اردوغان "الريس" المصمم على ترك بصمة على صفحات التاريخ
(أ ف ب):
خلال 15 عاما في السلطة، نجح رجب طيب اردوغان في إحداث تغييرات عميقة في تركيا، ويحاول الآن ترسيخ سلطته نهائيا ودخول التاريخ على قدم المساواة مع مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك.
فلا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية نجحت في وقف صعود "الريس" كما يحلو لاقرب مؤيديه تسميته، والذي يحكم البلاد بقبضة تزداد حزماً منذ 2003.
وفي سن الرابعة والستين بات اردوغان قريبا من تحقيق هدفه وهو الفوز في الانتخابات العامة التي تجرى الاحد، كرئيس يتمتع بصلاحيات واسعة فصلت على قياسه بموجب مراجعة دستورية أقرت العام الماضي.
ايا تكن نتيجة الاقتراع الذي يشهد منافسة حادة لم تكن متوقعة، نجح اردوغان في تغيير تركيا عبر مشاريع هائلة للبنى التحتية واتباع سياسة خارجية أكثر حزما، مجازفا باغضاب الحلفاء الغربيين التقليديين.
بالنسبة لانصاره، يبقى اردوغان على الرغم من الصعوبات الحالية، رجل "المعجزة الاقتصادية" التي أدخلت تركيا إلى نادي أغنى عشرين دولة في العالم، وبطل الاغلبية المحافظة التي تثير استياء نخبة المدن وحماة النظام العلماني.
لكن معارضي اردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو 2016 وتلتها حملات تطهير واسعة، وقد أوقف معارضون وصحافيون أيضا، ما اثار قلق اوروبا.
"خطيب استثنائي"
غالبا ما يصور اردوغان في الغرب كسلطان متمسك بالعرش، لكن الرجل الذي يحن إلى الامبراطورية العثمانية، هو في الواقع سياسي محنك فاز في كل الانتخابات التي جرت منذ وصول حزبه حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002.
وفي مهرجاناته الانتخابية، يظهر موهبة خطابية استثنائية ساهمت إلى حد كبير في استمراره سياسيا، مستخدما القصائد القومية والقرآن لاثارة حماسة الحشود.
ولد اردوغان في حي شعبي في اسطنبول وكان يتطلع إلى امتهان رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل ان ينتقل إلى العمل السياسي.
وتعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الاسلامي الذي كان يقوده نجم الدين اربكان، ثم دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول في 1994.
في 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث لم يؤد سوى إلى تعزيز موقعه.
وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيسا للحكومة وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما اصبح اول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.
ويبقى اردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، السياسي المفضل لدى غالبية من الاتراك، وهو الوحيد القادر على "التصدي" للغرب وقيادة السفينة عبر الازمات الاقليمية بدءا بالنزاع في سوريا.
وسمحت له خطبه العنيفة ضد "كراهية الاسلام" المنتشرة على حد قوله في اوروبا ومواقفه المؤيدة للفلسطينيين باكتساب شعبية كبيرة في العالم الاسلامي.
"الأعمال باقية"
لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة والتي قمعت بعنف في ربيع 2013، اصبح اردوغان الشخصية التي تواجه اكبر الانتقادات في تركيا حيث يتهمه معارضوه بالاستبداد والسعي لارساء حكم إسلامي.
وفي نهاية 2013 هزت سلطته فضيحة فساد مدوية استهدفت الدائرة القريبة منه. رأى اردوغان في القضية "مؤامرة" وتم خنقها.
لكن "الريس" واجه اسوأ اختبار ليل 15 إلى 16 يوليو 2016، خلال محاولة انقلابية دامية.
وقد طبعت في الاذهان صورة اردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفرا إلى مطار اسطنبول عند الفجر معلنا هزيمة الانقلابيين.
واتهم الرئيس التركي حليفه السابق الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، وهو ما ينفيه غولن. وتلت الانقلاب الفاشل حملة تطهير واسعة.
وفي كل الاحوال يبدو اردوغان الذي يمجده مؤيدوه ويكرهه معارضوه، مقتنعا بانه سيترك بصمة لا تمحى في تاريخ بلاده.
ويكرر الرئيس الذي أمر ببناء مسجد كبير في اسطنبول على غرار ما فعله السلاطين قبله "الرجل يموت وأعماله باقية من بعده".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: