الإندبندنت: ترامب يهدد استقرار العالم بانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني
كتب - هشام عبد الخالق:
تحت عنوان "انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني يهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم كله"، تناولت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في افتتاحيتها الأربعاء، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران مرة أخرى.
وتقول الصحيفة في افتتاحيتها: "انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني يشكل تهديدًا كبيرًا لأي فرصة كانت أمامه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، بعد أن استطاع إقناع كوريا الشمالية ببدء محادثات السلام، ونزع أسلحتها النووية، ولكن مثل هذه الخطوة (الانسحاب من الاتفاق النووي) عملت على إظهار الطبيعة الحقّة للسياسة الأمريكية الخارجية.
"في الحقيقة، لم يكن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مفاجئًا بشكل كبير، حيث كان يفي بوعد من وعود حملته الانتخابية المستقلة والخطيرة، ولا يقلل الانسحاب الأمريكي من الأضرار التي لحقت بالآمال الهشة على إدخال السلام في الشرق الأوسط، فلا شيء يمكن أن يقف في طريق مهمة دونالد ترامب الطفولية في عكس كل ما حققه سابقه باراك أوباما".
كسر باراك أوباما الصمت الذي أحلّ به منذ انتهاء فترته الرئاسية، بإدانة قهرية للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الذي كان وقعه هو شخصيًا عام 2015، وقد يكون هذا هو ما كان يتلهف ترامب لسماعه، فكما قيل من قبل يبدو أن البيت الأبيض يسكنه الآن طفل كبير، ولكن يصدف أن يكون هذا الطفل أكثر الأطفال خطرًا، حقدًا، اندفاعًا، نكدًا، غير استقرارًا على وجه الكرة الأرضية، بحسب ما ذكرته الصحيفة.
كوريا الشمالية وجمهورية إيران الإسلامية، على الرغم من تناقضهما الكبير إلا أن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، استطاع جمعهما في جملة واحدة بعد أن أطلق عليهما "محور الشر"، ولكن ترامب الآن على وشك التودد لإحداهما وهي كوريا الشمالية، في حين تم نبذ الطرف الآخر وترهيبه، وجعله يظهر بموضع الضحية.
وتساءلت الصحيفة عما يجب أن تفعله الهيئات الحاكمة في طهران بعد المعاملة التي تتلقاها من الجانب الأمريكي؟ فإذا عاملتك الولايات المتحدة بقلة احترام يجب عليك أن تُسلح نفسك بصواريخ نووية، ذات مدى كبير ليكون تأثيرها أفضل، وهذا ما فعلته كوريا الشمالية بالتحديد، عندما كان ترامب يهدد باستخدام "النار والغضب".
وقالت الصحيفة: "إيران ليس لديها الكثير لتخسره الآن سوى تطوير الأسلحة النووية على نطاق صناعي، فإسرائيل تقوم بهذا بالفعل على الرغم من أنها أحيانًا قد تنكر هذا، وذلك في تحدٍ سافر للقواعد الدولية نفسها التي قد يتم الحكم بها على إيران من قبل المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة راضية حتى الآن عن كون إسرائيل الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل في المنطقة، لذا لم يكن الأمر مفاجئًا عندما وافق ترامب على الضغوط التي دعته للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل".
ووجدت المملكة العربية السعودية نفسها - بحسب الصحيفة - في نفس الجانب الإسرائيلي، وذلك بفضل السياسات الأمريكية الفجة المتمثلة في تبني وجهات نظر وجوانب مختلفة في قضايا المنطقة، وهو الاقتران غير المريح (الاقتران الإسرائيلي السعودي)، ولكنه يمكن السعودية من تطوير أسلحة الدمار الشامل، وتخفي تركيا طموحًا متماثلًا في امتلاك أسلحة نووية إذا ما امتلكتها جيرانها، وليس من المستبعد أن نجد روسيا تتدخل باحثة عن فرصة لتوسيع قواها وتأثيرها، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية البشرية، وقد لا تكون خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) قد أنهت كابوس الانتشار النووي الإقليمي، ولكن إلغاء مثل هذه الاتفاقية سيعجل بالتأكيد من انتشار الأسلحة النووية.
ومن المثير للرعب، أن الشرق الأوسط سوف يندفع الآن في سباق التسلح بالأسلحة النووية، وستبحث كل قوة إقليمية كبرى عن راعية لها - روسيا أو أمريكا - والتي ستكون سعيدة بالتزام الدعم العسكري والدبلوماسي، وستحارب كلًا من أمريكا، روسيا، السعودية، إسرائيل، وتركيا، بعضهم البعض ولكن عن طريق وكلاء آخرين، كما رأينا في الصراعات الممتدة والتي انتشرت من ليبيا إلى حدود باكستان، وما تقوم به تلك الدول الآن من تفجير، وقتل، وترويع لعدد لا نهائي من السوريين، اليمنيين، والعراقيين.
وتابعت الصحيفة، لقد رأينا الكثير مما خلفته هذه الحروب بالوكالة في المنطقة، ومما لا شك فيه أننا سنشهد أكثر من هذا بعد قرار ترامب الأخير، وخاصة في لبنان، وما سيتبعه هذا من أزمة إنسانية أخرى لأشخاص فقدوا منازلهم وأصبحوا يبحثون عن ملجأ.
إحدى المفارقات المريرة الأخرى في الخطوة التي اتخذها ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، هي أن العقوبات والفوضى المصاحبة لها ستضر بالمصالح الأمريكية - الأمنية والاقتصادية - أكثر من نظيرتها الإيرانية، ولن يتبنى الاتحاد الأوروبي العقوبات الأمريكية هذه المرة، وكذلك الصين وروسيا، في حين أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط سيفيد إيران فهي منتج رئيسي له.
وأضافت الصحيفة، سوف تستمر فرنسا، ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية، وبريطانيا في التجارة والاستثمار في إيران، إلا إذا لم يكن ترامب يريد أن يوسع نطاق العقوبات لدرجة أن تسعى أمريكا لمعاقبة شركات مثل بيجو الفرنسية، وسيمنز الألمانية، وهيونداي الكورية الجنوبية، بنفس الطريقة التي سيأخذ بها ما قيمته مليارات الدولارات من شركات بيونج وكوكاكولا وغيرها، ومن المفارقات الأخرى المثيرة للسخرية، أن كوريا الشمالية قد تستمر في دعم إيران في برنامجها للأسلحة النووية، في نفس الوقت الذي توقف فيه برنامجها الخاص.
وقالت الصحيفة: "بمعنى آخر، فإن سياسة ترامب المتمثلة في الحرب الاقتصادية الشاملة من جانب واحد، لا معنى لها، لأنها تؤدي إلى نتائج عكسية، وحتى لو نجحت ماذا لو أن إيران - والتي هي أقل عزلة بكثير وأكثر ثراء من كوريا الشمالية - استمرت فيما تفعله؟ هل ستقوم أمريكا أو إسرائيل أو حتى السعودية بقصف المنشآت العسكرية أو النووية الإيرانية في انتهاك للقانون الدولي؟ إذا لم يحدث هذا ماذا بعد؟
وبحسب الصحيفة، فإن الحلفاء الأمريكيين أيضًا تمت خيانتهم، وأشار البيان المشترك الذي صدر عن كلًا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى "أسفهم" حول قرار ترامب، وأعلنوا أيضًا عن أسفهم لانسحابه السابق من اتفاقية باريس للمناخ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الحروب التجارية مع الصين، اليابان، والاتحاد الأوروبي، وكذلك الإهانات الموجهة لكلًا من لندن وباريس عبر تويتر.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول: "كان مبدأ الرئيس الأمريكي في سياسته المعلنة هو "أمريكا أولًا" ولكن هل يجب على العالم أن يأتي في المرتبة الثانية دائمًا؟ حتى لو كانت الولايات المتحدة تخسر؟".
فيديو قد يعجبك: