"فشل تلو الآخر".. متى تنتهي خسائر دونالد ترامب العالمية؟
كتب - هشام عبد الخالق:
"يصبح الأمر تدريجيًا ثم يأتي فجأة".. استخدم الكاتب الشهير إرنست هيمنجواي هذه العبارة لوصف عملية إعلان إحدى شخصياته القصصية إفلاسه، وتنطبق هذه العبارة بشكل واضح على الفشل المتراكم الذي يحققه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مبادرات سياساته الخارجية.
بدأ دونالد ترامب مسيرته في المكتب البيضاوي، بوعود عن مبادرات السياسة الخارجية أكثر من أي رئيس آخر من سابقيه، ففي حملته الرئاسية استخف بكل عنصر تقريبًا من العناصر التي جعلت من الولايات المتحدة قائدة للعالم على مدار السبعين عامًا الماضية، وتمثلت في الناتو، التجارة الحرة، التكامل الأوروبي، دعم الديمقراطية، الحرب العراقية، الاتفاق النووي مع إيران، التشكيك في روسيا، وغيرها، وهز انتخابه بعد ذلك تقريبًا جميع الحكومات، وجعلهم ينتظروا خطوته القادمة.
مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية قالت في تقرير حديث لها على خلفية إلغاء القمة الأمريكية الكورية الشمالية، التي كان من المقرر عقدها بين دونالد ترامب وكيم جونج أون: "بعد ثمان سنوات تحت قيادة باراك أوباما، تحولت الولايات المتحدة فجأة إلى مُهددٍ للعالم، وأدى ذلك على المدى القصير إلى إخافة الدول الأخرى، وجعلهم يحاولون استرضاء هذا الرئيس الجديد غير المتوقع".
خلال أشهره الأولى في الرئاسة، ألقى ترامب بالتهديدات جزافًا، وأصدر أوامر، وبرع في اختيار المشاجرات، ومن ثم بدأت نتائج اختياراته في الظهور.
وتقول المجلة، إن أسئلة مثل "إذا كنا نريد أن نضغط على إيران أكثر من الرئيس السابق، فما هو الشيء الذي نحتاجه من الدول الأخرى؟ ماذا يريدون في المقابل؟"، و"ما الأشياء التي نريدها من كوريا الشمالية بحيث يمكننا الحصول عليها واقعيًا؟"، وغيرها من الأسئلة التي تتعلق بالسياسات الخارجية للبيت الأبيض لا يتم طرحها من الأساس، لأن السياسة التي يتبعها ترامب أنه يصدر الأوامر مثل الامبراطور دون التفكير مليًا في كيفية تنفيذ هذه الأوامر، أو كيف سيتصرف في حالة عدم التنفيذ".
وتابعت المجلة، ألغت الإدارة الاتفاق النووي الإيراني دون الحصول على تأكيد من أوروبا، الصين، اليابان، أو الهند على العقوبات الجديدة، وبدأ ترامب حربًا تجارية مع الصين دون أن يكون هناك تخطيط لرد فعل على القرارات التي قد تتخذها الصين، وأعلن أن القمة الأمريكية الكورية الشمالية تمثل تنازلًا كبيرًا للولايات المتحدة، ولكن الحقيقة أنها تمثل تنازلًا كبيرًا من قبل الولايات المتحدة".
وكانت النتيجة من ذلك، أن الصين ردت على العقوبات الأمريكية على وارداتها، وأدى ذلك لتراجع ترامب، ورآه العالم كله خائفًا من الصين، ويحاول الآن تهدئة غروره عن طريق فرض ضرائب جديدة على السيارات القادمة من اليابان، المكسيك، وكندا.
وفي حالة الاتفاق النووي، كانت النتيجة أن الولايات المتحدة فقدت حقها في فحص المنشآت النووية الإيرانية، وأصبحت غير قادرة على فرض عقوبات دولية ضد إيران الآن.
أما في حالة القمة الأمريكية الكورية الشمالية، فإن ترامب بعدما رفع الآمال في نزع السلاح النووي من بيونج يانج، أصبح مشتركًا في نزاع سخيف للغاية وغير مبرر مع ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونج أون، ومقصيًا وجهة نظر كوريا الجنوبية في الأمر بتهديداته التي تدل على ولعه بالقتال.
وتقول المجلة، إن سياسة "إصدار الأوامر وفرض العقوبات واستعداء الجميع ودفعهم للاستسلام" في السياسة الخارجية لن تنجح عند تطبيقها ضد دول ضعيفة نسبيًا مثل كوريا الشمالية وإيران، وعند تطبيقها على الكوكب كله حلفاء وأعداء، فإنها ستؤدي فقط إلى تسريع الفشل، وفي حالة ترامب أتى يوم الحساب بشكل سريع، وذلك لثلاثة أسباب.
السبب الأول الذي رأته المجلة، كان بسبب تحدث ترامب كثيرًا واستخدامه موقع تويتر للكشف عن شخصيته أسرع من أي رئيس سبق، فغروره، واحتياجاته، وتهوره، وطريقة العمل غير الاعتيادية الخاصة به، - كل هذه الأشياء تم ملاحظتها وتحليلها قبل أن يتخذ أي فعل رسمي بعدما أصبح رئيسًا، ولم يتم ملاحظة كل هذه الأفعال من قِبل قادة العالم فحسب بل أيضًا من قبل الناخبين - ولنتخذ من دولة أستراليا مثالًا، حيث حدت كلماته الهجومية من قدرة قادة أستراليا المنتخبين ديمقراطيًا على التعاون معه.
السبب الثاني - بحسب المجلة - استنتج قادة الدول أن أقصر طريق للفوز بقلب ترامب هو جيبه، وأسرعت الدول الغنية بالنفط مثل الإمارات والسعودية لمساعدة مصالح ترامب وصهره جاريد كوشنر، واضعتين نصب أعينهم ميزة استراتيجية في وجه ما وصفتهم المجلة بـ "أعدائهم الإقليميين" مثل قطر، فيما استغل القادة الاستبداديون الذين قد يعرقلون مصالح ترامب مثل رجب طيب أردوغان في تركيا، ورورديجو دوتيرتي في الفلبين نفوذهم، وتصرفوا كأن بإمكانهم الإفلات من العقاب.
السبب الثالث، صفقات ترامب المثيرة للشبهات مع روسيا قبل الانتخابات من المحتمل أن تكون وضعته تحت رحمة بعض الدول في محاولة لإرباكه، وقالت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من الشهر الحالي، إن أوكرانيا - في محاولة منها للفوز بصفقة صواريخ أمريكية - أوقفت التعاون مع التحقيق الذي يقوم به المستشار الخاص روبرت مولر، وأظهر تقرير الصحيفة أوكرانيا على أنها تتضرع من أجل الأسلحة، ولكن إذا ما كان الشخص الذي يحصل على صفقة ما لديه معلومات يرغب المتبرع بالصفقة في إبقائها سرًا، فهذا لا يعد صفقة إذًا.
وتقول المجلة: "كل هذا مجرد البداية، فأصدقاء الولايات المتحدة يغضون أبصارهم عن واشنطن الآن، وأظهر استطلاع رأي في كوريا الجنوبية أن 17% من السكان يعتقدون أن ترامب سيقوم بالشيء الصحيح، وكان هذا قبل انسحاب ترامب من القمة الأمريكية الكورية الشمالية، في الوقت الذي تأرجحت فيه أرقام قبول باراك أوباما في كوريا الجنوبية ما بين 75% إلى 88% على مدار رئاسته".
"وتوازي أرقام قبول ترامب في الولايات المتحدة مثيلتها التي حصل عليها جورج بوش في أسوأ شهور الحرب على العراق ما بين عامي 2005-2006، وتلك التي حصل عليها باراك أوباما في خلال أكثر الشهور إحباطًا خلال صحوة الاقتصاد الضعيفة بعد ركود عام 2009، وأدى ذلك لتقليل خيارات الرئيس قبل حتى أن تحل انتخابات منتصف المدة في نوفمبر القادم".
واختتمت المجلة تقريرها بالقول: "يمكن أن تتجه الأمور للأسوأ من هنا، له ولمكانة أمريكا في العالم، تحت قيادته".
فيديو قد يعجبك: