فصل أبناء المهاجرين.. سياسة الولايات المتحدة ضد "الملونين" منذ الأزل
كتب - هشام عبد الخالق:
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارًا تنفيذيًا الخميس، يمنع فصل الأطفال المهاجرين عن ذويهم على الحدود، وقال، في تصريحات نقلتها شبكة "سي إن إن"، إن هذا القرار يهدف إلى عدم تفريق عائلات المهاجرين مع الحفاظ على أمن وقوة الحدود.
وكان تسجيل صوتي نشره موقع التحقيقات الاستقصائية "بروبابليكا"، أظهر بكاء ونحيب عدد من الأطفال المفصولين عن ذويهم عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان الأطفال ينتحبون بشكل عنيف لدرجة أن بعضهم يكاد لا يقدر على التنفس.
يأتي هذا بعد أن أعلنت الحكومة الأمريكية الإثنين، أنها فصلت - في غضون خمسة أسابيع - أكثر من 2300 طفل وقاصر عن أهاليهم أو الأوصياء عليهم، بعدما حاولوا العبور إلى الولايات المتحدة، منذ إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق من العام الجاري "سياسة عدم التهاون" حيال عبور الحدود بطريقة غير شرعية.
الكاتب شون كينج، نشر تقريرًا له بصحيفة "ذا إنترسبت" الرقمية، عن فصل المهاجرين حمل عنوان: "فصل عائلات المهاجرين أمر بربري.. وأيضًا هو ما تقوم به الولايات المتحدة ضد الأشخاص الملونين منذ مئات السنين".
ويقول الكاتب في تقريره: "ما يحدث الآن في بلادنا هو بلا شك كارثة حقوق إنسان، ومع ذلك، فإن كل آلية راسخة في السياسات الحالية والروح التي تغذي هذه الكارثة هي أمريكية المنشأ مثل فيسبوك وديزني لاند".
وتابع الكاتب، ما حدث عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، ليست أول مرة يحدث فيها مثل هذا الفصل بين الأطفال وذويهم، فالأفريقيين الذين تم استعبادهم في أمريكا تم الفصل بينهم وبين أطفالهم، ليس فقط بجعلهم يسافرون للأمريكيتين، وتم تفريق ملايين العائلات، ولم يستمر هذا لفترة قصيرة، بل كان سمة من سمات مؤسسة العبودية التي استمرت في الولايات المتحدة لمدة تصل لـ 250 عامًا.
لم يكن أطفال الأفارقة فقط هم من تم فصلهم عن عائلاتهم، ولكن أيضًا الأمريكيين الأصليين في هذا البلد، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى السبعينيات من القرن الماضي، كان الأطفال يُؤخذون بالقوة من منازل الأمريكيين الأصليين، ويرسلون إلى "مدارس هندية" بربرية، حيث تم قطع شعرهم وسلب ثقافتهم وأسمائهم منهم، ولم يرَ كثير منهم عائلاتهم مرة أخرى.
لكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة، حسبما يذكر الكاتب، هو الطريقة التي تفصل بها الولايات المتحدة في الوقت الحالي العديد من العائلات عن بعضها البعض، ولا يتم نشر قصصها، ومن ضمن هذه الأزمات قضية السجن الجماعي في أمريكا، حيث يقبع في الوقت الحالي مئات آلاف البالغين والأطفال على حد سواء من أصحاب البشرة السمراء واللاتينيين داخل السجون، وهذا ليس بسبب ارتكابهم جريمة، ولكن لأنهم لا يستطيعون دفع الكفالة النقدية، ولن يظلوا في السجن لمجرد عدة أيام أو أسابيع، ولكن سيقضون شهورًا وسنينًا دون إدانتهم بجريمة واحدة، وفي الحقيقة فإن ما نسبته 65% من الأشخاص القابعين في السجون المحلية داخل الدولة لم يتم إدانتهم بارتكاب جريمة، وهؤلاء تم فصلهم عن عائلاتهم أيضًا.
ويضيف الكاتب، إذا نظرت في التاريخ الأمريكي ستجد أنه من الصعب العثور على فترة زمنية لم يتم فيها فصل الأطفال الملونين (غير البيض) وآبائهم باستخدام القوة على أيدي ذوي البشرة البيضاء، وبسبب تكرار هذا الأمر على مدار سنوات كثيرة، أصبح اعتياديًا بشكل كبير على الرغم من كونه مؤلمًا، وبسبب سهولة هذا الأمر أصبح من المتوقع أن يحدث مجددًا في هذه الدولة التي أتقنت فن فصل الأطفال عن آبائهم، وادعاء غير ذلك هو مجرد تعديل للتاريخ.
ويوافق 60% من الجمهوريين تقريبًا على سياسة فصل الأطفال المهاجرين عن آبائهم على الحدود، وليس من الصعب فهم السبب، حيث أن دونالد ترامب قام - على مدار سنوات - بحرمان اللاتينيين الذين يعبرون الحدود من حقوقهم الإنسانية في كل فرصة تسنح له، قائلًا إنهم حيوانات، قتلة، مغتصبين، ووصف دولًا بأكملها بناء على لونها بأنها "دول القاذورات"، وكرر ذلك يوم الإثنين قائلاً: إن "المهاجرين يأتون من أخطر الأماكن في العالم".
تلك الخطوة الجوهرية - والتي تتضمن تقليص المهاجرين إلى ما دون المستوى - يجب ألا يتم التغاضي عنها، وحدث ذلك في جميع أنحاء العالم عن طريق تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وفي الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين، ومذبحة الهولوكوست، وفي الإبادة الجماعية برواندا، ويحدث اليوم مع ضحايا وحشية الشرطة.
ويقول الكاتب: إن "جذور أزمة حقوق الإنسان الحالية على الحدود الأمريكية هي التفوق الأبيض والتعصب الأعمى، ترامب ليس لديه مشكلة مع المهاجرين، حيث كانت والدته مهاجرة من أسكتلندا، وكان أجداده جميعًا مهاجرين. كانت زوجته الأولى، إيفانا، مهاجرة من المنطقة المعروفة الآن بجمهورية التشيك. أطفال ترامب منها - دونالد جونيور، وإيفانكا، وإيريك والدتهم مهاجرة، زوجة ترامب الثالثة، ميلانيا، هي مهاجرة من سلوفينيا، وأصبحت مواطنة في عام 2006. ونجله بارون والدته مهاجرة، لذا ترامب لا يكره المهاجرين، لكن يبدو أنه يكره المهاجرين بسبب لونهم، وهذا التمييز جوهري".
ما نراه يحدث الآن على الحدود الأمريكية، له علاقة بكل من الاستغلال وخصخصة السجون الأمريكية، فصناعة السجون ضخمة للغاية وتقدر بمليارات الدولارات، وقامت دولتنا بتداول أسهم شركات علنًا، تعمل على جني الأرباح من عمليات الاحتجاز الجماعي في السجون، وهناك هامش ربح لبناء وتشغيل مرافق الاحتجاز الطارئة ومدن الخيام، مثل التي نراها تتشكل عند الحدود الآن لاحتجاز الأطفال والأسر المهاجرين، ولا يقتصر الأمر على توظيف هذه الأماكن وتأمينها، يمتد للطعام وطواقم التنظيف واللوازم، والتي تكلفتها باهظة.
ويختتم الكاتب تقريره بالقول: "ما يحدث الآن عند الحدود شيء مريع، ولم يأتِ من فراغ بل جاء من الماضي الأمريكي، حيث أساءت الأمة بشكل روتيني للأشخاص ذوي البشرة الملونة (غير البيض) لمئات السنين، وفصلت ملايين الأطفال عن عائلاتهم، في بعض الأحيان بشكل دائم، وإذا ما نظمت مظاهرات ضد ما يحدث حاليًا أو تحدثت عنه بصوت عال، يجب عليك أن تعرف أنه ليس وليد اللحظة، بل يمتد لمئات السنين وله جذور عميقة".
فيديو قد يعجبك: