هل تنجح الضغوطات في انتزاع موافقة الأردن على "صفقة القرن"؟
كتبت- هدى الشيمي:
تتعرض الممملكة الأردنية الهاشمية لضغوطات وصلت إلى حد "الابتزاز" بحسب تقارير صحفية وخبراء، حتى تقبل بخطة السلام الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيلي والمعروفة باسم "صفقة القرن."
ومن المقرر أن تعلن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاصيل الخطة التي تسربت بعض بنودها في وسائل إعلام فلسطينية وإسرائيلية وغربية في الأسابيع المقبلة، حسبما قال مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط ووصهره جاريد كوشنر في مقابلة مع صحيفة القدس الفلسطينية قبل يومين.
والتقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع ترامب في البيت الأبيض الاثنين وذلك في أعقاب لقاءه في عمان مع كوشنر وجيسون جرينبلات مبعوث ترامب للشرق الأوسط.
وأوردت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن اللقاء "محاولة أخيرة للتأثير على ملك الأردن حتى يبقل بمباردة السلام"، التي يعتزم طرحها ترامب.
وتزايدت الضغوطات على المملكة الهاشمية في الفترة الأخيرة، خاصة الصغوطات الاقتصادية وهو أمر أقر به الملك عبد الله قبل أشهر.
قال العاهل الأردني في خطاب ألقاه في الجامعة الأردنية في فبراير الماضي إن بلاده في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها "تتعرض لابتزاز". وأضاف "رسائل وصلتنا مفادها امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم".
ولطالما تحدثت وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية عن الضغوطات على الأردن حتى تمر "صفقة القرن"، خاصة مع تمسكها بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية تقام على حدود الرابع من يونيو 1967.
وأكد عدنان أبو عودة، الوزير والمستشار السابق في الديوان الملكي، لمصراوي إن "الموقف الأردني من القدس ثابت وواضح حسب معاهدة القدس، وسيستمر على هذا النحو".
ونقلت شبكة "الرأي" الإعلامية الأردنية الاثنين عن النائب الأردني قراقيش أن بلاده تتعرض "لضغوط أمريكية وعربية لقبول صفقة القرن، مشيرا إلى الملك عبد الله يؤكد أن المملكة "لن تتنازل" عن الثوابت الأردنية والفلسطينية.. أو حقوق للشعب الفلسطيني."
وعلى مدار أكثر عام، دعا الملك عبدالله إدارة ترامب إلى تأييد حل الدولتين في إطار جهودها لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67. وأعاد العاهل الأردني طرح الأمر نفسه على كوشنر وجريبنلات في زيارتهم للأردن الأسبوع الماضي.
وقال الملك عبدالله لمبعوثي ترامب إن هذه الخطة التي تقوم على مبدأ حل الدولتين هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام في المنطقة، حسبما أوردت وكالة الأنباء الأردنية (بترا).
ويعتزم ترامب طرح خطة السلام في الأسابيع المقلبة. وأفادت تقارير إسرائيلية وأمريكية إلى أن الأمريكيين سيطرحون "أبو ديس" عاصمة لدولة فلسطينية مُحتملة عوضًا عن القدس الشرقية، وفي المقابل ستنسحب إسرائيل من 3 أو 5 قرى وأحياء عربية شرق القدس وشمالها، إلا أن المدينة القديمة ستبقى تحت سيطرة سلطات الاحتلال التي تزعم أنها "عاصمته الأبدية."
وقال تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن مبادرة سلام لن تتضمن إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في الأرض المحتلة، ولن تقدم تسوية لإنهاء الاستيطان، كما أن وادي الأردن سيبقى تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل، وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ولن تملك جيش أو أسلحة ثقيلة.
وتشعر المملكة الأردنية بالقلق من إحتمالية سحب وصايتها على الأماكن المقدسة في القدس أو مشاركة السعودية أو دول خليجية أخرى في الوصاية. وقالت هآرتس إن "خطوة كتلك ستكون بمثابة ضربة قوية لمكانة ملك الأردن بصفته الحامي الرئيسي للأماكن الإسلامية المقدسة في فلسطين، ما يؤثر على مكانته في بلاده."
واعتبر أبو عودة، الوزير والمستشار السابق في الديوان الملكي، إن ما يتردد عن محاولات بعض الجهات انتزاع الولاية على الأماكن المُقدسة وبالتحديد الإسلامية من الأردن "مؤامرة"، تأكد فيما بعد إنها شائعات.
وتقول صحيفة هآرتس، في تقرير نشرته اليوم بالتزامن مع زيارة الملك عبدالله لواشنطن، إن خطة ترامب للسلام ستضع الكثير من التحديات أمام الأردن، البلد الذي يعيش فيه أكثر من مليون فلسطيني حسب تقديرات الأمم المتحدة، علاوة على ذلك فإن الخطة المُرتقبة لن تتضمن أي بنود لحل أزمة اللاجئين أو تمنح اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم حق العودة.
ويرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن الملك عبدالله لن يستطيع مناطحة الإدارة الأمريكية مباشرة، فهو ذهب إلى هناك لإجراء محادثات مع شخصيات أخرى غير ترامب، واستبعد أن تُثمر هذه المحادثات عن شيء له قيمة.
وقال نافعة لمصراوي إن الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة على الأردن "واضحة تمامًا"، لاسيما وأن المحادثات بينها وبين السلطة الفلسطينية انقطعت تقريبًا، بعد قرار واشنطن بالاعتراف بالقدس المُحتلة عاصمة لإسرائيل.
وقال "في غياب السلطة الفلسطينية لا يوجد سوى المملكة الأردنية والتي تعتبر طرفًا لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المسألة، لاسيما وأنه يضم أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، ويدير الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ولا يمكن تمرير صفقة القرن بدونها".
غير أن وطأة الضغوطات الخارجية والداخلية تزاداد على المملكة؛ فالأوضاع الاقتصادية الصعبة دفعت المواطنين إلى النزول إلى الشوارع في احتجاجات بدأت أواخر مايو واستمرت حتى أوائل يونيو ما دفع الحكومة إلى الاستقالة.
وهرعت دول خليجية لتقديم حزمة مساعدات لعمان. واتفقت السعودية والإمارات والكويت على ضخ مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار في اقتصاد المملكة.
ورغم أن الاحتجاجات كانت لأسباب اقتصادية وداخلية، إلا أن هناك من اعتبرها من جملة الضغوطات على المملكة حتى تقبل ب"صفقة القرن" الأمريكية التي تلقى تأييدا خليجيا وإن كان مستترا وأخرون رأوا عكس ذلك.
ونفى الصحفي والمحلل السياسي زاهي الفلسطيني المقيم في ألمانيا ربط المساعدات الخليجية بصفقة القرن. وقال "إن دول الخليج بحاجة ماسة في هذه الآونة بالذات لحلفاء عرب على شتى المستويات لما تمر به منطقة الشرق الأوسط من صراعات طاحنة وحروب، ما يجعل استقرار الأردن يمثل ركيزة أساسية للكثير من دول المنطقة."
وأضاف لمصراوي أن الأردن "صمام الأمان لكثير من شعوب دول المنطقة منذ عقود"، مُشيرا إلى أن الأردن هو الملاذ الآمن للكثير من هؤلاء اللاجئين وبالتالي فإن استقراره يعود بالفائدة غير المباشرة على دول الخليج أيضا.
غير أن الدكتور محمد البرادعي، تساءل في تغريدة على حسابه بموقع تويتر خلال الاحتجاجات الأردنية، "هل صحيح ما يتردد أن الأردن يتم معاقبته بسبب موقفه الرافض لتصفية القضية الفلسطينية؟"، وتابع: "أسأل الله أن لانصل الى هذا الدرك. ألم ندرك بعد أن مزيداً من الإنقسام فى العالم العربى قد يكون بداية النهاية لنا جميعاً؟"
وعلى نفس المنوال سار الكاتب الصحفي الدكتور أيمن الصياد. كتب الصياد على توتير أن الشعب الأردني خرج يُطالب بالحياة الكريمة ولقمة العيش، مؤكدًا على حقهم في ذلك. وقال "ولكن هذا لا ينفي أن على الناحية الأخرى هناك من يريد إضعاف الأردن في مرحلة حساسة ترتب فيها الأوراق وترسم فيها الخرائط، هذا صحيح، وذاك صحيحٌ أيضا. الحقائق لا تنفي بعضها".
فيديو قد يعجبك: