"المشاكل الداخلية".. هل كانت المحرك للعدوان الثلاثي على سوريا؟
كتبت- هدى الشيمي:
بين ليلة وضحاها، حزمت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا أمرها، وقررت الدول الثلاث شن هجوم على منشآت عسكرية ومدنية سورية، أمس السبت، ردًا على ما يُشتبه في أنه هجوم كيماوي على مدينة دوما بالغوطة الشرقية.
لم تنتظر الدول الغربية الثلاث إجراء تحقيق دولي، واستعجل مسئولوها الأمر، ما أثار الشكوك حول الدوافع وراء العدوان الثلاثي على الدولة العربية، خصوصا مع الانقسام الدولي حول الهجوم، الذي اعتبره البعض وسيلة حازمة لردع الأسد، فيما وجده آخرون انتهاكًا لسيادة الدولة السورية.
ومن بين التساؤلات المطروحة، عقب الهجوم الذي نُفذ باستخدام صواريخ من طراز توماهوك تجاوز عددها المائة، هو هل تحاول حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا الهروب من مشاكلها الداخلية باستغلال الأزمة السورية لصرف انتباه شعوبها عما يجرى، لاسيما أن قادة الدول الكُبرى الثلاث يمرون بمواقف لا يحسدون عليها.
ورغم استبعاد محللين ومراقبين لهذا الأمر إلا أن شبكة سي إن إن الأمريكية، قالت في تحليل نشرته أمس السبت، إن هذه الطريقة ليست جديدة على قادة الدول، فقد اتبعها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، عندما أمر بشن هجوم على معسكرات تدريب تنظيم القاعدة في أفغانستان، في أغسطس عام 1998، رداً على تنفيذ التنظيم عمليات إرهابية استهدفت سفارتين أمريكيتين في إفريقيا، فيما كان الدافع الحقيقي التشويش على فضيحة تورطه في علاقة مع مونيكا لوينسكي، المتدربة في البيت الأبيض.
"علاقات نسائية"
بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن المشاكل تلاحقه منذ ظهوره على الساحة السياسية وإعلانه خوضه المنافسة في السباق الانتخابي أمام السياسة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لاسيما تلك المتعلقة بعلاقاته غير الشرعية بالنساء.
وفي الأيام الأخيرة، تصاعدت أزمته مع الممثلة الإباحية السابقة ستورمي دانيالز، اسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، التي تقول إنها أقامت علاقة معه في منتجع سياحي بفلوريدا عام 2006، بعد أشهر من إنجاب زوجته ميلانيا ابنهما بارون.
وقالت عارضة الأزياء في مجلة بلاي بوي كارين ماكدوجال إنها جمعتها بالرئيس الأمريكي علاقة غير شرعية، بالإضافة إلى النساء اللائي عملن معه، ومقدمات البرامج والممثلات اللاتي أشرن إلى أنه تحرش بهن، أو حاول التقرب منهن جنسيا.
وزعم حارس العقار السابق في أبراج ترامب بمنهاتن، الجمعة الماضية، أن ترامب له ابن غير شرعي نتج عن علاقة بين رجل الأعمال الكبير، وقتذاك، ومديرة منزله، في أواخر الثمانينات، ولا تزال وسائل الإعلام الأمريكية تبحث عن حقيقة هذه القصة.
ويتعامل عدد لابأس به من المجتمع الأمريكي، خاصة الناشطين في حقوق المرأة والإنسان، مع ترامب على أنه شخص لا يحترم المرأة، بعد انتشار مقاطع صوتية ومقطع فيديو يتحدث فيه عن النساء بطريقة "مهينة".
وفي السياق ذاته، لم يتمكن الرئيس الأمريكي من تحقيق بعض الوعود المُدرجة على برنامجه الانتخابي، أهمها تلك المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين والمسلمين، ووعده ببناء جدار عازل على الحدود بين بلاده والمكسيك، الذي ينذر بحدوث أزمة كبيرة بين البلدين، لاسيما أن المكسيك ترفض تمويل الجدار، وتعتبره انتهاكاً لسيادتها.
ويشن ترامب حربًا على ما يصفه بـ"وسائل الإعلام المزيفة"، التي يقول إنها تتربص به وبعائلته والمقربين منه، وتحاول النيل منه، وتشويه صورته، وأنها دائمًا تنتقده، وكان آخر تلك الانتقادات سخرية الصحف ووسائل الإعلام من عبارة "انتهت المهمة!"، التي استخدمها ترامب في تغريدة أشاد فيها بالهجوم الثلاثي على سوريا، أمس السبت.
"صعوبات البريكست"
لا يختلف موقف رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي كثيرًا عن الرئيس الأمريكي، فهي تواجه صعوبات بالغة تتعلق بخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي والمعروف باسم (البريكست)، كانت آخرها خسارتها في التصويت على قرار مهم في البرلمان، بعد تمرد نواب من حزب المحافظين، وتصويتهم إلى جانب المطالبين بأن يكون للبرلمان القرار الحاسم بشأن أي اتفاق مع بروكسل حول بريكست، بعكس إرادة الحكومة ما شكل انتكاسة كبيرة لماي.
وقضت ماي فترة صعبة لا تُحسد عليها، خلال المفاوضات التي انتهت إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة حول 3 مسائل تُشكل "جوهر انسحابها من التكتل بين الحدود مع ايرلندا، وكلفة بريكست، وحقوق المواطنين".
وخسرت ماي الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة التي دعت لها للحصول على تفويض أقوى في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبره المحللون السياسيون البريطانيون ضربة قوية تواجهها رئيسة الوزراء.
وتوجه الانتقادات لرئيسة الوزراء البريطانية بسبب انتشار جرائم الإرهاب، وعدم قدرتها على التصدي للهجمات التي تصيب بلادها وتترك ورائها مئات القتلى والجرحى.
ويشن جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، هجمات متتالية ضد ماي، احتجاجا على سياستها الداخلية والخارجية، وآخرها استقبالها الحافل لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو ما يرفضه بسبب "الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وتسببت في حدوث أزمة انسانية راح ضحيتها مئات الآلاف، وترك الملايين يواجهون خطر المجاعة".
وانتقد كوربين، في تصريحات أمس السبت، مشاركة بريطانيا في الهجوم الثلاثي على سوريا، وقال إن "القنابل لن تنقذ الأرواح ولن تجلب السلام".
"احتجاجات فرنسية"
الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون، يواجه موجة احتجاجات عمت العديد من المدن في بلاده، رفضًا لإصلاحاته المتعلقة بالعمل والتعليم والسكك الحديدية. ويبدو أنها دفعته لاتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكرية لدولة أخرى لأول مرة منذ توليه الرئاسة العام الماضي.
يوم الجمعة الماضي، حاول طلاب اقتحام جامعة السوربون وسط باريس، للإعراب عن رفضهم الإصلاحات التي أدخلها ماكرون، وتمنح الجامعات الحكومية سلطة تحديد شروط قبول الطلبة وتصنيف المتقدمين بطلبات الدخول إليها، وهو ما اعتبره بعض الطلبة والمعارضين السياسيين اليساريين انتهاكًا لمبدأ التعليم المجاني.
وتتواصل احتجاجات عمال السكك الحديد، منذ مارس الماضي حتى الآن، وحسب النقابات العمالية فقد فاق عدد المتظاهرين 400 ألف شخص في أكثر من 150 مسيرة، لاسيما أنهم يخشون من أن خطة الحكومة بإلغاء ضمانات للعمل مدى الحياة والرفع التلقائي السنوي للرواتب وخطط تقاعد بتسويات مالية مجزية.
ويرافق الاحتجاجات الفرنسية إضراب عن العمل، أدى إلى إلغاء 60% من رحلات القطارات السريعة و75% من رحلات القطارات بين المدن و30% من الرحلات الجوية من وإلى باريس. كما شارك فيها نحو 13% من الهيئة التعليمية.
وذكرت صحيفة "برس أوسيان" الفرنسية، أمس السبت، أن عشرات الأشخاص أصيبوا بجروح في مواجهات بين متظاهرين وقوات الشرطة في مدن فرنسية عدة؛ احتجاجاً على السياسات التقشفية للحكومة، مشيرة إلى استخدام الشرطة الغازات المسيلة للدموع والماء المضغوط ضد المحتجين على سياسات الحكومة، في حين رشق المتظاهرون عناصر الأمن بالحجارة ومواد حادة.
"بعث رسالة"
في المقابل، يرى السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن افتراض لجوء قادة الدول الثلاث للحرب للهرب من مشاكلهم الداخلية، غير حقيقي، وما هو إلا تخيلات يروجها من لا يفهم الأسباب الحقيقية لما حدث، ويرجعه لمعاناة هذه الدول من مشاكل داخلية.
ويقول القويسني، لمصراوي: هذا الافتراض قد ينطبق على أمريكا، ولكنه لا ينطبق على بريطانيا وفرنسا، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأهداف والاسباب وراء الهجوم الغربي على سوريا، وأهمها الضغط على روسيا ومحاصرتها، والتأثير على صورتها الدولية في سوريا، انطلاقًا من أزمة الجاسوس الروسي، التي كانت المحرك الأساسي لعدة تحركات غربية ضد موسكو.
ويؤكد السفير السابق أن الدول الثلاث رغبت في بعث رسالة إلى روسيا مُفادها أنها قادرة على الوصول إلى المسرح السوري، الذي توجد فيه موسكو بقوة وتسيطر عليه، كما تريد الدول الثلاث تأكيد قدرتها على معاقبة النظام الذي تدعمه موسكو.
"ذريعة"
ويرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الهجوم الكيماوي المزعوم ما هو إلا ذريعة استخدمتها القوى الدولية للتدخل في سوريا، وتأكيد من الولايات المتحدة والغرب أنهم لن يسمحوا لروسيا وإيران بتحديد مصير الدولة السورية في المستقبل.
ويقول نافعة لمصراوي، إن افتراض الهرب من المشاكل الداخلية، سطحي وغير منطقي، لأن سوريا تحولت إلى ساحة للصراع العالمي والإقليمي، أو بكلمات أخرى معمل لـ"تفريخ" نظامين عالمي وإقليمي جديدين، لاسيما أن النظام العالمي القديم، الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردة، يتداعى، ويظهر نظام عالمي جديد أقرب ما يكون إلى التعددية القطبية، أي تشارك فيه عدد من الدول الكبرى.
ولأن المصالح الأمريكية في سوريا كبيرة جدا، يرجح نافعة أن الصراع سيبقى مفتوحًا، ومن الممكن أن تحدث ضربات أخرى في أي وقت، ويُضيف: "ربما لأسباب أو في ظروف مختلفة، لأن واشنطن تحاول التأكيد على أنها لن تترك روسيا تنفرد بالساحة، وأن المفاوضات المتعلقة بسوريا لن تتم خلال سوتشي ولكن من خلال جنيف".
فيديو قد يعجبك: