تركيا: ما سبب استمرار حالة الطوارئ ومن تأثر بها؟
(بي بي سي):
لا تزال تركيا تعيش في ظل حالة الطوارئ، رغم مرور عامين تقريباً على الانقلاب العسكري الفاشل في البلاد. فما الذي حدث خلال حملة القمع التي تلت المحاولة؟
تشهد تركيا في 24 يونيو انتخابات رئاسية وبرلمانية. وستكون هناك جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في الثامن من يوليو المقبل إذا لم يفز أي مرشح بأكثر من نصف الأصوات في الجولة الأولى.
ولا تمنع حالة الطوارئ في البلاد الأحزاب السياسية المسجلة من المشاركة في الانتخابات، وعقد المسيرات وإدارة الحملات الانتخابية. لكن الحكومة استغلت حالة الطوارئ وأغلقت العديد من وسائل الإعلام المستقلة في العامين الماضيين، ومعظم التغطية التلفزيونية، ركزت على حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان.
إذاً، ماسبب استمرار حالة الطوارئ وما عدد الأشخاص الذين تأثروا بها؟
فُرضت حالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016. وكان الانقلاب بمثابة صدمة كبيرة لتركيا. قُصف البرلمان في أنقرة بالطيران، وقتل أكثر من 250 شخصا وجرح 2200 ، معظمهم في شوارع اسطنبول.
وعندما اتضحت الأمور وفشل الانقلاب، تم فرض حالة الطوارئ وبدأت الحكومة بواحدة من أكبر عمليات تطهير عرفه العالم. وكان الهدف من ذلك طرد أي شخص يُشتبه بأن يكون على صلة مع أولئك الذين حاولوا الإطاحة بالحكومة المنتخبة.
وقد طرحت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، سلسلة من الأسئلة على وزارة العدل التركية حول حالة الطوارئ وعدد الأشخاص المتأثرين بها، لكنها لم تتلق أي رد حتى وقت نشر هذه المقالة.
والأرقام الواردة في هذا المقال هي من عدة مصادر منها حكومية ومنها مستقلة.
منذ يوليو 2016 ، أقيل أكثر من 107 آلاف شخص من وظائفهم في القطاع العام بموجب قانون الطوارئ. وتم توقيف عشرات الآلاف، كما فُصل العديد من الموظفين في القطاع الخاص أيضاً، لكن لم يتسنَ الحصول على أرقام دقيقة.
ويُزعم أن الكثيرين ممن فُصلوا هم من أنصار رجل الدين الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الحليف السابق لأردوغان. وتتهمه الحكومة بتدبير الانقلاب الفاشل، لكن غولن ينفي ذلك. ولاشك أن عشرات الآلاف من أتباعه تغلغلوا في مختلف دوائر الدولة وخاصة في القضاء والتعليم والجيش خلال سنوات حكم أردوغان.
ومن بين الذين طُردوا بموجب المرسوم منذ محاولة الانقلاب، جنود وضباط شرطة وقضاة ومدعين عامين وأطباء ومعلمين. فقد تم إقالة ما يقارب ربع القضاة وربع المدّعين العامين من مناصبهم.
وأصدر حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في البلاد، تقريراً عن حالة الطوارئ جاء فيه أن خمسة آلاف أكاديمي على الأقل وأكثر من 33 ألفا من المعلمين فقدوا وظائفهم.
وأكدت أينور باركين، معلمة مدرسة ابتدائية، والتي كانت واحدة ممن خسروا وظائفهم، أن لا علاقة لها بحركة غولن. وأنها شاركت في احتجاجات صغيرة، نظمها اتحاد نقابة المعلمين للمطالبة بالعودة إلى وظائفهم السابقة.
وتقول: "أنا مدرِّسة منذ 15 عاماً، مكاني هو في صفي بين طلابي، يجب أن أعود إليه، يجب أن يكون باستطاعتي العودة إلى عملي".
لم تكن هناك طريقة للاستئناف ضد قرارات الطرد بموجب مرسوم الطوارئ، لكن الحكومة أنشأت لاحقاً لجنة للنظر في الشكاوي الفردية بضغط من مجلس أوروبا الذي يراقب حقوق الإنسان.
وتقدم أكثر من 100 ألف شخص بشكاوي إلى اللجنة، لكن العملية وإجراءاتها إدارية وليست قانونية. وتقول الحكومة إنها قامت بمراجعة 19600 شكوى حتى الآن، وتم السماح لألف وعشرة أشخاص بالعودة إلى العمل. وبموجب قانون الطوارئ، ولا يُسمح للمفصولين أو المعتقلين بالاطلاع على الأسباب فصلهم أو أعتقالهم، ولكن تُعطى بعض المعلومات لاحقا في بعض الحالات فردية.
ويقول النقاد إن الأدلة غالبًا ما تكون ظرفية، كأن تملك حسابًا مصرفيًا، أو تطبيقاً تستخدمه على هاتفك الذكي أو بسبب المدرسة التي يذهب إليها أطفالك (من بين أنشطة جماعة غولن، إدارة البنوك وإنشاء شبكة من المدارس الجيدة المرموقة في جميع أنحاء البلاد).
وهناك أكثر من 50 ألف شخص معتقل في انتظار محاكمتهم منذ يوليو 2016. فقط الأفراد الذين اعتقلوا وتم توجيه الاتهام رسميا يعرفون تفاصيل القضايا المرفوعة ضدهم.
ويُزعم أن معظمهم من مؤيدي فتح الله غولن. والبعض الآخر من اليساريين أو النشطاء الأكراد المتهمين بدعم الإرهاب، والذين كان سجنهم جزءاً من حملة واسعة النطاق ضد المعارضين. ومن بينهم السياسي الكردي صلاح الدين دميرتاش، المرشح للرئاسة التركية من زنزانته في سجن أدرنة.
ووجه دميرتاش خطابا مسجلا مدته 10 قائق فقط عبر محطة تلفزيون حكومية في اطار حملته الانتخابية، لكن مناصريه يحملون صوره في كل مكان.
وهناك أيضاً إلى جانب دميرتاش، العديد من المحامين والصحفيين ونشطاء حقوق الانسان يقبعون خلف القضبان.
وتدير منصة الصحافة المستقلة في تركيا موقعاً على الإنترنت تتحدث عن وجود أكثر من 150 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام في السجن منذ حزيران 2016.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لأردوغان مع رئيسة وزارء بريطانيا، تيريزا ماي في لندن، طرح أحد الصحفيين أسئلة حول اعتقال الصحفيين في تركيا فزجره أردوغان وقال: "عليك أن تميّز بين الصحفيين والارهابيين". وأضاف:" هل يفترض علينا أن نسميهم صحفيين لأنهم فقط يحملون أوراق اعتماد وبطاقات هوية؟".
لن يؤدي رفع حالة الطوارئ إلى إطلاق سراح السجناء تلقائياً، أو تبطل المراسيم التي صدرت خلالها، لكنها ستزيل السبب الرئيسي لحالة الشك والغموض في تركيا، والتي أدت إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه بشدة منذ وقوع الانقلاب.
في الانتخابات التي يكون فيها الوضع الاقتصادي هو القضية الأكبر، هذا أمر مهم.
ويقول مرشحو المعارضة في الانتخابات الرئاسية بأن مهمتهم الأولى بعد الانتخابات، إذا فازوا، ستكون إنهاء حالة الطوارئ. وكان أردوغان قد أعلن في وقت سابق إنه سيبقي على حالة الطوارئ سارية في ظل وجود خطر كبير من "الإرهاب" من قبل أنصار غولن أو أي شخص آخر.
ولكن خلال الأيام القليلة الماضية، غير أردوغان موقفه وأشار إلى أنه سيرفع هو أيضاً حالة الطوارئ إذا ما أعيد انتخابه رغم أنه حذر من إمكانية إعادة فرضها إذا لزم الأمر.
لا يف المرشحون عادة بالوعود التي يطلقونها أثناء حملاتهم الانتخابية بمجرد الانتهاء من عملية التصويت. ويبدو أن أردوغان يشعر بضغوطات كبيرة في هذه المرحلة.
فيديو قد يعجبك: