بوليتيكو: علاقة ترامب مع والدته تؤثر في قراراته الحالية
كتب - هشام عبد الخالق:
يحتفل الأمريكيون اليوم بمناسبة "عيد الأم" ويستغلون هذه الفرصة للتعبير عن حبهم لأمهاتهم، ولكن ماذا عن والدة الرئيس دونالد ترامب، التي على الرغم من وفاتها في وقت متأخر، إلا أنها لم تكن متعلقة بنجلها الذي أصبح رئيسًا فيما بعد؟
أصبح الرئيس الأمريكي أحد أكثر الرؤساء الذين يتم تشخصيهم نفسيًا في العصر الحديث، وتمت مناقشة طريقته في اتخاذ القرارات كثيرًا من قبل السياسيين والصحفيين وغيرهم، والذين وصفوه بالـ "نرجسي، مختل اجتماعيًا، مريض نفسي، ومصاب بجنون العظمة"، وبما أن ترامب أعلنها صراحة أنه لا يثق في الأطباء النفسيين، فلا يمكن الوصول لأي تقييم رسمي عن صحته العقلية، ولكن قد تعود القرارات التي يتخذها الرئيس حاليًا إلى طبيعة العلاقات بينه وبينه والدته عندما كان أصغر سنًا.
بيتر لوفنهيم، كاتب بمجلة بوليتيكو الأمريكية، قال في مقال له اليوم الأحد: "على الرغم من أنني لست طبيبًا نفسيًا، قضيت وقتًا طويلًا في دراسة فرع كبير من علم النفس يدعى "نظرية التعلق" من أجل كتاب أكتبه، وطبقًا لعلم التعلق نصبح متصلين بشكل كبير بالشخص الذي يوفر لنا الرعاية والاهتمام منذ الصغر لأننا نولد بدونها، ونجاح أو فشل العلاقة مع هذا الشخص تؤثر بشكل كبير على علاقاتنا طوال حياتنا - في مجال العمل، الحياة الشخصية، مع أحبائنا - وحتى عند الوصول للرئاسة".
وتابع لوفنهيم، الأطفال الذين يكونون علاقات ناجحة مع الشخص الذي يعتني بهم - والذي عادة ما يكون الأم - يمكن وصف علاقتهم مع هذا الشخص بالـ "آمنة"، ويصبحون بعد ذلك أشخاصًا واثقين في أنفسهم والآخرين، ويصبحون أكثر مرونة في مواجهة العقبات والتعامل معها، ويتمتعون بعلاقات مستقرة بشكل كبير مع الآخرين، أما الأطفال الذي يفشلون في علاقتهم مع أمهاتهم مثلًا تصبح ثقتهم بأنفسهم قليلة إلى حد ما، ولا يثقون بالآخرين، وتكون مرونتهم أقل في مواجهة المشاكل والأمراض والخسائر.
علاقة ترامب غير الناجحة مع أيًا من والديه - كما يدل سجل سيرته الذاتية - ساهمت بشكل كبير في حياته الشخصية الصاخبة، وغذّت أيضًا بعض السمات التي جعلته يدخل السياسة في وقت متأخر كما فعل.
كان ترتيب دونالد، الرابع وسط خمس أبناء لـ "فريد وماري ترامب" وكان والده مشغولًا ببناء امبراطورية العقارات الخاصة، ولم يكن هناك الكثير من البرامج حول رعاية الأطفال في ذلك الوقت، - فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي - ولذلك كانت والدته هي من تعتني به بالإضافة إلى خادمة تعيش معهم في المنزل، ويقول الكاتب: "نحن لا نعرف ما العوامل التي أثرت في حياة دونالد ترامب الطفل، حيث كان وجوده وسط والد منشغل دومًا، وأم تُلبي طلبات ثلاثة أخوة أكبر منه بالإضافة إلى الحمل الذي تلى ولادته، كل هذه عوامل كان لها بالتأكيد تأثير كبير في حياته المستقبلية"، ولم يكتب الرئيس أي تفاصيل حول حياته كطفل صغير، ولكن يحاول الصحفيون ومؤرخو السير الذاتية ملء الفراغات في بعض الأحيان.
ماري ترامب - والدة الرئيس الأمريكي الحالي - تعرضت لألم شديد بعد ولادة طفلها الأخير، وتم استئصال الرحم وأصيبت بالتهابات بعد ذلك، وجعل ذلك ترامب الصغير يتعرض - وهو في عمر الثانية والنصف فقط - لغياب والدته المطول والأمراض التي تهدد حياتها، ولم تكن هناك علاقة قوية بين ترامب ووالدته بعد ذلك - طبقًا لتقرير مجلة بوليتيكو حول ماري ترامب.
وتابعت المجلة، في الغالب من يتعرض لمثل هذا الموقف صغيرًا، يكبر ليصبح واحدًا من اثنين، يُصاب بما يعرف بـ "قلق التعلق" مما يقودهم لطلب المودة والعناية ولكن لديهم مشاكل في الثقة بالآخرين، والنوع الثاني يعرف بـ "متجنبي المواقف التي قد تعرضهم للتعلق"، مما يدفعهم لعدم الثقة بالآخرين ويقنع نفسه بأنه لا يحتاج أي علاقات قريبة، وتكون العلاقات التي يحصلون عليها في الغالب غير مستقرة، ويعتمدون على أنفسهم بشكل مفرط، راغبين في مستوى عال من الاستقلال.
ويقول الكاتب: "بما أن أخصائيي الصحة النفسية غير مخولين لتشخيص الشخصيات العامة التي لم يفحصوها بشكل شخصي اتباعًا للمعايير الأخلاقية، وبناء على عمليات البحث التي قمت بها على مدار سبع سنوات، وقراءة عدد لا يحصى من الدراسات الأكاديمية، أستطيع أن أصرح بما لا يقدر الأطباء على قوله، وهو أن الرئيس ترامب من النوع الثاني، الذي يتجنب التعرض للمواقف التي قد تجعله يتعلق بشخص ما، وفيما يلي ثلاثة أسباب لهذا التخمين".
أولًا: "من الواضح أن الأزمة الصحية التي ألمت بماري ترامب، جعلتها لا تستطيع العناية بدونالد الصغير بشكل كبير".
ثانيًا: "ذكرت مجلة بوليتيكو من قبل أن ترامب مدح في والدته على مدار السنوات الماضية، واصفًا إياها بالـ "رائعة، محبة، وودية للغاية"، وعلى الرغم من ذلك لا أجد - والكلام على لسان الكاتب - أي روايات أو حكايات عن أيام ترامب الأولى تدعم هذه التصريحات، وفي الحقيقة صرح عدد من أصدقاء عائلة ترامب، أنهم نادرًا ما كانوا يرون ماري ترامب، وأن دونالد كان يخاف من والده كثيرًا، ومنفصل عن والدته أيضًا، وإحدى الصفات الدالة على أن الشخص "متجنب للتعلق"، هو أن يمدح والديه دون أي أدلة على حبه لهم".
ثالثًا وأخيرًا: "الكثير من سلوك الرئيس، سواء قبل أو بعد توليه منصبه، يتماشى بوضوح مع تجنب التعلق: إحساسه القوي بالاعتماد على الذات، وعدم القدرة على الاعتراف بالشك الذاتي، تفاخره بعلاقاته الجنسية، افتقاره شبه الكامل للأصدقاء المقربين، زيجاته المتعددة، وعلاقاته غير المستقرة مع موظفي البيت الأبيض وأعضاء مجلس الوزراء وزعماء الكونجرس من كلا الطرفين".
حالة الرئيس ترامب، كما يقول الكاتب، قد تُرى بين الكثيرين على أنها حالة من الشذوذ السياسي، فليس هناك من يترشح لشغل منصب سياسي ويصبح رئيسًا من المرة الأولى، ولكن إذا كان حدسي صحيحًا فإن ترامب قد يكون شخصًا عاديًا، بل ومتميزًا أيضًا، فالسياسيين الذين يتمتعون بخاصية تجنب التعلق، لديهم أيضًا صفة قد تؤدي لنجاحهم في منصبهم، وهي الرد على التهديدات واتخاذ الأفعال بسرعة.
فيديو قد يعجبك: