البشير يعيد هيكلة الخارجية السودانية وسط أزمات اقتصادية
كتبت- رنا أسامة:
بينما يكتنف الغموض مصير التعديل الوزاري المُرتقب في الخرطوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، أصدر الرئيس السوداني عمر البشير قرارًا بإعادة هيكلة التمثيل الخارجي للبلاد، فيما تبدو مُحاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية (سونا) بأنه جرى اتخاذ القرار الرئاسي، مساء الأربعاء، لترشيد الإنفاق الذي اقتضته الأوضاع الاقتصادية، ولترقية الأداء بوزارة الخارجية، "بإغلاق 13 بعثة دبلوماسية واعتماد بعثة الرجل الواحد في 7 بعثات".
إعادة هيكلة
القرار الرئاسي شمل إغلاق 4 بعثات قنصلية، على أن يتكون الهيكل الوظيفي التنظيمي للسفارة -بحدّ أقصى- من سفير واحد، وأن يحظر وجود أي دبلوماسي ثان بدرجة سفير في أي سفارة "مهما كانت المبررات"، عدا سفارات بعينها حصرها القرار في 4 دول.
وفي إطار إعادة الهيكلة، تم تخفيض الكادر الإداري في البعثات بنسبة 20 في المائة، مُضافة إلى التخفيض السابق بنسبة 30 في المائة، ليبلغ إجمالي التخفيض 50 في المائة. ونص على تصفية الكادر الإداري لوزارة الخارجية ليتولى الدبلوماسيون العمل الإداري فيها .
وحدّد القرار معايير اختيار وترشيح السفراء إجرائيًا لتمثيل البلاد خارجيًا والدفاع عن مصالحها ومواقفها بشكل واضح.
كما شمل إغلاق كافة الملحقيات الإعلامية في الخارج عدا ثلاثة مُلحقيات، مُحدّدًا معايير اختيار الملحقين، وقضى بقصر وجود "وظيفة جوازات" في السفارات التي توجد في بلدان المهجر ذات الكثافة السكانية للسودانيين بالخارج فقط، كما حدّد عدد العاملين لمهمة الجوازات.
وألغى القرار وظائف كافة المحاسبين في السفارات، باستثناء "السفارات التي لها إيرادات مُقدّرة بحيث لا يتجاوز عددهم 3 محاسبين، بينهم مراجع داخلي".
وحدّد فترة عضو البعثة في السفارة بـ 3 سنوات، غير قابلة للتجديد لأي اعتبارات، وأن يتم توفيق أوضاع أعضاء البعثات على ضوء هذا القيد الزمني فورًا.
وفي الوقت نفسه، شمل القرار إغلاق كافة الملحقيات الاقتصادية والتجارية، عدا الاقتصادية في أبوظبي، حتى نهاية تكليفها بإنجاز تحضير مشاركة السودان في معرض أكسبو 2020.
فشل حكومي
يأتي القرار الرئاسي في أعقاب فشل الحكومة السودانية في توفير رواتب البعثات الخارجية لـ7 أشهر، حسبما كشف وزير الخارجية المُقال إبراهيم غندور، بعد الإطاحة به في 19 أبريل الماضي، عقب تصريحاته أمام البرلمان التي شكا فيها من تقاعس البنك المركزي عن سداد مرتبات الدبلوماسيين.
وأصدر البشير، قبل أسبوعين، قرارًا بإعفاء غندور من منصبه بعد 24 ساعة من خطاب لوزير الخارجية أمام البرلمان، أعرب فيه عن استيائه من عدم صرف البعثات الدبلوماسية رواتبها لشهور طويلة، ما أثار غضب الرئيس السوداني.
بحسب تقارير سودانية، فإن إقالة غندور والقرار الرئاسي اللاحق عكسا حجم الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان، والتي بدت جليًا في عجز الحكومة عن توفير العملات الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية وبينها الوقود، علاوة على عجزها عن التحكم في سعر صرف العملات الأجنبية برغم جنوحها إلى إجراءات عقابية وأمنية صارمة.
ويعاني السودان نقص العملات الأجنبية، الذي أدى إلى تراجع قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي، وأجبر المصرف المركزي على خفض قيمة العملة السودانية مرتين في يناير الماضي. ويشتكي البلد الأفريقي من ضعف انسياب التحويلات المصرفية بين بنوكه ونظيرتها العالمية، رغم رفع جزءا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن البلاد في 6 أكتوبر 2017.
غضب شعبي
تحت هاشتاج #السودان_انعدام_المواصلات، انطلقت عاصفة من الانتقادات الغاضبة ودعوات للعصيان المدن والتظاهر ضد الحكومة السودانية بسبب أزمة اقتصادية طاحنة وشح المحروقات واستمرار الارتفاع المتزايد في أسعار الخدمات والسلع الغذائية.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو نشرّها مُغرّدون سودانيون، طوابير سيارات ممتدة لمئات الأمتار تنتظر دورها للحصول على الوقود في محطات البنزين، ما تسبب في إغلاق بعض الطرق نتيجة للاختناق المروري في أغلب شوارع العاصمة.
وقالت جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، في تغريدة عبر تويتر، إنها علّقت الدراسة إلى حين إشعار آخر، في ظل أزمات شح الوقود والسيولة النقدية واختفاء العملة الصعبة.
محاولة امتصاص
بالرغم من أن الحكومة السودانية اعتادت إنكار وجود أزمة في الوقود، أقرّ رئيس الوزراء السوداني بكري حسن صالح، الاثنين، بوجود أزمة قائلا "نعم فيه صفوف.. فيه أسباب حقيقية"، مُشيرًا إلى عجز حكومته عن توفير 102 مليون دولار لشراء الوقود.
وقال وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، مجدي ياسين، في بيان، الأسبوع الماضي، إن 5 ناقلات تحمل منتجات بترولية وصلت إلى الميناء الرئيسي في السودان لتخفيف نقص الوقود، لكن ظلت الأزمة مستمرة.
الأمر الذي اعتبره ناشطون محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي. "الأزمة أثرت على عدم وجود خبز وكل شيء، وأدت لارتفاع الأسعار، فضلا عن مصاحبتها لأزمة في السيولة النقدية والعملات الأجنبية"، كما يقول أيمن تابر، وهو ناشط سوداني مقيم في الولايات المتحدة، لقناة الحرة الأمريكية.
ويضيف الناير "تكمن الأزمة في فشل التخطيط من جانب الحكومة؛ إذ ينتج السودان 100 ألف برميل يوميا تكفي 70 في المائة من الاستهلاك. ومن المعلوم أن المصفاة تحتاج إلى الصيانة، ولذا كان يجب الاحتفاظ بمخزونات تكفي الاستهلاك أثناء فترة الصيانة".
مواجهة الأزمة
في مواجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، أجرى البشير مشاورات مع مساعديه لإجراء تعديل وزاري، يُتوقع أن يشمل وزراء الخارجية والداخلية والمال والنفط، وسط توقعات بالاستعانة ببعض الوزراء السابقين من "الحرس القديم".
وبينما لم يتم الإعلان رسميًا بعد عن التشكيل الوزاري الجديد، نقلت صحيفة الحياة اللندنية عن مسؤول في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قوله إن "التعديل الوزاري كان تقرر أن يكون محدودًا، لكن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وشح المحروقات والعملات الأجنبية دفعت قادة الحكم للتفكير في تعديل موسّع يتوقع أن يشمل 10 وزراء للتصدي للأزمات ".
وأوضح المسؤول، الذي لم تذكر الصحيفة هويّته، أن التعديل الوزاري سيشمل وزارات مهمة. ومن أبرز الوزراء المرشحين للعودة وزير النفط السابق عوض الجاز ووزير الزراعة عبدالحليم إسماعيل المتعافي. ويتوقع أن يتولى الدريري محمد أحمد منصب وزير الخارجية خلفًا لغندور.
فيديو قد يعجبك: