لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"ذي أتلانتيك": كيف تفوقت مصر على دول العالم في مواجهة "فيروس سي"؟

11:54 ص الخميس 31 مايو 2018

ارشيفية

كتب- هشام عبدالخالق - محمد الصباغ:

منذ خمس سنوات، ومع وجود الطرق العلاجية التقليدية كانت نسبة نجاح علاج شخص مصاب بالتهاب الكبد الوبائي "فيروس سي" ليست أفضل من الفوز في مسابقة قرعة بعملة معدنية، وكان القضاء على المرض في مصر أمر لا يمكن التفكير فيه.

لكن اليوم، تمحي مصر الفيروس من أجساد السكان بسرعة غير مسبوقة. هذه الجهود باتت ممكنة عبر "العلاج الثوري"، لكن لا توجد دولة في العالم ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، استطاعت الاقتراب من هذا المعدل.

وفي تقرير مطول لمجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، جاء أن مصر كشفت أن التحسن الدرامي في الصحة العامة ممكنًا حينما يتوفر العلاج بسعر ملائم للمواطنين، وتقوم الحكومة ببذل الجهد المنظم من أجل إيصاله لهم.

وأشارت المجلة إلى أن مواجهة "فيروس سي" في مصر –الدولة التي بها أكبر عدد من المرضى في العالم بهذه الفيروس- بدأ منذ 50 عامًا مضت، حينما حاولت الحكومة التخلص من وباء فجاءت بآخر.

لألفية من الزمن كانت دلتا النيل بيئة خصبة للبلهاريسيا، وبدأت الحكومة المصرية في حملات علاج مجانية باستخدام دواء مقيئ قابل للحقن، لكن تم استخدام الإبر الطبية لأكثر من مريض. لم يكن "فيروس سي" منتشر في تلك الفترة، لكنه ينتقل عبر الدم، وانتشر بين عدد كبير جدًا من المواطنين. وبحلول عام 2008، كان واحد من بين كل عشرة مواطنين في مصر مصاب بفيروس سي.

وفي عام 2015، كان المرض سبب وفاة 40 ألف شخص سنويًا في مصر، أي حوالي 7.6% من إجمالي الوفيات.

كانت العدوى منتشرة في المناطق الريفية والفقيرة، وبقيت مناطق قليلة جدًا من مصر لم يصب قاطنيها بهذا الفيروس. ويقول جون وارد، الذي قاد مركز الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها (CDC) لأكثر من 13 عامًا، وحاليًا هو مدير منظمة صحية عالمية غير ربحية، إنه رأى التأثير الكبير في مصر .

تغيرت النظرة العامة للمرض في نهاية عام 2013 مع ظهور علاج فعّال لكنه باهظ الثمن. وكانت الأدوية السابقة تتسبب في أعراض جانبية مثل الإرهاق، وتكون فعّالة مع أقل من نصف المرضى. بينما العلاج الجديد بلا ألم وتداوي أكثر من 90% من المصابين.

وأنتجت شركة جلعاد للأدوية أول عقار من هذا النوع وظهر في السوق الأمريكي بحوالي 84 ألف دولار للمريض. وبهذا السعر، كان كان يمكن علاج كل المصريين المصابين بحوالي تيريليون دولار، حوالي ضعف الناتج المحلي في البلاد.

حدث مثل هذه الظروف مع ظهور علاج للإيدز قبل عقدين من الزمن، حينما رفع صناع الادوية الأسعار أمام الدول التي تحتاج أكثر إلى العلاج.

وتقول "ذي أتلانتيك" إن الحكومة المصرية أرادت أن تجعل علاج فيروس سي متاح لكل مواطن مصري يحتاج إليه. لكن كان ذللك بالطبع كان يتطلب أسعار منخفضة لشراء العلاج، ونظام لإيصال العلاج للأشخاص المرضى بالفعل.

ويقول الدكتور وحيد دوس، رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات بوزارة الصحة، إن الدولة مصرة على وصول العلاج إلى نطاق كبير من المواطنين لمساعدتهم. وأضاف: "جزء من قصة النجاح وسبب اتفاق جلعاد هو أنهم رأوا أننا بالفعل نريد إحداث تأثير في بلدنا".

وباعت الشركة (جلعاد) علاج فيروس سي لأكثر من 160 ألف مريض مصري، ويضيف دوس "صنعوا أموالًا أيضًا من ذلك. لم يكن فعلًا خيريًا".

مع توفر العلاج، بدأت الدولة في عملية التوزيع على نطاق لم يتم تجربته من قبل. في عام 2014، تم إنشاء بوابة إلكترونية لمن يريدون العلاج وطلبوا منهم التسجيل. في غضون ثلاثة أيام، سجل 200 ألف شخص. وفي الثلاث سنوات التالية، وتلقى أكثر من 1.6 مليون مصري العلاج لفيروس سي بحسب إحصائيات البنك الدولي. وهذا رقم أكبر من كل المرضى الذين يتلقون العلاج من الفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين.

لكن هذا الفيضان من المصريين الذين رغبوا في علاج لفيروس سي كانوا من الذين تم تشخيصهم بالإصابة بالمرض، وعلى مدار الوقت تحول التحدي في مصر إلى جعل العلاج متاح لمن قد يتم اكتشاف إصابتهم.

وفي عام 2017، بدأت وزارة الصحة في مصر برنامج واسع من أجل الفحص. أكثر من 260 فريقًا من الوزارة تحركوا من قرية إلى قرية. وبنهاية العام نفسه، فحصوا 1200 منطقة.

ومع وعد بدواء مجاني من الحكومة لمن يتم تشخصهم بأنهم مصابين بالفيروس، شاركت منظمات المجتمع المدني والمصانع والكنائس والمساجد في تسهيل عمليات الفحص.

ونظم نادي رجال الأعمال "روتاري" فحصًا العام الماضي، لسكان منطقة القطامية هايتس في القاهرة الجديدة، بحثًا عن المصابين بمرض التهاب الكبد الوبائي، من بين سكان المنطقة والعاملين لديهم، وكان أحد المنظمين لهذا الحدث محمد زوار، الذي تقاعد مؤخرًا من رئاسة شركة الأدوية "باير"، ويقول زوار عن هذا: "إن النادي تعاون مع ممرضات من معمل محليّ يقوم بتحليل جيني، وذلك من أجل قضاء ثلاثة أيام في المنطقة لفحص أكثر من 1000 شخص، ومن ثم علاج الحالات التي ثبت إصابتها بالمرض وبلغ عددها 30 حالة، وبعد أن أنهينا التجربة في القطامية استقبلنا طلبات من أقارب هؤلاء الأشخاص، أنهم يريدون إجراء الفحص نفسه أيضًا".

واستنتج زوار، أن النادي أنفق ما يقرب من 5000 دولار، ومن الممكن أن يكون المبلغ أكثر من هذا، ولكن بما أن العمل كان خيريًا فالتكلفة كانت مساوية للحقيقة بدون أي ربح، وكان فحص سكان المنطقة كلها مكلفًا أكثر من علاج الثلاثين شخصًا الذين احتاجوا للعلاج، وهذا يبدو مشابهًا للتكلفة على المستوى المحلي، ففي الوقت الذي لا يبدو فيه الفحص بحثًا عن المرض مكلفًا، ولكن يجب فحص ما لايقل عن 20 شخصًا لاكتشاف إحدى الحالات المصابة، ولضمان أن يتم فحص سكان منطقة ما يجب أن تعود فرق الفحص لنفس المنطقة عدة مرات.

وتعتمد سرعة مصر في القضاء على المرض بمدى سرعتها في تشخيص المصابين به، ومازالت السلطات هناك تعمل على تحديد سعة برامج الفحص الخاصة بهم، وجمع الموارد لدفع ثمن ذلك الفحص، وإذا نظرنا للمعدل الذي تسير به الدولة في فحص وعلاج المرضى، ستستطيع تخفيض نسبة المرض إلى النصف بحلول عام 2023، وإذا تم تسريع البرنامج بتكلفة إضافية قد تصل إلى 530 مليون دولار، من الممكن القضاء على المرض بحلول هذا الوقت.

ويشير الدكتور عمرو الشلقاني، مسؤول الرعاية الصحية في البنك الدولي، إن الاتجاه الذي تسلكه مصر حاليًا سيجعل من السهل على دول أخرى أن تتبعها، وأن حجم مشتريات وسائل الكشف عن المرض قد يزيد من الطلب العالمي عليها ويقلل من تكلفتها، ويقول عن هذا: "هناك فائدة مخصصة لمصر هنا، ولكن أيضًا فائدة صحية للعالم كله، وتغير الأسعار هذا قد يكون له آثار عالمية على دول أخرى تسعى لمعالجة فيروس سي".

وبينما أظهرت العلاجات الجديدة ثورة في مجال معالجة الأفراد المرضى، فإن إخراج الوباء من الظل هو التحدي الذي يواجه العالم الآن، ففي 2016، تم تشخيص واحد من كل خمسة أشخاص بمرض "فيروس سي"، طبقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، والآن وحتى في الدول الفقيرة أصبح المعدل أقل من واحد لكل 10 أشخاص، ويقول هومي رازافي مدير مؤسسة CDF لرعاية الأسنان في ولاية كاليفورنيا الأمريكية: "ما يحدث الآن في مصر هو عرض مسبق لما سيحدث لكل دولة في العالم".

تتبع عدة دول قليلة نفس الطريقة التي تواجه بها مصر فيروس سي، وتوجد دول أخرى - على الرغم من مواردها الكبيرة - ليست على مقربة من معالجة كامل سكانها بعد، فعلى سبيل المثال، يتلقى أقل من 20% من المصابين بمرض "فيروس سي" العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية.

على المدى الطويل، فإن فوائد القضاء على "فيروس سي" غير واضحة، - الحملة التي تقوم بها مصر ستتجنب عشرات الآلاف من حالات الموت وتقلل من نفقات الرعاية الصحيفة بشكل عام - ولكن يجب دفع تكلفة تلك الفحوصات مقدمًا، ويقول رازافي: "اقتصاديًا، من المنطقي أن تدعم الحكومات العلاج ضد عدم العلاج، ولكن تخشى الحكومات من هذا قائلين إننا سنبقى 4 سنوات في الحكم فقط ولن نرى نتائج أو فوائد هذه العملية، ولكن مصر تختلف في هذه النقطة، حيث هناك الالتزام من القيادة السياسية بهذا".

لن تقدر الدول على تحقيق الدعم بهذه الطريقة، إذا لم تكن هناك أدوية بسعر رخيص يمكن تداولها، ففي الدول الفقيرة مثل مصر، استطاعت شركات الأدوية بيع منتجاتها بسعر التكلفة أو بسعر قريب منه.

يُطرح الآن سؤالان هما: "كيف ستعالج الدول "فيروس سي"؟ وبأي تكلفة؟"، فطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، طورت أكثر من 80 دولة خططًا محلية للقضاء على فيروس سي، بزيادة قدرها خمسة أضعاف عن 2012، ولكن أقل من نصف هذه الدول ربط الأمر بالتزام ماديّ، وبدون موارد مالية، سيتم تشخيص عدد قليل من المصابين بالفيروس، ومعالجة عدد أقل.

على العكس من الجهود الدولية التي سعت لمعالجة أمراض مثل الإيدز، السل، الملاريا، حيث أقدم المتبرعون الدوليون على مساهمات كبرى، تواجه الآن الدول مرض "فيروس سي" بمفردها، ويقول روبرت هيشت رئيس منظمة "فاروس العالمية للاستشارات الطبية": إن "هذا يمثل تحولًا جذريًا في الصحة العالمية، وأعتقد أننا نشهد الآن نهاية الحقبة التي نرى فيها تبرعات مالية كبرى للأمراض، حيث يسهم المال شراء الأدوية وتوصيل الرعاية الصحية".

على كلٍ، يبدو من الأسهل على المجتمع الدولي تطوير العقاقير الفعالة بدلًا من نشرها بفعالية، ولا يتم تحقيق أغلب العلاجات الفعالة الجديدة بسبب ارتفاع أسعار شرائهم، وأيضًا لأن الحكومات تتخلى عن الجهود الأساسية لنشر تلك العلاجات على نطاق واسع، وتعتمد الآثار الضخمة القابلة للتحقيق - بالإضافة إلى العلاج نفسه - على قوة الإرادة، التمويل، وسياسات استراتيجية مفصلة وهو ما يمثل حقائق وقواعد الرعاية الصحية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان