هآرتس: كيف يُمكن أن تسحب المعارضة التركية بُساط الرئاسة من أردوغان؟
كتبت- رنا أسامة:
أبرزت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الدور الذي يُمكن أن تلعبه المعارضة السياسية التركية للفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المُرتقبة أمام الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، فيما وصفته بـ"تحوّل مُذهل لمُجريات الأحداث في البلاد".
وكتبت الصحيفة في مُستهلّ تقريرها، الخميس: "على مدى عقود، ظلّت المعارضة القطرية مُمزّقة ومتصدّعة فيما عزّز الرئيس رجب طيب أردوغان أقدامه في السلطة. لكن المعارضة الآن أصبح لديها زعيم سليط اللسان، شعبيته كبيرة وشخصيته كاريزماتية. وفي خِضم ذلك لا يبدو أن أردوغان ما زال قويًا بما يكفي كي لا يُقهر".
يتوجّه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع، الأحد المقبل، لانتخاب رئيسهم الجديد، وللمرة الأولى منذ 16 عامًا، تواجه المُعارضة السياسية حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيسه رجب طيب أردوغان. الأمر الذي يعني بدوره أن "الشعب التركي بات، ولأول مرة، قادرًا على إنهاء الحِقبة الأردوغانية"، وفق هآرتس.
تُشير "هآرتس" إلى أن الفضل في رفع هذا الحاجز النفسي يعود إلى حزبين مُعارضين هما: حزب الشعب الجمهوري المُخضرم، وتحديدًا مُرشّحه الرئاسي محرم إينجة، و"حزب الخير" الجديد الذي تقوده السياسية القومية اليمينية المُلقّبة بـ"المرأة الحديدية"، ميرال أكشينار.
تقول "هآرتس" إن هذا البُعد السياسي الجديد يُحجّم من العقبات أمام فصائل المُعارضة، لا سيّما تلك التي واجهت حزب الشعب الجمهوري منذ صعود أردوغان وحزبه الحاكم في 2002، مع سيادة ما يُعرف بمتلازمة "لا يُمكننا الفوز أبدًا".
وبحسب الصحيفة، بُنيت المُتلازمة على أساس الاعتقاد بأنه "لا يهم ما يجري في البلاد، ولا يهم مقدار الإصلاح الذي يُمكن أن يُجريه حزب الشعب الجمهوري، في النهاية تبقى المعارضة ضعيفة أمام قبضة أردوغان".
أما الشِق الآخر من تلك المتلازمة، وفق هآرتس، فيدور حول فرضية أن "أردوغان لا يُقهر على الصعيد الانتخابي"، وأنه لا يهم مدى السوء الذي يتسم به حكمه، فبشكل عام، يُنظر إليه باعتباره "الخيار الأصلح" للبلاد.
وبدت تلك المتلازمة جليًّا خلال انتخابات 2002، حينما أطاح الناخبون بالائتلاف الحاكم المكوّن من 3 أحزاب، في نتيجة قلبت موازين السياسة التركية رأسًا على عَقِب؛ إذ تمكّن حزبان من تجاوز قاعدة نيل 10 بالمائة على الأقل من أصوات الناخبين.
أما الآن فتغيّر الوضع، مع ترشّح المُعارض عن حزب الشعب الديمقراطي، محرم إينجة، الذي نجح بشعبيته وشخصيته المحبوبة المتواضعة أن يحشد الكثير لتأييده، ويشغل حديث النشطاء الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح المُنافس الأقوى لأردوغان على نحو غير مسبوق.
وإلى جانب شعبية وحضور "إينجة"، توحّدت فصائل المعارضة أخيرًا في تحالف برلماني: حزب الشعب الجمهوري، إلى جانب حزب الصالح أو "إيي" بقيادة ميرال اكشينار، وحزب "السعادة" المحافظ الديني الأصغر (الحزب السياسي السابق لأردوغان)، الأمر الذي من شأنه السماح لكلا الحزبين الصغيرة بتجاوز عتبة الانتخابات. وتعمل الأحزاب الثلاثة على توسيع قاعدة جاذبيتها للحصول على دعم مُختلف القطاعات بين الناخبين الأتراك.
وترى الصحيفة أنه "من الضروري أن تتجاوز المُعارضة المناهضة لأردوغان العتبة الانتخابية في الانتخابات البرلمانية، وأن يصطف الناخبون من حزب الشعب في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية خلف مُرشّحهم المُفضّل إينجة. ونتيجة لذلك، تعهّد بعض مؤيدي الحزب الجمهوري بتقسيم أصواتهم والتصويت لصالح حزب الشعب الديمقراطي في البرلمان، وإينجة كرئيس".
وفي هذا الشأن، تذكر هآرتس ما جرى خلال الانتخابات في يونيو 2015، عندما تجاوز حزب الشعب الديمقراطي العتبة الانتخابية وفقد حزب العدالة والتنمية أغلبيته، وأخفقت المعارضة في أن تتوحّد، ما سنح لأردوغان الفرصة لإعلان انتخابات جديدة.
لكن في انتخابات هذا العام، يبدو أنه تم إقناع الحزب الجديد بضرورة التفاهم التكتيكي مع حزب الشعب الديمقراطي- رغم عدائهم سياسيًا- لأنه بدون هذا الفهم ستتلاشى فُرص نجاح المعارضة في الانتخابات البرلمانية أمام حزب العدالة والتنمية.
تتساءل الصحيفة: هل تتحوّل متلازمة "لا يُمكننا الفوز أبدًا" إلى ذكرى تاريخية في صناديق الاقتراع الأحد القادم؟ هلى تُترجم الضجة المُحيطة بالمُرشّح المحبوب "إينجه" إلى تصويت بالإجماع؟ هل هناك فرصة لتضخيم شعبيته من قِبل أولئك اليائسين من عودة تركيا بلد حر ومفتوح، مكان يعُجّ بالتفاؤل والأمل؟
وترى "هآرتس" أن حسابات نجاح المعارضة في الانتخابات بسيطة؛ إذ أنها بحاجة للسيطرة على البرلمان وضمان عدم حصول أردوغان على أكثر من 50 بالمائة في السباق الرئاسي، بما يُجبره على الانتقال إلى جولة ثانية، وحينها ستبدأ المهمة الحقيقية للمعارضة.
بالنسبة لإينجة، المّرشّح المعارض الأبرز، فإن المهمة تبدو مُعقّدة بالنظر إلى حاجته إلى ضرورة جذب الدعم من القِطاعات المُعادية لبعضها. وهُنا تطرح الصحيفة تساؤلات عِدة: هل يُمكنه الحصول على تصويت أعضاء حزب الشعب الديمقراطي؟ هل يُمكنه حقًا حشد اليمين القومي؟ هل يكسب تأييد حزب السعادة الإسلامي؟
وتقول الصحيفة: "إنه ليس فقط اختبارًا لجاذبية ولباقة إينجه السياسية كمُرشّح، لكنه أيضًا اختبار لقياس مدى التزام المعارضة تجاه أردوغان".
تتوجه كافة الأنظار إلى تركيا هذا الأسبوع. وبالرغم من الشك حيال ترجمة شعبية المعارضة إلى أصوات حقيقية على أرض الواقع، يبقى المؤكّد أنه: بعد 16 عامًا، لن تكون هناك متلازمة "لا يُمكننا الفوز أبدًا" في السياسة التركية بعد الآن.
وبينما لا يتوقع أحد في جبهة المعارضة التركية المُناهضة لأردوغان حدوث معجزات، تقول هآرتس إن "فوز المعارضة في الانتخابات سيُسجّل بالتأكيد باعتباره منعطفًا مذهلًا وغير مُحتمل للأحداث".
فيديو قد يعجبك: