لماذا ترفض إثيوبيا والسودان التجاوب مع مصر لحل أزمة سد النهضة؟
كتبت- رنا أسامة:
يبدو أن لعنة "الفشل" أصبحت صفة مُلاصقة لمُفاوضات سد النهضة؛ فما إن تبدأ جولة حتى تتعثّر ويخرج مسؤولو الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) مُعلنين فشلهم في الوصول إلى تفاهُم مُشترك ينطلق بالأزمة إلى مرحلة جديدة، الأمر الذي فسّره خبراء بأنه "مُحاولة لكسب الوقت وإضاعة الفرص حتى الانتهاء من إتمام بناء السد" الذي اكتملت مراحل بنائه بنسبة 66 بالمائة، وفقًا لأحدث بيانات الحكومة الإثيوبية.
مثّلت الجولة التي عُقِدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأحد الماضي، أحدث محطات التعثّر في قطار المفاوضات. وأعلن سامح شكرى، وزير الخارجية، أن الجولة الأخيرة لم تتجاوز التعثّر الذى يعرقل مسار المفاوضات، بسبب تحفّظ السودان وإثيوبيا على التقرير الاستهلالى لدراسات آثار السد على دولتىّ المصب.
حجج فنية
يقول هاني رسلان، رئيس وحدة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن "الرفض الإثيوبي والسوداني للتقرير الاستهلالي يعبّر عن موقف سياسي يتخفّى وراء حُجج فنية ومُحاولات لاصطناع خلافات إجرائية بهدف هدر الوقت".
وأضاف رسلان، في حديث لمصراوي، أن سيناريو المماطلة هذا تكرّر أكثر من مرة طول السنوات الأربع الماضية خلال التفاوض حول الدراسات الفنية، مع إضاعة الوقت في تفاصيل ثانوية وإثارة خلافات حول كل تفصيلة "بشكل مُتعمّد" للتملّص من إجراء الدراسات قبل ملء خزان السد.
ويتحفظ الجانبان الإثيوبي والسوداني على التقرير الاستهلالي طبقًا لملاحظات فنية؛ إذ ترفض دراسة الاستخدامات الحالية للمياه لقياس حجم الضرر المُتوقع بعد تشغيل السد. وبدلًا من ذلك يقومان بطرح مُقترحات بديلة "تؤدي إلى إفراغ الدراسات من مضمونها وتُفقِدها قيمتها قبل أن تبدأ"، وفق رسلان.
ويُحدّد التقرير الاستهلالي، الذي أعدّه المكتب الاستشاري الفرنسي، خطوات إكمال دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للسد على مصر والسودان، ودراسة خيارات ملء وتشغيل بحيرة السد. وتتركّز نقطة الخلاف بين الدول الثلاث على مدة التخزين وآلية تشغيل السد وضمان حقوق مصر التاريخية في المياه والمُقدّرة بحوالي 55.5 مليار متر مكعب.
مماطلة وتسويف
وكذلك، اعتبرت الدكتورة أسماء الحسيني، نائب رئيس تحرير الأهرام، رفض إثيوبيا والسودان للتجاوب مع رؤية مصر للوصول إلى تفاهم حول السد، أنه "مماطلة وتسويف"؛ لا سيّما وأنه الاجتماع الـ18 الذي ينتهي بالفشل.
كان السودان قدّم مُقترحًا في خِتام اجتماع اللجنة الوطنية الفنية الثلاثية الأخيرة، داعيًا إلى اجتماع تحضيري للجنة الفنية الثلاثية بحضور وزراء الموارد المائية، يسبق الاجتماع الوزاري الموسّع، لتسهيل الوصول لتفاهمات على خطوات إكمال الدراسات وتنفيذ توجيهات قادة الدول الثلاث بتقديم حل غير تقليدي للأزمة.
ويتمثّل المُقترح في الموافقة على الدراسات الخاصة بالسد من قِبل مصر وإثيوبيا، وتفعيل التعاون فى كافة المجالات؛ بغية دفع التواصل للاجتماع المُقبل، بناءً على توصيات قادة الدول الثلاثة.
وفي خِضم هذه المماطلة، تمضي إثيوبيا قُدمًا في عمليات البناء بالتنسيق مع الجانب السوداني، عازِمة على إضاعة الفرص وكسب مزيد من الوقت. وبدت مظاهر هذا التعاون جليّة في زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، للعاصمة السودانية، الخرطوم، والتي أعلن خلالها أن هناك توافقًا كاملاً في وجهات النظر بين البلدين حول السد.
وتخشى مصر من بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه، لما يُمكن أن يؤديه من تدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلًا عن عدم توفير مياه شرب كافية لسكانها الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، ويعانون بالفعل نقصًا في الموارد المائية. في المقابل، تروّج إثيوبيا للسد باعتباره ضرورة لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما فيها دولتا المصبّ، مصر والسودان.
ويبدو أن الموقف السوداني أقرب إلى إثيوبيا منه إلى مصر، إذ عبّرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها أن السد ستكون له فوائد على دول المصب، بخلاف ما تخشاه القاهرة.
تحدٍ كبير
مع ترقّب اجتماع 15 مايو المُقبل، بحضور وزراء الخارجية ومديري مخابرات الدول الثلاث، يقول رسلان إنها "تواجه تحديًا كبيرًا وتبدو نسبة نجاحها محدودة". وفي حال طالتها لعنة التعثّر هي الأخرى، يتوقع عدم قبول مصر بذلك، واستدعى تصريحًا سابقًا لسامح شكري أكّد فيه أن "مصر لن تقبل أن يُفرض عليها أمر واقع ضد مصالحها".
فيما رأت الحُسيني أن نجاح المفاوضات المقبلة مرهون بتحلّي الأطراف الثلاثة بإرادة سياسية وتوافق على المُضيّ قُدُمًا في المفاوضات وإحراز تقدم يساهم في حل الأزمة. "ميقفوش محلك سر"، وفق قولها.
وحذّرت من خطورة إضاعة السودان وإثيوبيا للفرصة الحالية للتفاهُم على موقف موحّد، وأشارت إلى أن هذا الخطر لن يطال مصر وحدها، لكن سيمتد أثره إلى الدول الثلاث والمنطقة بأكملها، داعية كافة الأطراف للالتزام بالعقل والحكمة وانتهاج سياسة بعيدة عن الضغوط والابتزازات والمُماطلة والتسويف.
فيديو قد يعجبك: