذا ما تعارضه إيران بشدة- لتجد نفسها الآن تواجه قوتين نويتيين في الشرق الأوسط بدلا من واحدة، طهران التي أعلنت أنها ستسأنف العمل على برنامجها النووي إذا قُضي على الاتفاق، والرياض التي ترغب في الحصول على أسلحة نووية للتصدي للطموح النووي الإيراني.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية، في تقرير منشور على موقعها الإلكتروني اليوم السبت، أن حملة العلاقات العامة السعودية الخاصة بملف المملكة النووي، لم تُثِر إعجاب الحكومة الإسرائيلية أو الكونجرس الأمريكي، فسارعوا لإطلاق حملتهم الخاصة لمنع إدارة ترامب من السماح للشركات الأمريكية ببناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء في السعودية. الأمر الذي يُثير مخاوف من احتمالية استخدام هذه التكنولوجيا لاحقًا لإنتاج أسلحة نووية.
ولا تحتاج هذه المخاوف إلى قرائن أخرى، بحسب هآارتس، لاسيّما بعد تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي هدّد فيها بتطوير أسلحة نووية حال أقدمت إيران على فعل ذلك. جاء ذلك في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" الذي أُذيع على شبكة "سي بي إس" الأمريكية الاثنين الماضي.
وقال ولي العهد، خلال المقابلة، إن بلاده لا ترغب إلا في الحصول على حقوق متساوية. وبعبارة أخرى فإنه يقول "إذا التزمت واشنطن باتفاقها النووي مع إيران، والذي يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى منخفض، فإن السعودية تستحق الأمر ذاته أيضًا".
وأكّد بن سلمان، في حوار مع الواشنطن بوست الأمريكية، أن هدفه الأساسي هو القدرة على تخصيب ومعالجة اليورانيوم السعودي نفسه لاستخدامه في مفاعلات الطاقة، بدلًا من شرائه من الخارج.
وكشف أن السعودية لديها أكثر من 5 في المائة من احتياطيات اليورانيوم في العالم، قائلًا "إذا لم نستخدمها، سيكون الأمر أشبه بأن يطلب أحد منا عدم استخدام النفط". وأفاد بأنه سيتم دعوة الولايات المتحدة لوضع قوانين وهياكل للتأكد من عدم إساءة استخدام السعودية لليورانيوم المُخصّب.
وبينما ترغب السعودية في تخصيب ما تملك من يورانيوم، تُشير هآارتس إلى أن هذا الأمر يُمثّل لُبّ الخلاف بين واشنطن وتل أبيب من جهة والرياض من جهة أخرى. ووفقًا للمادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي الصادر عام 1954، فإن "اتفاقًا للتعاون السلمي شرط ضروري لنقل المواد والتكولوجيا والمعدات النووية من دولة لأخرى".
وفي العادة تشترط واشنطن أن توقع الدولة التي تريد عقد اتفاق للتعاون النووي أن توقع اتفاقية تمنعها من صنع الوقود النووي الذي يمكن أن يستخدم في تصنيع قنابل. وفي محادثات سابقة رفضت السعودية أن تكون طرفا في أي اتفاق من شأنه أن يحرمها من امكانية أن تتولى بنفسها تخصيب اليورانيوم يومًا ما.
تذكر هآارتس أنه في عام 2009، وُقّعت واشنطن اتفاقًا مع أبوظبي يسمح للأخيرة ببناء مفاعلات نووية استنادًا إلى المادة الـ123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي، فيما لا يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التقيّد بتلك المادة كافيًا. وهذا الشهر، بحث نتنياهو رأيه حيال هذا الأمر مع أعضاء من لجنة العلاقات الخارجية بالكنيست، واتفق بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على وجهة النظر الإسرائيلية.
في المقابل، يضغط ترامب للموافقة على بناء مُفاعلات نووية، واضعًا في اعتباره الأرباح المتوقعة التي يُمكن أن تجنيها الشركات الأمريكية جراء ذلك، بما في ذلك شركة وستنجهاوس اليكتريك، التي لديها فرصة جيدة ليتم اختيارها من قِبل السعودية. على ذلك، فإن ترامب مدين للمملكة، التي وقّعت قبل بضعة أشهر اتفاقًا بقيمة 35 مليار دولار لشراء أسلحة أمريكية.
أعلنت السعودية اعتزامها بناء مُفاعلات نووية "لأغراض سلمية" -وبعبارة أخرى لأغراض البحث وتوليد الكهرباء- كجزء من برنامج (رؤية المملكة 2030) التي يقودها بن سلمان. وعزت هآارتس السبب وراء ذلك إلى حاجة المملكة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على النفط، وكذلك تأهّبًا لليوم الذي ينفد فيه النفط والغاز الطبيعي، في ظل التزايد المُطرد في الطلب على الكهرباء في أرجاء المملكة.
وتشمل الخطة السعودية بناء 16 مفاعلًا نوويًا، يُبنى اثنان منهم في المرحلة الأولى، وكل مُفاعل يُمكنه توليد من 12 ألف إلى 16 ألف ميجاوات من الطاقة. ويقول معارضو المشروع إن السعودية، التي تملك ثاني أكبر احتياطيات نفطية في العالم، لا تحتاج إلى الطاقة النووية. في الوقت الذي يتجه فيه العالم للانتقال من الاعتماد على الطاقة النووية إلى الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي تتوفر في المملكة بكثرة.
وأعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الأمريكية واشنطن على هامش زيارة بن سلمان للولايات المتحدة، أمس الجمعة، أن المملكة تبحث مع الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أخرى إقامة مشروع نووي سلمي.
وبغض النظر عن مدى جديّة السعودية حيال خططها النووية، تقول هآارتس إن "معادلة الردع النووية التي قدّمتها المملكة تضع واشنطن في مأزق". وأشارت إلى أنه في حال رفضت أمريكا بيع التكنولوجيا النووية للسعودية، يُمكن للأخيرة أن تلجأ إلى دول أخرى مثل باكستان، التي لديها علاقات ممتازة معها، روسيا أو الصين.
في ظل هذا السيناريو، تُرجّح هآارتس أن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها الوقوف في وجه الصناعة النووية السعودية، وقد تُصبح روسيا أو الصين حليفتين استراتيجيتين للمملكة، حسبما يقول مسؤولون أمريكيون.
ورغم قلق الولايات المتحدة، تقول هآرتس إن هناك خطرًا أكبر ينتظرها، لأنه على عكس إيران، فإن السعودية ليس لديها أي معرفة أو خبرة خاصة ببناء المفاعلات النووي أو صنع أسلحة أنووية.
وعملت إسرائيل بشكل مُكثف لاقناع ترامب وأعضاء الكونجرس الأمريكي بعدم السماح للسعودية بامتلاك أسلحة نووية. وتقول الصحيفة إن المسؤولين الإسرائيليين طالبوا واشنطن بالامتناع عن ذلك، رغم أن الرياض تعتبر صديقة مُقربة لواشنطن في الوقت الحالي.
والسؤال الذي يجب طرحه هنا، بحسب الصحيفة، هو هل ستصر الرياض على الحصول على أسلحة نووية، وستُجبر واشنطن على القبول بذلك للحفاظ على استمرار العلاقات الجيدة بين البلدين، أم أن السعودية ستقبل بخيار أكثر تواضعًا، وهو التوصل إلى اتفاق دفاعي مشترك مع أمريكا، لحماية المملكة من أي تهديد تمثله لها إيران أو أي دولة أخرى.
ويتواجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الولايات المتحدة الأمريكية الآن، في زيارة تستغرق ثلاثة أسابيع، ومن المقرر أن تنتهي في الوقت الذي سيتعين فيه على ترامب اتخاذ قرار بشان الاتفاقية الإيرانية.
وترى الصحيفة الإسرائيلية إن السعودية ستخشى الدخول في حرب أخرى، تعتمد فيها على واشنطن، بعد فشلها في اليمن، ومعاناتها من الكثير من الهزيمات في سوريا، مُشيرة إلى أن المملكة سيتعين عليها دعم الاتفاق النووي الإيراني، واقناع طهران بعدم الانسحاب منه إذا رغبت في بناء مفاعل نووي، وامتلاك أسلحة نووية. موضحة أن الاتفاق النووي سيحد من طموح طهران، وسيعطي السعوديين الوقت الكافي لتطوير برنامجهم، والحول دون نشوب حرب إقليمية.
فيديو قد يعجبك: