إرث داعش.. عشيرة عراقية تعيش في رعب بسبب كراهية زرعها الإرهاب
كتب – محمد الصباغ:
في مدينة هيت العراقية تعيش قبيلة في خوف دائم على الرغم من التخلص من تنظيم داعش الإرهابي، يتمركزون ليلًا على أسطح منازلهم حاملين الأسلحة خوفًا من عودة محتملة للتنظيم الذي ارتكب فظائع لا تغتفر بحقهم وقتل أكثر من 800 فرد من القبيلة وحدها.
بالمقارنة مع أي قبيلة عراقية أخرى فأفراد عشيرة "البو نمر" كانوا أكثر من نكّلت بهم عصابات التنظيم الإرهابي بعدما كانوا معاونين للحكومة العراقية.
ويقول حامد البو نمر لصحيفة الإندبندنت البريطانية: "نحن نعيش في رعب شديد. في الليل نرقد على أسطح منازلنا مع أسلحتنا في انتظار أن نتعرض لهجوم جديد".
يخشى الرجل من عودة داعش، والتي قتلت 864 من أفراد العشيرة العراقية التي تسيطر على المنطقة التي تبعد مئات الأميال عن غرب العاصمة بغداد، وفي منتصف محافظة الأنبار الممتدة في الصحراء العراقية.
ثم أشار حامد إلى منطقة على مد البصر بها نخيل وأشجاء على ضفاف نهر الفرات الذي يقسم مدينة هيت، وقال: "هنا قتلوا 45 فردًا من العشيرة". هناك آخرين قتلوا على يد التنظيم المتطرف بعد إعدامهم في ميدان عام وسط المدينة.
يقول صلاح عمر البونمر، وهو مدرس حضر الأشهر الأخيرة التي قاومت فيها عشيرته داعش، ووصف كيف أنهم بنوا حواجز رملية في محاولات بائسة للدفاع عن أنفسهم، لكن ذلك لم يكن كافيًا.
واجهوا الآلاف من المقاتلين المسلحين والمدربين جيدًا. وحينما انهارت مقاومة العشيرة في أكتوبر عام 2014، من لم يستطيعوا الفرار سريعًا تم ذبحهم، أغلبهم من العواجيز، وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال الصغار. وأضاف صلاح في حديثه للصحيفة البريطانية "قتلوا حتى الحيوانات في المزارع".
هناك القليل من العنف في مدينة هيت حاليًا، والتي يبلغ تعداد سكانها حوالي 90 ألف نسمة. لكن الكراهية والخوف الذين ولدهم الحكم البربري لداعش يُقسم مواطنيها إلى الآن.
ويقول الصحفي المحلي برهان خليل، إن هناك انقسامات حالية بين العائلات المؤيدة والمناهضة للتنظيم الإرهابي. وأشار إلى أن ذلك سببه هو أن هناك مقاتلون أجانب بالفعل مع التنظيم لكن الأغلبية العظمى من المجتمعات والمناطق القريبة، التي لاتزال عائلاتهم تعيش هناك.
ومع انتصار الحكومة ونهاية داعش شعرت العائلات العراقية التي أيد أبناؤها التنظيم الإرهابي بالخوف وغادرت منازلها، لكن يقول حامد البونمر إن هذه العائلات التي مالت إلى داعش بدأت في العودة مرة أخرى إلى منازلها دون أبنائهم، لكنه أشار إلى احتمالية عودة هؤلاء الأبناء في وقت قادم.
وتحاول الحكومة العراقية حل أزمة العائلات التي أيدت داعش في الماضي، لكن دون جدوى إلى الآن.
وحول السبب الذي جعل تنظيم داعش يستهدف العشيرة الكبيرة بالتحديد، تقول الإندبندنت إن التنظيم الإرهابي حاول إظهار أن أي مقاومة لهم سوف تجلب انتقامًا شرسًا. وكانت البونمر هدفا واضحًا لأنهم أبنائها التحقوا بالجيش والشرطة بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
فعلوا ذلك في وقت كانت العشائر السنية الأخرى بالانباء تقود مقاومة كبيرة ضد الاحتلال الأمريكية وضد الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد. ومع تقدم داعش في عام 2014، باتت العشيرة معزولة، بلا سلاح أو أفراد.
وحول سبب انتصار داعش السريع آنذاك، قال أحد كبار عشيرة البونمر ويدعى الشيخ نعيم لصحيفة الإندبندنت في عام 2015، إن "السبب الأساسي هو أن 90% من العشائر في الأنبار تعاونت مع داعش أو التحقت بالتنظيم ما عدا عشيرتنا".
منذ تصريحه السابق، قُتل 864 فردًا من قبيلة البونمر. ومع سيطرة داعش على الموصل وهزيمة الجيش العراقي في شمال العراق، حصل الإرهابيون على كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة.
ويقول مواطنون في هيت إنهم واثقون في أن الجيش العراقي ليس طائفيًا، لكن حينما يرتبط الأمر بعرب سُنّة يتم النظر إليهم باشتباه. ونقلت الإندبندنت عن مصدر لم تسمه: "بمجرد أن أسافر خارج الأنبار وأظهر بطاقة هويتي في نقطة تفتيش، يتم احتجازي لساعات".
وحكم السُنّة العراقيون الذين يمثلون خُمس السكان، البلاد لقرون طويلة، وشاركوا في مواجهة وهزيمة تنظيم داعش.
تعرضت مدن الأغلبية السنية مثل الموصل والرمادي والفلوجة لدمار كبير، على الرغم من علامات الإحياء وإعادة البناء. وتم تدمير الجسر الذي يمر عبر نهر الفرات بمدينة هيت عبر غارة جوية لقوات التحالف بقيادة أمريكية، ويتم بناءه حاليًا وربما يُفتتح في غضون أشهر.
يمكن إعادة الإعمار والبناء بسهولة وإن طال الوقت، لكن ما خلّفه تنظيم داعش من دمار نفسي وإرث من الكراهية يلقي بظلاله إلى الآن وبقوة.
فيديو قد يعجبك: