"المصالحة في خطر".. محطات عمّقت شرخ الانقسام الفلسطيني
كتبت – إيمان محمود:
11 عامًا من الانقسام، قبل أن تحاول مصر التوسط لطيّ صفحة الخلافات بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، من خلال اتفاق مصالحة رسمي بين الطرفين، لكن استمرار الخلافات بين الطرفين والإصرار على ترسيخ الفرقة بينهما، حال دون التزامهما بالاتفاق وبدد آمال الشعب الفلسطيني بإنهاء الفرقة.
وقعت حركتا حماس وفتح في 12 أكتوبر من العام 2017، على اتفاق للمصالحة في القاهرة، بعد يومين من الاجتماعات المستمرة لعبت مصر خلالها دور الوسيط، لإنهاء الانقسام الذي أثقل كاهل الشعب الفلسطيني على مدار سنوات.
لم تكن المحاولة المصرية للصلح بين الحركتين الرئيسيتين في فلسطين هي الأولى من نوعها، فقد بدأت لقاءات المصالحة في شهر مارس 2008 في العاصمة اليمنية صنعاء، رعاها في ذلك الوقت الرئيس السابق على عبد الله صالح، وأعلن هناك عن اتفاق يدعو إلى عودة قطاع غزة إلى حالة ما قبل يونيو 2007، أي قبل سيطرة حركة حماس عليه، لكن تلك المحاولة وما تلتها باءت جميعها بالفشل.
ومنذ اتفاق المصالحة في أكتوبر الماضي، مرت الحركتان بعدة محطات عمّقت الفرقة بينهما، أبرزها المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس حكومة الوفاق رامي الحمد الله، وأزمة رواتب الموظفين في غزة التي قطعتها الحكومة، وسلاح المقاومة في غزة.
اتهامات متبادلة
لم تمر سوى أيام على توقيع اتفاق المصالحة، حتى عادت سلسلة الاتهامات والتراشق الإعلامي بين حركتي فتح وحماس، لتلقي كلاً منهما باللوم على الأخرى في عدم الدفع بالمصالحة والالتزام ببنودها.
ويتهم مسؤولون في السلطة الفلسطينية، حركة حماس بـ"عدم الالتزام" بما ورد في اتفاق المصالحة من تسليم إدارة قطاع غزة إليها.
وبموجب الاتفاق، كان من المقرر أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع بحلول الأول من ديسمبر المنصرم، ثم تأجلت الخطوة إلى العاشر من ديسمبر، ثم أُعلن تأجيل التسليم النهائي بسبب الاتهامات.
وبعد استمرار تراشق الاتهامات بين الطرفين؛ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرارًا بوقف جميع التصريحات التي تتناول المصالحة الوطنية والمتسببين في عرقلتها فورًا، وذلك "من أجل المصلحة الوطنية الفلسطينية".
واتهم مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد، حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007 بـ"بعدم الالتزام" باتفاق المصالحة، قائلاً "حماس غير ملتزمة بما وقعته من اتفاق في القاهرة حول إنهاء الانقسام"، مشيرًا إلى أنه "حتى هذه اللحظة، فإن المشاكل والعراقيل من قبل حماس ما زالت موجودة بل وتتزايد".
أزمة الرواتب
وتعد قضية دمج 40 ألف موظف كانت عينتهم "حماس" بعد سيطرتها على القطاع في 2007، من أبرز القضايا العالقة في ملف المصالحة.
واستخدمت السلطة الفلسطينية رواتب الموظفين في غزة كأداة ضغط على حماس لتسليم القطاع، إذ امتنعت عن صرف الرواتب منذ شهر مارس الماضي.
فيما أدانت حركة حماس في بيان لها الاثنين الماضي، قيامَ السلطة الفلسطينية بقطع رواتب موظفيها معتبِرة أن ذلك جزء من إجراءات الرئيس محمود عباس "الانتقامية" ضد القطاع المحاصَر، على حد تعبيرها.
واعتبرت حماس: إن قطع الرواتب هو "عمل مجرد من كل القيم والمبادئ الأخلاقية والوطنية والإنسانية، وضرب لمقومات وعوامل صمود أبناء القطاع، وابتزاز لهم في لقمة عيشهم مقابل أثمان سياسية رخيصة".
ودعت الحركة الفلسطينيين وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى "الوقوف عند مسؤولياتهم" والتدخل الفوري والعاجل "لوقف هذه المجزرة وهذا الاستهتار بحياة مليونَيْ فلسطيني في غزة يعيشون أسوأ ظروف الحياة، والعمل على إنهاء الحصار الظالم بحقهم".
أما حركة فتح فقد نفت تمامًا تعمّد السلطة قطع الرواتب، مؤكدة عدم وجود قرار رسمي بقطع رواتب الموظفين في قطاع غزة وأن الأزمة سببها "خلل فني".
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي "لا يوجد قرار بقطع الرواتب، والرئيس محمود عباس أبلغنا قبل ثلاثة أيام أن تأخر الرواتب يعود لخلل فني سيتم إصلاحه".
إدارة المعابر
في 1 نوفمبر الماضي؛ تسّلمت السلطة الفلسطينية، مهام السيطرة على المعابر الثلاثة من حركة حماس -التي سيطرت عليها منذ عام 2007- وفق ما نص عليه البند الأول في اتفاقية المصالحة.
وتتولى السلطة- التي تدعمها حركة فتح - إدارة معبري بيت حانون وكرم أبو سالم بالكامل الأربعاء، لأول مرة منذ عقود عند حدود القطاع مع إسرائيل، وإدارة معبر رفح مع مصر.
واعتبرت السلطة الفلسطينية تسلم المعابر "خطوة حقيقة على طريق المصالحة"، وقبل تسليم المعبر بيوم واحد، عقد ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني، اجتماعًا مفاجئًا مع يحيى السنوار رئيس الحركة في غزة، مطالبًا إياه بالمساهمة في إدارة المعابر نظرًا لعدم استعداد الحكومة في الوقت الحالي، وهو ما حدث، إذ شاركت قوات حماس بالمساعدة في عمل المعبر حينها.
وتسلم نظمي مهنا، المسؤول عن المعابر في السلطة الفلسطينية، رسميا إدارة معبر رفح من نظيره في حماس.
ووصف أحمد حلس، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، تسليم المعابر بأنه كان بداية جادة لتسلم الحكومة لمهامها كافة في القطاع، معبرًا عن أمله في أن تتوج تلك الخطوة بوحدة حقيقية.
نزع السلاح
تعتبر قضية تسليم حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام السلاح والعودة في صف الوطن من الخلافات الجوهرية في حل القضية الفلسطينية، حيث ترفض الحركة تسليم السلاح وتصر على الاستمرار في السيطرة الأمنية على القطاع وهو ما ترفضه حركة فتح.
ورفضت بشكل قاطع الاستجابة لمطالب داعية لعدم استخدامه، وأكد يحيي السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، أن الحركة لا تريد بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها ستحتفظ بسلاحها.
وأعلن السنوار، خلال لقاء جمعه بالنقابات المهنية بغزة رفضه شروط الاحتلال الإسرائيلي حول المصالحة، مشيرًا إلى أنها مرفوضة بالكامل، مضيفا: "لا يمكن أن نعترف بإسرائيل أو نتنازل عن سلاحنا أو أي ثابت من ثوابتنا".
وأوضح: "نحن جاهزون أن نتنازل وطنيا وداخليا لأبعد حد، أما أمام العدو فلن نتنازل".
وقال مدير عام الشرطة الفلسطينية حازم عطا الله، إنه يجب على حماس أن تنزع سلاحها، مُعبرًا عن رفض السلطة الفلسطينية أن تحتفظ كتائب القسام التابعة لـ"حماس" بسلاحها.
وتابع: "نحن نتحدث عن سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أي سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد".
محاولة اغتيال الحمد الله
في 13 مارس الماضي، استهدف انفجار موكب رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامي الحمد الله، بعد ووصوله إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون، والذي أسفر عن إصابة 7 أشخاص من صفوف رجال الشرطة والأمن المرافقين للموكب.
اعتبر الحمد الله وقتها ان استهداف موكبه جاء لإفشال جهود المصالحة؛ قائلاً ما حدث اليوم لن يزيدنا إلا إصرارا على مواصلة عملنا"، مطالبًا بإتمام المصالحة في أسرع وقت.
وعقب الحادث، حمّلت السلطة الفلسطينية حركة حماس المسؤولية وراء محاولة الاغتيال، وهدد الرئيس محمود عباس، الحركة بأنها ستتحمل العواقب إذا لم تسلم كل شيء في قطاع غزة للحكومة.
ونفت الحركة أي صلة لها بمحاولة الاغتيال، بل أكدت أنها تمتلك أدلة براءتها.
وحضت الجهات الإقليمية والدولية وجامعة الدول العربية، على التدخل العاجل والمسؤول لوقف التدهور الخطير وتحمل مسؤولياتهم في منع وقوع الكارثة على المستوى الوطني الفلسطيني الداخلي.
وفي تصعيد جديد؛ اتهمت حماس، أمس، المخابرات الفلسطينية بالوقوف خلف الانفجار الذي استهدف موكب الحمد الله.
وقال إياد البزم الناطق باسم وزارة الداخلية في مؤتمر صحافي في غزة "التحقيقات أثبتت أنه قبل 8 أيام من زيارة الحمد الله إلى غزة تم وضع العبوات الناسفة في المنطقة، وقبل 3 أيام من الزيارة تم وضع دوائر التفجير، بينما لم يكن المسؤولون في غزة على علم بالزيارة سوى قبل 48 ساعة".
وأضاف: "التحقيقات توصلت إلى شخصية معروفة باسم أبو حمزة أ. مؤسس منبر إعلامي جهادي ومديرُه، ومن خلاله تتم إدارة الخلايا التخريبية وتوجيهها وتبادل المعلومات، وقد تم تجنيد الخلية التي نفذت محاولة اغتيال أبو نعيم وتفجير الموكب وربطها من خلال المنبر... وبعد تحقيقاتٍ واسعةٍ ومعقدةٍ تم التعرفُ على هويةِ (أبو حمزة أ.)، وهو المدعو أ. ص.، من الضفة الغربية".
وزعم الناطق باسم حماس أن "أبو حمزة" يعمل لصالح جهاز المخابرات العامة في رام الله.
من جانبها؛ شككت الحكومة الفلسطينية برواية حماس، وقالت إنها تختلق روايات "وهمية واهية وتنفذ سيناريوهات مشبوهة".
ووصفت الحكومة ما قدمته حماس بأنه "صناعة التبرير، وغسل النفس الاصطناعي والمسرحي، من المسؤولية عن جريمة محاولة الاغتيال؟، وجريمة إعدام المصالحة الوطنية التي ارتكبتها حركة حماس".
وقال المتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود، إن "هذه الأكاذيب لا تكفي لتغطي جزءاً بسيطاً من الحقيقة الواضحة التي تدل على تحملها المسؤولية الكاملة عن جريمة محاولة الاغتيال وإعدام المصالحة الوطنية".
وأضاف "المفاجأة فيما قدمته حماس هو إصرارها على الخروج السافر عن كل الخطوط، والأعراف الفلسطينية".
وعبر المحمود عن "أسف الحكومة تجاه ما قدمته حركة حماس والمستوى الذي انحدرت اليه في العبث السافر بالحالة الوطنية وتعاملها اللا مسؤول مع المصالح الوطنية العليا لأبناء شعبنا الصامد البطل".
فيديو قد يعجبك: