إعلان

"التوأم جمال".. قصة أشهر راقصتين من أصل يهودي في مصر

08:37 م السبت 14 يوليه 2018

التوأم جمال

كتبت- هدى الشيمي:
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا يكشف تفاصيل عن حياة الراقصتين "ليلى ولميا" المعروفتين باسم "التوأم جمال"، اللتين حققتا نجاحاً كبيرًا في مصر وفي العالم كله.

وذكرت هآرتس أن الراقصتين كانتا أهم فنانيتن استعراضتين في مصر في ذلك الوقت، وكانتا يُعرفان أحيانًا باسم "ليلي ولمياء"، وأحيان أخرى باسم "ليس ولين"، وكان من أشد معجبينهما ملك مصر الملك فارق، ونائب الرئيس الأمريكي -وقتذاك- ريتشارد نيكسون.

عملت الراقصتان في أحد أهم الملاهي الليلة في القاهرة في الأربعينيات، وتقول الصحيفة إنه إبان الحرب العالمية الثانية، فُتحت العديد من النوادي الليلة في مدن مصر الكُبرى لتسلية الجنود الأجانب الذين تمركزوا حتى انتهاء فترة الحرب.

وحسب هآرتس، فإن أحد أفضل الملاهي الليلة كان يحمل اسم "قصر الحلمية"، الواقع في أحد أحياء القاهرة، واتسم عن غيره من الملاهي الليلية بتقديمه برنامجًا فنيًا غير عادي. كما أنه كان يهتم بأدق التفاصيل، في الملابس والأزياء، ويحرص على انتقاء كلمات أغاني مختلفة، وأن تكون العروض الراقصة متسقة مع الموسيقى.
وكان أهم عرض في قصر الحلمية هو عرض "التوأم جمال"، اللتان كانتا تقومان بالتدريبات والتمارين الصارمة والبروفات اليومية، ما جعلهما أشهر ثنائي راقص في مصر والوطن العربي آنذاك.

تقول الصحيفة إن الراقصتين كانتا لديهما قدرة غير طبيعية على التنسيق بين الموسيقى والحركات الاستعراضية، وزاد العروض روعة انسجامهما معًا.
وتشير الصحيفة إلى أن قصر الحلمية كان نقطة انطلاق الشقيقتين، وانتقالهما إلى المحافل الدولية. لاسيما بعد ظهورهما في عدد كبير من الأفلام المصرية، فنالوا شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم العربي.

"قصة مثيرة"

لكن من غير المحتمل أن يكون أي من المشاهدين من الذين احتشدوا في القاعات التي قدما فيها العروض في الخمسينيات والستينيات يعرفون سر الراقصتين اللتين اصبحتا نجمتين عالميتين.
وحسب هآرتس، فإن الراقصتين كانت وراءهما قصة ربما لا يعرفها كثيريون، حتى هؤلاء الذين كانوا يعشقونهما.
كُشفت تفاصيل جديدة عن حياة الراقصتين بعد العثور على أرشيفهما الشخصي، الذي حصلت عليه المكتبة الوطنية في القدس مؤخرًا.
وحسب الأرشيف، فإن الراقصتين المعروفاتين باسم "التوأم المصري" ليستا مصريتين في الأساس، كما أنهما ليستا توأم.
ويوضح الأرشيف أن الراقصتين الشهيرتين هما بيرتا وهيلينا، ابنتان لفيشل ألبرت، وهما يهوديتان تنحدران من أوروبا الشرقية.

d1

وذكرت هآرتس أن الأرشيف الخاص يحتوي على مئات الصور الفوتوغرافية وقصاصات الجرائد التي تحولت إلى اللون الأصفر بفعل الزمن.
ويرى جيل وايسبلي، أمني المتحف الوطني والمسؤول عن مكتبة الصور، أن أهمية هذه القصة لا تتعلق فقط بالفضول ومعرفة تفاصيل عن حياة فتاتين كانتا من أهم الفنانات الاسترعاضيات في الأربعينيات.
ويتابع: "هذه قصة عن المهاجرين اليهود الذين تركوا أوروبا الشرقية، واستقروا في مصر، وانسجموا مع ثقافتها واكتسبوا هوية جديدة".

"البداية"

ولدت هيلنا وبيرتا عام 1930 و1932، على التوالي، في الأسكندرية، لوالدين موسيقيين. والدهما فيشل كان من أوكرانيا، وانتقل إلى فينا حيث أصبح عازف كمان في أوركسترا. وفي نهاية العشرينيات، ولسبب غير معلوم، انتقل إلى مصر والتقى بزوجته جيني (جنين)، والتي كانت تعمل مغنية في الأوبرا، وهي أيضا ابنة لمهاجرين من أوروبا الشرقية.
حسب الأرشيف، عاشت العائلة في الأسكندرية عدة سنوات، وخلال الحرب العالمية الثانية انتقلوا إلى القاهرة، ولكنهما أخفوا كل ما يتعلق بأصلهم وحقيقة أنهم يهود، لاسيما وأنه كانت هناك تحركات لإقامة دولة إسرائيلية في فلسطين.
وكان عدد اليهود في القاهرة وقتذاك يُقدّر بحوالي عشرات الآلاف.

"دروس رقص"

وكتبت بيرتا في مذاكرتها، الموجودة في الأرشيف، أن والدهما كان يريدهما أن تصبحان عازفتا كمان. وفي الخامسة من عمرها كانتا تحصلان على دروس رقص.

وحسب المذكرات، فإن مُدرب الرقص الذي علمهما الحركات كان المسؤول عن تدريب بنات الملك فاروق.
وبعد فترة وجيزة، تدربتا على الرقص الشرقي بجانب دروس وحصص الباليه.
يقول وايسبلي، إن الجميع لاحظ موهبتهما الاستثنائية في الرقص، ما جلعهما ترقصان في الأمسيات وحفلات جمع التبرعات، ثم ظهرتا في الأفلام.
تقول بيرتا، حسب المذكرات والقصاصات، إنهما شاركتا في 30 فيلمًا سينمائيًا، ورقصتا بجانب فنانين مشهورين مثل محمد عبدالوهاب، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، ونعيمة عاكف.
في بداية الأمر، رفض والدهما الأمر ولم يتقبل أن تمتهن ابنتاه مهنة الرقص الشرقي، وخافت عليهما والدتهما من هذه المهنة التي قد تعرضهما إلى الكثير من المشاكل.

ومع ذلك، لم تتخل الفتاتان عن الفكرة، خاصة وأن والدهما فقد مصدر رزقه، وعانت الأسرة من أزمة اقتصادية، حسب الأرشيف.
بعد عدة مناقشات، توصلت الأسرة إلى تسوية تتمثل في أن ترافقهما الأم في كل البروفات والتمرينات.

"نجاح مُبهر"

يقول ويسبلي إن نجاهما كان مُبهرًا، فاختارتا اسم "ليلى ولميا" لكي يكون اسمهما الفني، ثم منحهما صاحب الملهي الليلي اسم "جمال" بالنظر إلى جمالهما الشديد، ومرونتهما وتقديمهما لعروض فنية مُبهرة.
لم يكن فارق السن بينهما واضحًا، فاعتقد الجمهور أنهم يشاهدون توأمًا متطابقًا، وأعجبت الفتاتان بالفكرة، فلم يبذلا أي مجهود لنفي هذه الشائعات.
تقول بيرتا، في حوار صحفي قديم، إنهما كانتا متطابقتين فعلاً، ترتديان الملابس ذاتها، وتقومان بالحركات الاستعراضية نفسها.
وبالرغم من كل ذلك، حرصوا على إخفاء أصولهم اليهودية جيدًا.
يقول ويسبلي، إنهما تمكنتا من اخفاء اصولهما جيدًا، ولم يُكشف سرهما حتى بعد مشاركتهما في الفيلم الهندي "ابنة اليهودي" عام 1957.

2

وفي حوار عن مشاركتهما في هذا الفيلم، لم يذكرا أي شيء عن أنهما في الواقع بنات رجل يهودي، ولكنهم تحدثا عن قدرتهما على الغناء والرقص الهندي.
حصلت الفتيات على عروض عدة للمشاركة في أفلام عالمية. تقول هآرتس إن شهرتهما لم تكن عادية خاصة في الهند وسنغافورة.
علاوة على ذلك، قدمتا عروض في الصين، واليابان، والفلبين، وتركيا، وتايلاند، وكمبوديا، وسيرلانكا في الخمسينيات.
وبينما كانوا ينتقلون من بلد إلى أخرى، حصلت الفتاتان على هدايا غير عادية من المعجبين الذين هاموا بهما حبًا. ووفقًا للأرشيف، فإنهما حصلتا على 5 ثعابين من أنواع نادرة، بالإضافة إلى ثعباني كوبرا.

وأهداهما مُعجب في كلكتا نمرًا، وقدم لهما معجب آخر في تايلاند نمر ضخم.
تقول هيلنا، في إحدى القصاصات، إنهما أرسلتا النمر والثعابين إلى القاهرة، لأن نزلاء الفندق اللذان كانتا تقيمان فيه اشتكوا للإدارة.

"نهاية الحلم"

وفي عام 1948، وقت العمل على إقامة دولة يهودية، كان يعيش حوالي 42 ألف يهودي في القاهرة، وتقول هآرتس إن اليهود عانوا كثيرًا في ذلك الوقت، فألقي القبض على بعضهم، وفقد أخرون وظائفهم.
تغيرت مصر كثيرًا بعد قيام ثورة يوليو 1952، تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الثورة أدت إلى تغيير المناخ العام في مصر بشكل تدريجي، ما دفع الأجانب إلى مغادرة البلاد، وجعل استمرار الشقيقتين في عملهما في مصر أمرًا صعبًا.
وبحلول عام 1956، هاجر أغلب اليهود مصر متوجهين إلى إسرائيل. وتقول هآرتس إن رحلات الشقيتين المتكررة إلى الحارج أثارت شكوك السلطات المصرية، ربما لأنهما اكتشف أصولهما اليهودية.

وفي نهاية عام 1957، ووسط نجاح جولتهما الآسيوية المُبهر. تلقت الفتيات بريدًا من والدهما، والذي كان ما يزال في القاهرة، وحذرهما من العودة إلى مصر، وأخبرهما أن الشرطة تريد استجوابهما على خلفية قيامهما بالتجسس، وأصدرت أمرًا بالقبض عليهما.
وهكذا تمهد الطريق لليلي ولميا للانتقال إلى أمريكا، ولم يكن من الصعب عليهما القيام بجولة في الولايات المتحدة، وساعدهما على ذلك رجل أعمل يوناني كان يملك ملهي ليلي في بومباي بالهند، ساعدهما على التواصل مع صديقه في واشنطن.
بقيت هناك مشكلة واحدة وهي كيفية الحصول على تأشيرة بسرعة. وحسب الأرشيف فإنهما تمكنتا من الحصول على تاشيرة بعد التقائهما بوفد من الكونجرس الأمريكي كان في زياردة للهند، وقرر أعضاء الوفد حضور حفل في الملهى الليلي الذي يقدم فيه التوأم عرض.

3

وتقول التوأم، حسب الأرشيف، إنه كان من المفترض أن يبقيان في أمريكا أسبوع، ولكنهما بقيا هناك بعضة أشهر.
بدأ التوأم الجولة في واشنطن وكان ريتشارد نيكسون من بين الحضور. وتقول بيرتا في حوار مع صحيفة أمريكية إن نيكسون أخبرهما أنه أحب عرضهما كثيرًا وتوقع نجاحهما في بلاده، ومن هناك انتقلوا إلى نيويورك، وميامي وشيكاغو وغيرها من المدن الأمريكية الكبرى.
وبعد فترة قدموا فيها العروض في أمريكا، خفت نجمهما، فاتخذتا قرارًا بتعليم الرقص الشرقي، حسب الأرشيف.

توفيت هلينا والتي كانت معروفة بـ (لين، أو لميا) في لونج أيلاند، نيويورك، عام 1992. أما شقيقتها بيرتا والمعروفة بـ(ليز، أو ليلى) عاشت في كونيكتيت، حتى وافتها المنية في عام 2016، ولم تجنب أي منهما الأطفال.

ارتبطت بيرتا بشخص يُدعى ديفيد ماركس، وهو أحد الناجين من محرقة الهولوكوست، حيث كان مُحتجزا في معسكر أوشفيتز، ثم انتقل إلى إسرائيل، وبعد عدة أعوام انتقل إلى الولايات المتحدة حيث أصبح أحد أشهر صنّاع الأثاث.
وفي أيامها الأخيرة، لم تكن بيرتا تتحدث عن أي شيء سوى أيام طفولتها، وشبابها وحياتها في القاهرة والأسكندرية. وتقول شيلي ابراهيمي، ابنة ماركس من زوجته الأولى، إنها كانت تعاني من الخرف، ولكنها لم تنسَ أيام المجد والشهرة، ولم تتوقف عن الحديث عن الأسكندرية، ورائحة بحرها، وهوائها العليل.

فيديو قد يعجبك: