لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من الشمال إلى الجنوب والعكس.. كيف تتغير التركيبة السكانية لسوريا؟

11:18 م الثلاثاء 03 أبريل 2018

كتب - محمد الصباغ:

بدأت مناطق النفوذ تتضح وتترابط في سوريا، فالحكومة تفرض سيطرتها على الجنوب والمناطق المحيطة بالعاصمة دمشق بشكل شبه كامل حاليًا، فيما سيطرت قوات تركية على عدد من المدن في الشمال الذي توجد فيه أيضًا القوات الكردية المدعومة بقوات وأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية.

ووسط عمليات النزوح الجماعية من المدن التي يسيطر عليها الجيش السوري، تتحول السيطرة العسكرية في مناطق مختلفة إلى سيطرة إدارية وظهر ذلك جليًا في القرار الجمهوري الأخير من بشار الأسد الذي تحدث عن إعادة تنظيم المدن من أجل بداية مرحلة إعادة الإعمار.

لكن أيضًأ أزمة تغيير التركيبة السكانية في سوريا بدأت أيضًا في التشكل. بدأت عمليات النزوح تتم من مدن إلى مدن أخرى وباتت المنازل والشوارع تستقبل وجوهًا جديدة ربما لم ترها من قبل، حيث انطلق معارضون مسلحون سُنّة ومعهم أهالي من المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق وحلب إلى الشمال باتجاه أماكن تسيطر عليها قوات تركية ومعها الجيش السوري الحر المعارض.

كما أن كثيرين ممن كانوا في مدن شمالية يسيطر عليها الأكراد قرروا الهروب من التوغل التركي في عفرين إلى مناطق تحت سيطرة الحكومة مثل حلب، وبالتالي بات السُنّة في ضواحي العاصمة دمشق وشرق حلب يعيشون في الشمال حيث لم يعيشوا من قبل، بينما غادر سوريون من الشمال إلى دمشق وحلب للحياة في مناطق جديدة عليهم، والجميع يعلمون أن العودة ربما تكون مستحيلة.

بعد السيطرة الحكومية على مدينة دوما في الغوطة الشرقية والاتفاق عبر الجانب الروسي مع المعارضة المسلحة (جيش الإسلام) في المنطقة على الخروج منها.

يقضي الاتفاق الأخير مع "جيش الإسلام" في دوما آخر معاقل المعارضة المسلحة في المنطقة، بخروج المقاتلين إلى مدينة جرابلس التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر على الحدود التركية.

"الوطن ليس لمن يحمل جنسيته بل لمن يدافع عنه"

ولا يمكن إغفال وسط التغير في التركيبة السكانية سواء عن خطة متعمدة أو دونها، نص قرار جمهوري نشرته الوكالة الرسمية السورية (سانا) الإثنين، يقضي بإعادة تنظيم المناطق الإدارية، والذي يأتي ضمن المخطط التنظيمي العام، في إطار عملية إعادة الإعمار في سوريا.

ويقول فراس الخالدي، المحلل السياسي السوري وعضو لجنة حوار القاهرة ومباحثات جنيف، لمصراوي إن هذا القرار هو عملية استيلاء وتغيير في التركيبة السكانية برعاية قانون، حيث يبيح "النظام السوري لنفسه في بعض المناطق نزع الملكية ومنحها لمن يشاء وهذا الموضوع يسعى له المحور الإيراني لكي يقوم بتثبيت التغيير الديمغرافي الذي حصل في حمص وجنوب دمشق وما إلى ذلك من المناطق التي حدث فيها ذلك".

وفي عام 2014، تم أول اتفاق لخروج المعارضة السورية المسلحة من المدينة القديمة بحمص أو ما عرفت بـ "هدنة حمص"، والتي انتهت بخروج المعارضين المسلحين وبعض السكان الذين رفضوا البقاء في المناطق القديمة مثل "بابا عمرو، والبياضة، والخالدية".

وتتماشى تصريحات الخالدي مع تقارير سابقة تشير إلى أن الحكومة السورية تنفذ خطة إيرانية تهدف إلى جعل سوريا أشبه بلبنان حيث يمكن السيطرة على الجنوب السوري بشكل كامل، ويعزز ذلك وجود مقاتلين إيرانيين أو موالين لهم من خارج سوريا في المناطق التي سيطرت عليها الحكومة.

ولا يمكن أيضًا إغفال تصريح الرئيس السوري بشار الأسد في يوليو من عام 2015، حينما قال: "الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه".

وذكر أيضًا آنذاك أمام حشد حكومي أن إيران قدمت الدعم لسوريا "انطلاقا من أن المعركة ليست معركة دولة أو حكومة أو رئيس بل معركة محور متكامل لا يمثل دولا بمقدار ما يمثل منهجا من الاستقلالية والكرامة ومصلحة الشعوب واستقرار الأوطان".

وفي تصريحات سابقة لصحيفة الجارديان البريطانية، قال لبيب النحاس، مسؤول العلاقات الخارجية بحركة "أحرار الشام" المعارضة المسلحة، إن طهران تسعى إلى خلق مناطق سيطرة أو نفوذ في سوريا وتبديل سكان الشمال بالجنوب.

وصرح للجارديان: "إيران كانت مستعدة جدًا لعملية استبدال الشمال بالجنوب. أرادوا امتدادا جغرافيًا في لبنان. عملية الفصل المذهبي هي في قلب المشروع الإيراني. يبحثون عن مناطق جغرافية يمكنهم الهيمنة عليها بشكل كامل. سيكون لذلك تبعات على كامل المنطقة".

النزوح من الشمال إلى الجنوب والعكس

قال الأسد في خطابه عام 2015 المذكور سابقًا أنه لم يسمع من قبل عن نزوح للمواطنين إلى مناطق استولى عليها "الإرهابيين"، مضيفًا "لم نسمع عن التنوع السوري الغني في أماكن وجودهم ولا عن التجانس بين الأطياف التي تعيش في ظلهم".

كما أشار إلى بعض الأهالي في مناطق مختلفة في سوريا حملوا السلاح "مع الجيش وهذا كان له تأثير في حسم المعارك بسرعة وبأقل الخسائر مشددا على أن الحرب ليست حرب القوات المسلحة فقط بل حرب كل الوطن".

ربما يكون للأسد حق في ذلك، لكن بعدما تسيطر قواته على مناطق يخرج منها المقاتلين المعارضين -بعضهم ربما يكون من أبناء هذه المناطق الذين خرجوا ضد النظام منذ عام 2011، ومعهم أيضًا كثير من السكان الذين يخشون الفتك بهم حال البقاء.

آخر الأمثلة كان اتفاق خروج مقاتلي "جيش الإسلام" المعارض من مدينة دوما بالغوطة الشرقية، وبحسب تقرير الأسبوع الماضي لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية فإن أزمة هذا الفصيل هو أن أغلبه من سكان المنطقة نفسها. وبالتالي بعد الهزيمة لن يستطيعوا البقاء مع دخول الجيش السوري.

فضّل "جيش الإسلام" التحرك نحو الشمال وتحديدًا مدينة جرابلس حيث يسيطر الجيش السوري الحر وتركيا، وبالتالي يكون بجوار المعارضين السُنة الآخرين في الشمال. ويبدو أن الصورة تزداد وضوحًا حول مخطط إيراني ينجح، برغم نفي الجميع للاتفاق على إحداثه.

ويقول فراس الخالدي إن خروج جيش الإسلام إلى جرابلس ليس له ربط مباشر بعملية تغيير التركيبة السكانية، لكن النتيجة إذا رحل "جيش الإسلام" سوف تشهد ما يحدث في مدينة القصير في حمص التي "احتلها النظام السوري عبر مليشيات إيرانية ولبنانية ومنع أهلها حتى الموالين للنظام من الوصول إليها أو الدخول إليها. ويحدث ذلك أيضًا في مدينة القلمون وجنوب دمشق".

وبموجب المرسوم الجديد الذي أصدره الأسد بشأن إعادة تنظيم المناطق، سيكون منح "كل الإيراني الموجود حق تميلك وثبته في الأرض، والقوات الموالية لهم أيضًا وهي من جنسيات مختلفة سواء باكستان أو العراق أو أفغانستان."

كما تواجه تركيا اتهامات أيضًا بممارسة الشيء نفسه في الشمال السوري مع دخولها مناطق مثل الباب وجرابلس وعفرين. تستقبل مدن في الشمال السوري المقاتلين السُنّة النازحين من الجنوب سواء عبر الاتفاقات أو تحركات عسكرية تمت مثلما فعل الجيش السوري الحر لدعم تركيا في معركتها بمنطقة عفرين.

في بداية العام، أعلنت تركيا عن إقامة منطقة صناعية في منطقة الباب شمالي سوريا وواجهت اتهامات بتوطين السكان التركمان في المنطقة.

ووصف نشطاء محليين الأمر بأنها تمارس عملية "تتريك" في المنطقة بداية من المدارس والمصانع، ونقلت مصادر تعليمية لوكالة سبوتنيك الروسية في يناير الماضي أن المدارس السورية تحت سيطرة قوات درع الفرات التركية شمالي حلب باتت تحمل العلم التركي.

وأطلقت أسماء ضباط أتراك قتلوا في العملية في شمالي سوريا على مدارس سورية، كما أنها فرضت اللغة التركية كمادة أساسية في التعليم.

ونزح الآلاف من أهالي منطقة عفرين إلى مدينة حلب في الجنوب بعد عملية القصف التركية والتوغل لقوات الجيش السوري الحر في المدينة خلال الشهر الماضي، وباتت المدينة التي كانت ملجأ للنازحين منذ بداية الحرب الأهلية منطقة نزوح إلى وجهات أخرى إلى الجنوب.

ولفت تحقيق مطول لصحيفة نيويورك تايمز أيضًا إلى عملية التهجير القسري للأهالي في سوريا. وأشار إلى أن مبعوث إيراني حاول إبرام صفقة أطلق عليها "المدن الأربع".

فيها حزب الله سينهي حصاره لبلدتين من معاقل المعارضة السنية في جنوب سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية وهما مضايا والزبداني، الذين يشكل المسلحون فيها تهديدًا مستمرًا للرئيس الأسد في دمشق. وفي المقابل، ستنهي المعارضة المسلحة حصارها لبلدتين شيعيتين في الشمال الغربي وهما الفوعة وكفريا.

ولفتت إلى أن الاتفاق يضمن هدفين تسعى إليهما إيران: الأول هو التخلص من تهديد المعارضين في منطقة استراتيجية، في وقت يتم فيه إنقاذ الشيعة الذين يواجهون الخطر في الشمال.

وبحسب نيويورك تايمز وتقريرها المنشور في الشهر الماضي، اقترح الإيرانيون تبديل السكان في تلك المدن، حيث يستبدل السُنّة والشيعة أماكنهم حرفيًا وربما يسكن كل منهم في منازل الآخر. قدموا الأمر على أنه حل إنساني: ينهي حصارين ويستفيد منه سكان المدن الأربع.

ماذا بعد؟

يرى لبيب النحاس، المسؤول بحركة أحرار الشام، أن ما يحدث في سوريا لا يضرب التوازن في التركيبة السكانية بل في توازن النفوذ في سوريا بأكملها.

وأضاف في تصريحات سابقة للجارديان: "كل المجتمعات ستكون مستضعفة. الحرب مع إيران باتت حرب هوية. يريدون الدولة أن تصبح مثلهم وتخدم مصالهم. والمنطقة لا يمكنها أن تتسامح مع ذلك".

ذكرت نيويورك تايمز في تقريرها المذكور بالأعلى أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يعارض اقتراح الإيرانيين واتفاق المدن الأربع ونقل السكان.

ومع طرد المعارضة المسلحة من مدينة داريا في سبتمبر عام 2016، وقف بشار الأسد بين حطام المدينة الخاوية وتحدث وسط عدد قليل من المسئولين بجواره عن مصطلح التغيير الديمغرافي "الخبيث" الذي يحاول المعارضون تكريسه منذ بداية الأزمة السورية.

وفي المدينة الخالية إلا من آثار الدمار نفى الأسد سعي الدولة السورية نحو "تهجير الأهالي وتغيير التوزيع الديمغرافي في المناطق التي يستعيدها الجيش السوري من أيدي المعارضة".

وأضاف أن "هذا المصطلح خبيث وخطير.. فالصورة هي أكبر من قضية داريا.. يريدون استخدام داريا فقط لتكريس الصورة التي حاولوا تكريسها منذ بداية الأزمة وهي قضية طائفية بالدرجة الأولى".

يرفض فراس الخالدي المحلل السياسي السوري، التدخل التركي في سوريا ويطالب بخروجهم من الأراضي السورية من أجل إتاحة المساحة لحوار سياسي مع الأكراد يحفظ للدولة السورية أرضها "وخصوصًا أن التركي لن يخرج بسهولة". وأشار في الوقت نفسه إلى أن الشمال السوري 70% منه قبائل عربية بدوية وليس "بأكمله كردي كما يزعم البعض".

وأشار إلى أن الأخطر من فكرة التغيير الديمغرافي هي فكرة أن النزوح للمقاتلين السُنّة في الجنوب نحو الشمال سوف يتم استخدامهم "كبندقية مؤجرة لمصلحة تركيا" واستغلالهم عبر إقناعهم بأنه ملجأهم الوحيد.

المشهد السوري حاليًا يظهر فيه المقاتلون السنة المعارضين في الشمال بمناطق النفوذ التركي تحت رحمة أنقرة، بينما الشيعة والمدعومين من إيران في العاصمة دمشق وجنوب سوريا حيث نقطة قوة في يد الحكومة السورية وربما يكونون شوكة في وقت ما لصالح طهران.

ولفت المحلل السوري إلى أن الوضع لو استمر بهذا الشكل ولم يتم التوصل لحل سياسي سيكون المستقبل السوري "أكثر من كارثي".

وبدأ التقسيم العسكري الموجود في سوريا منذ بداية الحرب يتحول إلى تقسيم إداري، مثل القرار الرئاسي في سوريا يوم الإثنين أو القرار التركي بتعيين ولاة من أنقرة على المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بجانب أيضًا الحكم الذاتي للأكراد في مناطق سيطرة قواتهم.

وهو ما حذر منه الخالدي، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد للأمر هو حل سياسي بإعادة تركيبة النظام ورحيل منظومة الحكم. ويبقى أمر عودة المهجرين إلى مناطقهم مطلب لا جدال عليه للخروج من هذا النفق.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان