صنع التاريخ في مئة يوم.. ماذا فعل آبي أحمد في إثيوبيا؟
كتب - محمد الصباغ:
مضت مئة يوم على تعيين رئيس وزراء جديد في إثيوبيا، وخلالهم صنع آبي أحمد ما لم يكن متوقعًا. ألغى حالة الطوارئ المُسيسة في البلاد، ورفع الحظر عن مجموعات عرقية مسلحة إيذانًا ببدء عمليات تفاوض من أجل إحلال السلم الاجتماعي في إثيوبيا، بجانب وضع حد لحرب طويلة مع إريتريا بإعلان السلام بين البلدين بعد زيارة تاريخية.
كما أفرج آبي عن آلاف السجناء السياسيين وعاد آلاف آخرين من المنفى إلى بلادهم بعد فرار لسنوات بسبب القمع. وبدأ أيضًا خططًا لإصلاح اقتصاد بلاده بطرح شركات كبرى حكومية للقطاع الخاص لكن بشرط امتلاك الحكومة النسبة الأكبر من الأسهم.
وربما قضى آبي أيضًا على الخوف المنتشر بين الإثيوبيين حينما يتعرض الأمر بانتقاد سياسات الحكومة، فقال هايلو بيفيكادو، وهو معارض إثيوبي (37 عامًا) تعرض للسجن على فترات مختلفة بسبب تدويناته: "دائمًا كنت أعيش في خوف وأشهر بأنني مهدد حينما أكتب".
كلمات آبي أيضًا كانت سببًا في شعور المواطنين بالثقة، حينما وقف أمام الحشود واعتذر على الانتهاكات السابقة، ووعد بإنهاء الاعتداءات.
وأضاف هايلو: "في اللحظات التي قال فيها تلك الكلمات تغيرت طريقة تعامل أجهزة الأمن مع المواطنين".
ولكن يبدو أن تحركات آبي السريعة، لم تعجب البعض، وفي الشهر الماضي تعرض موكبه لهجوم كبير في العاصمة أديس أبابا، حينما كان وسط الآلاف من مناصريه. رفع مناصروه في ذلك اليوم صور آبي وعليها شعار "حب واحد.. إثيوبيا واحدة".
قتل شخصين في التفجير وأصيب أكثر من 150 آخرين، ولم يتعرض آبي لأذى.
وبعد الهجوم ألقى خطابًا قال فيه: "الحب يفوز دائمًا. قتل الآخرين هزيمة. لكل من يرغبون في تقسيمنا، أريد أن أخبركم أنكم لن تنجحوا".
ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها خلال الشهر الجاري، قول محللين أن خلفية آبي التي تدمج بين المسيحية والإسلامية، وإتقانه لثلاثة لغات هم الأبرز في إثيوبيا، سمح له بالتغلب على الانقسامات العرقية والمجتمعية في بلاده.
فيما صرح يوسف تيرونه، المتخصص في الاتصالات والذي عمل تحت قيادة آبي في وزارة الاتصالات والتكنولوجيا: "هو مستمع جيد لكن شخصيته قوية تجاه من لا يستوعبون بشكل جيد."
وأضاف بحسب ما ذكرت الجارديان: "دائمًا ما يرفع رأسه نحو المستقبل".
ماذا فعل آبي منذ توليه السلطة؟
أدى آبي اليمين الدستورية في الثاني من أبريل الماضي، وبات الشخصية الأولى من قومية "الأورمو" التي تترأس الحكومة.
وفي نفس اليوم أعلن في خطابه الأول أمام البرلمان إنه يمد يده إلى الجارة إريتريا بالسلام، ليفتح الباب لإنهاء الحرب والعداء المستمر بين البلدين منذ عقود.
واستمرت أحاديثه المطالبة بإنهاء الحرب، وفي الخامس من يونيو الماضي أعلن قبول بلاده لتنفيذ اتفاقية الجزائر الموقعة عام 2000؛ لإنهاء النزاع الحدودي مع إريتريا.
وفي السادس والعشرين من نفس الشهر زار وفد إريتري رفيع المستوى أديس أبابا، على رأسه مستشار الرئيس الإريتري للشؤون السياسية، يماني قبرآب، ووزير الخارجية، عثمان صالح.
وأنهت تلك الزيارة قطيعة استمرت لمدة 17 عامًا بين البلدين بعد الحرب التي انطلقت في عام 1998، وانتهت في عام 2000، لكن النزاع في الألفية الجديدة ظل قائمًا.
وفي الثامن من الشهر الجاري، وصل آبي أحمد إلى العاصمة الإريترية أسمرة في أول زيارة لرئيس وزراء إثيوبي منذ أكثر من عشرين عامًا.
أثمرت جهود آبي عن إعلان الحرب بين البلدين. ووقع مع الرئيس الإريتري أسياس أفوركي على بدء مرحلة السلام بإعلان مشترك يحمل اسم "إعلان سلام وصداقة".
ومع التوترات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، توجه آبي إلى مصر في العاشر من يونيو الماضي وبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين.
وكانت اللقطة الأبرز بين آبي والرئيس عبد الفتاح السيسي حينما ردد القسم بأنه لن يقوم بالإضرار بالمياه في مصر.
ووقع الرئيس السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا خلال تلك الزيارة على تبني رؤية مشتركة بين الدولتين مبنية على احترام حق كل منهما في تحقيق التنمية دون المساس بمصلحة الطرف الآخر.
وقبل هذه التحركات الخارجية، كان آبي أحمد قد بدأ في ترميم الانقسامات المجتمعية في الداخل الإثيوبي، حيث زار إقليم الأورومو وبالتحديد معقل المعارضة ومكان انطلاق الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضي، في مدينة أمبو.
كما أعلنت السلطات الإثيوبية في مايو إطلاق سراح 576 معتقلاً سياسياً، ضمن عملية مصالحة وطنية. كما أسقطت التهم عن اثنين من أبرز المعارضين في الخارج، وهما: رئيس حركة "7 مايو"، برهانو نيجا، ومدير شبكة "أرومو" الإعلامية، جوهر محمد. كما تم السماح للمعارضة السياسة بالعودة إلى البلاد.
وصوت البرلمان بالأغلبية لصالح رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 16 فبراير الماضي، على خلفية الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد احتجاجًا على سياسات رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين.
ثم وافق البرلمان يوافق على مشروع قانون حكومي لرفع أسماء حركات مسلحة، وهي "جنوب سبات"، و"جبهة تحرير أرومو الديمقراطية"، و"جبهة تحرير أوجادين"، و"الجبهة الوطنية الإثيوبية"، من قائمة المجموعات الإرهابية.
وكانت الحكومة أدرجت هذه الحركات، التي تشكل ائتلاف المعارضة الإثيوبية المسلحة، على قائمة المجموعات الإرهابية، في يونيو 2011.
كما ساهمت زياراته الخارجية في الإفراج عن آلاف المسجونين الإثيوبيين في الخارج. ففي مايو الماضي قرر الرئيس السوداني عمر البشير العفو عن جميع السجناء من إثيوبيا في بلاده، وذلك على هامش زيارة آبي أحمد إلى الخرطوم.
وتوجه إلى السعودية في نفس الشهر ليعلن الملك سلمان بن عبد العزيز آنذاك الإفراج عن أكثر من ألف إثيوبي في سجون المملكة.
ونفس الأمر تكرر خلال زيارة إلى الإمارات حيث قررت السلطات هناك الإفراج عن عشرات السجناء الإثيوبيين.
ومع الآمال الكبيرة المعلقة على فترة حكم آبي، هناك تحديات أيضًا أهمها كيفية السيطرة على التنوعات العرقية في إثيوبيا والتي تمتد عبر الحدود إلى الصومال وإثيوبيا.
فعلى سبيل المثال هناك قومية الأورمو التي تعد الأكبر في البلاد حيث تشكل 40% من الشكان البالغ عددهم حاليًا أكثر من مئة مليون نسمة. كما يعتنق حوالي 70% من هذه القومية بالدين الإسلامي و20% بالمسيحية.
كما هناك القومية الأمهرية التي تنتشر في شمال البلاد، وتقدر نسبتها بـ 25%. وحكمت البلاد على مدار عقود من الزمن. وذلك بجانب القومية الصومالية وطائفة تيجراي.
فيديو قد يعجبك: