قصة السلام الأردني الإسرائيلي بلسان رئيس سابق للموساد
كتبت- هدى الشيمي:
كشف أفرايم هيلفي، الرئيس التاسع لجهاز الموساد الإسرائيلي، تفاصيل جديدة في الطريق نحو إبرام اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، لاسيما وأنه كان له دورًا بارزًا ساعد في التوصل إليها، وحضر العديد من الاجتماعات والمناقشات التي دارت بين الجانبين في التسعينيات، بعد أن نشرت الصحف الإسرائيلية تقارير ومعلومات، اعتبرها المسؤول الإسرائيلي السابق مغلوطة وغير حقيقية في هذا الشأن.
ويقول هيلفي، في مقال نُشر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إنه في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو في البيت الأبيض في سبتمبر 1993، التقى اسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، بالملك حسين حاكم الأردن في قصر العقبة، حيث اقترح عليه توقيع اتفاقية سلام خاصة بالبلدين، إلا أن الاجتماع لم يكن جيدًا، وما لبث أن علم الجميع بأمره، بعد تعرض طائرة رابين لعطل ميكانيكي، ما دفعها للإقلاع من مطار إيلات في واضح النهار.
وبعد حوالي أسبوعين، يقول المسؤول الإسرائيلي السابق، إن الملك حسين بعث رسالة إلى إسرائيل، كان قد استلمها من لندن، وقعّها اللورد فيكتور ميشكون، سياسي ومحامي يهودي بريطانيا مُقرب من حاكم الأردن ورئيس الوزراء الإسرائيلي. ذكرت الرسالة أن الاتصالات بين إسرائيل والأردن واجهت بعض العقبات، واقترح أن يسافر شيمون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، إلى الأردن للعمل على إنهاء المشكلة، والتوصل إلى حل.
وبحسب هيلفي، فإن الملك حسين رغب في معرفة موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي من الرسالة والاقتراح الذي ورد فيها، موضحًا أن الوثيقة نُقلت إلى رئيس رابين، الذي طالب وزير الخارجية لإجراء محادثات معه.
لم يحضر هيلفي الاجتماع، ولكنه علم أن وزير الخارجية الإسرائيلي وافق على الذهاب إلى الأردن ولكن بشرط واضح ومُحدد، وهو أن يرافقه المسؤول الاستخباراتي إلى هناك، للمشاركة في المحادثات بصفته رئيس جهاز الموساد، ووقع الاختيار على يوم 2 نوفمبر، لتتم المحادثات، وهو الموعد الذي تنطلق فيه انتخابات المحلية في إسرائيل، ما يساعد وزير الخارجية على المغادرة دون لفت الأنظار.
استقبل الأمير الحسن بن طلال، ولي عهد الأردن، ومساعدوه بيريز في العاصمة الأردنية عمان، وعلى مدار عدة ساعات ناقشوا مجموعة من القضايا والمواضيع التي تهم الجانبين، من بينهم معاهدة السلام بين البلدين.
في الاجتماع، كانت هناك مناقشات مُستفيضة لاقتراح بيريز بعقد مؤتمر دولي كبير في عمان، يدعى إليه رؤساء العديد من الشركات المتعددة الجنسيات والشخصيات العامة، على غرار المؤتمر الذي عُقد في المغرب بعد التوصل إلى اتفاقية أوسلو. كما ناقش الطرفان الشكل العام الذي ستؤول إليه الأمور بعد عودة الأراضي الواقعة تحت سيطرة إسرائيل إلى الأردن، بالإضافة إلى الجهود الإسرائيلية لمساعدة الأردن على التخلص من ديونه الخارجية.
وبحسب هيلفي، فإن الجانبين اتفقا على مناقشة هذه المواضيع في اجتماع آخر، كان من المُقرر عقده بعد ستة أسابيع من ذلك الوقت في مقر إقامة الأمير على الضفة الشرقية للبحر الميت، وأوضح المسؤول الاستخباراتي أن أغلب هذه المواضيع لم تُذكر في وثيقة إعلان واشنطن.
وأوضح هيلفي أن وثيقة "بيريز- الحسن" كانت عبارة عن قائمة تتضمن بنود العمل، للاهتمام الفوري بالمواضيع الحساسة قبل العمل على اتفاقية السلام.
كتب هيلفي الجزء الأول من إعلان واشنطن، استنادا إلى النقاط التي تلقاها من رئيس الوزراء الإسرائيلي عقب الاجتماع، وكتب وثيقة أخرى مُفصلة أرسلها للوفد الإسرائيلي.
عقب المحادثات المطولة بين بيريز والحسن، انضم الملك حسين إلى الاجتماع في مقر الأمير. وفي مرحلة ما طلب بيزيز مقابلة الملك حسين على انفراد، فعقد الاثنان اجتماعًا مُغلقًا استمر لمدة 45 دقيقة، حسب هيلفي، وعندما خرج من الاجتماع، أخبر الوفد الإسرائيلي أنه تم الاتفاق على كل شيء، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
وبعد 3 أشهر، تلقى هيلفي دعوة من ملك الأردن لزيارة عمّان هو وزوجته، وقضى المسؤول الاستخباراتي وقرينته أربعة أيام في الجناح المخصص لكبار الزوار في العاصمة الأردنية، وبعد محادثات مطولة، أوضح الملك أنه قرر أن ينقل المفاوضات إلى مرحلة جديدة، وهي العمل على خطة سلام شاملة مع إسرائيل.
وفي عصر ذلك اليوم، يقول هيلفي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي اتصل به، وطلب منه أن يُخبر ملك الأردن أنه سيعقد مؤتمرًا صحفيًا خاصًا في وزارة الدفاع مع وزير الخارجية، وسيدنون أعمال العنف التي تحدث على الحدود الأردنية الإسرائيلية.
وتابع: "حاولت أن أوضح له أني لديّ رسالة مهمة له من ملك الأردن، إلا أنه رفض تلقي الرسالة، وأمرني بتنفيذ ما طلب مني بالتحديد".
في المكالمة الهاتفية ذاتها، قال رابين لهيلفي، إنه سيتلقى مكالمة من الكولونيل عاموس جلعاد، بعد دقائق، حتى يُطلعه فيها المسؤول الاستخباراتي عن تفاصيل رسالة الملك حسين، وعندما وصلت أخبار المؤتمر الصحفي لمسامع الأردنيين، اتصلوا بهيلفي وأصروا على ضرورة تأجيل المؤتمر الصحفي، وأخبروه بأن الملك لا يعلم ماذا حدث.
بعد العديد من المحادثات والمفاوضات والمناقشات، خطا الجانبان أول خطوة تجاه معاهدة السلام، عندما عُقد أول اجتماع علني بين المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين في البيت الأبيض، في 25 يوليو 1994، حيث قرأ الرئيس الأمريكي، وقتذاك، بيل كلينتون النص الكامل لإعلان واشنطن، وبعدها تم توقيع معاهدة السلام في أكتوبر من العام ذاته، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.
فيديو قد يعجبك: