رغم تراجع الشعبية والاحتجاجات.. ماكرون يمضي قدما في مسيرته الإصلاحية
القاهرة- أ ش أ:
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عازم على السير بخطى ثابتة في مسيرته الإصلاحية دون أن يولي اهتماما كبيرا للتراجع الملحوظ في شعبيته والاحتجاجات التي نظمتها النقابات الأسبوع الماضي، وذلك قبل أن يكمل عامه الأول داخل الإليزيه.
وأظهر استطلاع "بي.في.إيه" للرأي يوم الجمعة الماضي، تراجع شعبية الرئيس الفرنسي إلى أدنى مستوى لها منذ انتخابه في مايو الماضي حيث وصلت إلى 40 % لتكون بذلك قد انخفضت 12 نقطة عن نهاية العام الماضي.
وشهدت البلاد يوم الخميس الماضي احتجاجات واسعة شارك فيها الألاف من موظفي الحكومة اعتراضا على الإصلاحات الخاصة بقانون العمل والضمان الاجتماعي، كما أضرب عن العمل أعداد كبيرة من العاملين في القطاع العام اعتراضا على خطط ماكرون بخفض عدد العاملين وتطبيق نظام الأجر وفقا للأداء.
وقد شهد قطاع النقل في فرنسا إضرابا واسعا أدى إلى إصابة الكثير من المرافق الحيوية بالشلل، احتجاجا على التعديلات التي يسعى الرئيس ماكرون إلى تحقيقها والخاصة بالوضع القانوني لعمال السكك الحديدية ومن بينها إلغاء نظام العقود الخاصة للعاملين في قطاع السكك الحديدية والتي تضمن لهم العديد من الامتيازات المالية والاجتماعية.
ووجهت اتحادات عمال النقل تحذيرا للرئيس ماكرون للتراجع عن خطته الإصلاحية والتي ترى أنها غير عادلة وربما تؤدي إلى فقد أكثر من 120 ألف شخص لوظائفهم بحلول عام 2022، فهي تقلل من الحماية الاجتماعية والاقتصادية الممنوحة لهم، كونها تسمح لأرباب العمل بطرد الموظفين لديهم وفق شروط خاصة يقرها القانون الجديد.
وأدى هذا الإضراب في قطاع النقل إلى تباطؤ رحلات القطارات والطائرات وقطارات الأنفاق، فضلا عن إلغاء العديد من رحلات الطيران وإغلاق عدد من المدارس والخدمات العامة. وفي الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية "إس إن سي إف"، لم تعمل سوى 40 % من القطارات السريعة و25 % من الرحلات بين المدن و50 % من القطارات بين المحافظات، فيما ألغيت أربع من رحلات يوروستار.
وفي الوقت الذي رأت فيه النقابات أن قانون العمل يحرمها من حقوق ناضلت من أجلها كثيرا، ترى الحكومة القانون ضروريا لإنعاش الاقتصاد والقضاء على البطالة.
كما أثار ارتفاع ضريبة الحماية الاجتماعية، المفروضة على الطبقة المتوسطة وأصحاب المعاشات، استياء شريحة واسعة من المواطنين. وهذه الزيادة تشمل نحو 60 % من المتقاعدين أي ما يعادل 8 ملايين شخص والذين سيتكبدون خسارة بواقع 408 يورو سنويا بالنسبة لمن يتقاضون شهريا 2000 يورو. ومن الواضح أن هذه الضرائب للمتقاعدين قد أثارت استياء شريحة عمرية كان ماكرون يحظى بشعبية بين أفرادها، حيث تراجعت شعبيته بين الناخبين فوق سن ال(65) لأدنى من 50 % لأول مرة في مارس الجاري ووصلت إلى 47 %.
وعلى الرغم من الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها البلاد والتراجع الملحوظ في شعبية ماكرون إلا أن الرئيس الشاب يمضي بخطى سريعة في مسيرته الإصلاحية ويستعد لمرحلة جديدة من عهدته الرئاسية دون أن يعبأ لأحد من معارضيه. ويرى المراقبون أن أسلوب ماكرون يعتمد على المضي بوتيرة سريعة على كافة الجبهات بمعنى أنه عندما يفتح جبهات جديدة باستمرار فإنه يخمد الاحتجاجات في الجبهة الأولى ليشعلها في الثانية، وبالتالي يتمكن من تحقيق أهدافه الإصلاحية دون توقف، وهو أمر لم ينجح في تحقيقه الرؤساء السابقون.
كما يرى هؤلاء المراقبون أن المناخ السياسي الراهن في فرنسا يسهل على ماكرون استكمال مسيرته الإصلاحية بنجاح. فمن ناحية غياب معارضة قوية يمكنها أن تتصدى لسياسات الرئيس وتشكيل جبهة قوية أمامه يجعل الأجواء ملائمة أمام ماكرون لفرض إصلاحاته دون عراقيل، فالأحزاب التقليدية من اليمين واليمين المتطرف واليسار قد أصابها حالة من الوهن والانقسام بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة ولم تعد قادرة على حشد الجماهير وكسب ثقتهم.
من ناحية أخرى، يتميز ماكرون ببراعته في التواصل حيث أنه ينجح في اختيار الكلمات والعبارات التي تؤثر في شريحة كبيرة من المواطنين كما أنه حريص على فتح قنوات اتصال مع معارضيه والتواصل معهم بشكل مستمر.. فعلى سبيل المثال خلال معرض باريس الزراعي الدولي، ذهب الرئيس الفرنسي للقاء مئات المزارعين الغاضبين لمناقشة سياسة فرنسا التجارية والزراعية مع الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون بهدوء "أوبخكم لأنني لا أحب أن تعترضوا في الخفاء، وها أنا أتيت لرؤيتكم ولكي نتفاهم".. مشيرا إلى أنه لن يترك أي أمر "من دون حل".
في ضوء ما سبق يمكن القول إنه على الرغم من الاحتجاجات الشعبية في بلد معروف بمقاومته للتغيير، يتوقع المراقبون أن يمضي الرئيس ماكرون وحكومته بخطى سريعة في تنفيذ السياسات الإصلاحية متجاوزين الكثير من القواعد التقليدية للحياة السياسية الفرنسية، حيث تطمح الحكومة بإصلاحاتها المقترحة خفض العجز في الميزانية الفرنسية إلى أقل من 3 % من إجمالي الناتج المحلي، وهي النسبة التي حددها الاتحاد الأوروبي، وتنوي الانتهاء من خطتها المقترحة بحلول عام 2022.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: