اتفاقية تاريخية لبحر قزوين تنهي نزاعًا طويلا بين الدول المطلة عليه
القاهرة- أ ش أ:
بعد محادثات دامت لأكثر من عشرين عاماً، وقع مسؤولو الدول الخمس المطلة على بحر قزوين في الثاني عشر من أغسطس الحالى فى ميناء "أكتاو" بكازاخستان اتفاقية تحدد الوضع القانوني لبحر قزوين الغني بالموارد، ما يمنح أملاً بتخفيف التوتر الإقليمي وإقامة مشاريع نفط وغاز ذات عائد اقتصادي للدول المطلة عليه.
وقد وضعت الاتفاقية التي وقعها قادة روسيا، وإيران، وكازاخستان، وأذربيجان، وتركمانستان، حداً وتسوية لخلاف طويل الأمد حول ما إذا كان بحر قزوين، المساحة المائية المغلقة الأكبر في العالم، بحرا أم بحيرة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتى السابق ما يعني أنه يخضع لقوانين دولية مختلفة.
ونصت الاتفاقية الجديدة على أن تبقى المنطقة الرئيسية لسطح مياه بحر قزوين متاحة للاستخدام المشترك للأطراف، فيما ستقسم الدول الطبقات السفلية وما تحت الأرض إلى أقسام متجاورة بالاتفاق فيما بينها على أساس القانون الدولي.
وستتم عمليات الشحن والصيد والبحث العلمي ووضع خطوط الأنابيب الرئيسية وفقاً للقواعد المتفق عليها بين الأطراف عند تنفيذ مشاريع بحرية واسعة النطاق، ويراعى العامل البيئى (الإيكولوجي ) بالضرورة، كما تحدد الاتفاقية أيضا الحكم المتعلق بمنع وجود قوات مسلحة للقوى الأجنبية الإقليمية والدولية في بحر قزوين.
معطيات جغرافية
يعتبر هذا البحر أكبر البحار المغلقة في العالم وتطل عليه خمس دول هي : من الشرق تركمانستان ومن الغرب روسيا وأذربيجان ، ومن الشمال كازاخستان ، ومن الجنوب إيران ، ويبلغ طوله نحو 750 ميلاً أي نحو 1200 كيلو متر ، بينما يصل عرضه إلى 200 ميل أي 320 كيلو متراً وتقع فيه حوالي 50 جزيرة صغيرة ، وتبلغ مساحته حوالي 149.200 ميل مربع أي نحو 386.400 كيلو متر مربع.
ويبلغ طول السواحل القزوينية 6379 كيلوا متراً ، منها 640 كيلو متراً في الأراضي الإيرانية و820 كيلو متراً في جمهورية أذربيجان و1900 كيلو متر في جمهورية كازاخستان والباقي في روسيا وتركمانستان ، ويصل عمق البحر الوسطي إلى 325 متراً ويفتقر البحر لممر مائي طبيعي متصل بالبحار المفتوحة لكنه يتصل بها عن طريق قناتي " فولجا- دن " ، و" فولجا – البلطيق " الصناعيتين ، وتصب ثلاثة أنهار رئيسية في بحر قزوين هي فولجا وأراك وترك ، وهي أنهار تجري من الشمال إلى الجنوب وتشكل نحو 88% من مياه البحر.
ويحتوي بحر قزوين على ثروات ضخمة من موارد حية وغير حية، إذ يوجد به نحو 90% من المخزون العالمي من أفخر أنواع الكافيار، كما أنه يحوي كميات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي.
على ضوء تلك المعطيات جرى نزاع بين الخمس دول المطلة على البحر أساسه هو الخلاف حول التكييف القانوني والذي من ثم سيترتب عليه الحقوق والواجبات الخاصة بكل دولة.
بحر قزوين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق حدث تغير كبير في الوضع الجغرافي المحيط ببحر قزوين استدعي النظر من جديد في وضعه القانوني، فبدلاً من وجود دولتين فقط – هما الاتحاد السوفيتي وإيران – تشرفان على البحر وبينهما اتفاقات قانونية حوله، أصبح هناك خمس دول تعارضت رؤاها وتباينت في ظل تعارض المصالح وتناقضها، فإلي جانب إيران وروسيا "الاتحاد السوفيتي سابقاً"، أصبح هناك أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان.
وقد حاولت هذه الدول التنسيق فيما بينها، فاجتمعت في طهران في عام 1992 لإيجاد نظام قانوني لبحر قزوين واقترحت إيران في هذا الاجتماع إنشاء " منظمة التعاون لاستغلال بحر قزوين"، لكي تمهد السبيل لعقد اجتماعات دورية لحل المشكلات التي قد تنجم عن مسائل الشحن والصيد والموارد البحرية ولتنظيم استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة الموارد والثروات الحية وغير الحية الكائنة في البحر، وقد أنشأ ميثاق المنظمة مجموعة من اللجان الوظيفية والتخصصية حول قطاعات التعاون وعهد إلى إحداهما بمهمة العمل على التوصل إلى اتفاق عام بين أعضاء المنظمة لتحديد الطبيعة القانونية.
وبالرغم من عقد هذه الدول العديد من الاجتماعات والمؤتمرات فإنها لم تستطيع التوصل إلى رؤية موحدة بخصوص النظام القانوني لبحر قزوين، حتى أن الفكرة التي طرحت بشأن "السيادة المشتركة " لم تتمكن هذه الدول من الاتفاق على تطبيقها وانقسمت فيما بينها حول التكييف القانوني للبحر وحول كيفية تقسيم ثروات البحر الحية وغير الحية، وفي هذا الإطار انقسمت هذه الدول إلى قسمين: الأول رأى أن بحر قزوين يعتبر بحيرة دولية داخلية أو بحراً مغلقاً ومن ثم لا تنطبق عليه قواعد القانون الدولي للبحار، وضم هذا القسم إيران وروسيا. في حين رأى القسم الثاني الذي يضم الدول الثلاث المستقلة الجديدة أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان أنه بحراً مفتوحاً يخضع لتلك القواعد.
ونبع هذا الانقسام بالأساس من تعارض المصالح وتباينها، لا سيما وأن حسم التكييف القانوني لذلك البحر سيترتب عليه تحديد الحقوق والالتزامات.
وأدى عدم اتفاق هذه الدول على نظام قانوني لبحر قزوين إلى قيامها بإجراء اتفاقات ثنائية – ماعدا إيران – فاتجهت أذربيجان وكازاخستان إلى الاتفاق عام 1997 على تقسيم بحر قزوين في القطاع الفاصل بينهما على أساس خط المنتصف أو خط الوسط المرسوم على مسافات متساوية من ساحل الدولتين باتجاه البحر.
كما وقعت كازاخستان في العام نفسه اتفاقاً مع تركمانستان بهدف تقسيم القطاعات البحرية من قزوين الواقعة بينهما على أساس خط الوسط استناداً إلى الحدود بين الجمهوريتين في العهد السوفيتي ، وأبرمت كازاخستان أيضاً في يونيو 1998 اتفاقاً ثنائياً مع روسيا حول تقسيم القطاع الشمالي من قاع قزوين على أساس خط المنتصف مع الاحتفاظ بالمسطح المائي في هذا القطاع دون تقسيم وإبقائه للاستخدام المشترك في الملاحة والصيد وأغراض حماية البيئة، وكذلك وقعت أذربيجان وروسيا اتفاقا في يناير 2001 حمل عنوان " مياه مشتركة وقاع مقسم " واتجهت أذربيجان إلى ذات المسلك حينما وقعت في نوفمبر 2001 اتفاقية رسمية مع كازاخستان لتعيين حدودهما البحرية وفعلت الشيء نفسه مع روسيا.
وهكذا بات الانقسام وعدم الاتفاق حول الوضع القانوني لبحر قزوين لجهة اعتباره بحيرة داخلية مغلقة أم بحراً مفتوحاً، هو الوضع السائد لمدة 20 عاماً حتى تم التوصل لاتفاقية "أكتاو الكازاخية" في 12 أغسطس الجاري.
يبقى القول أن طول مدة تنازع الدول المطلة على بحر قزوين وانقسامها، يرجع في جانب منه إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، حيث أن هذه الاتفاقية لم تضع أحكاماً قانونية واضحة بشأن الوضع القانوني للبحر المغلق، وصحيح أن المادة 122 قد وضعت تعريفاً للبحر المغلق وشبه المغلق، وهو ينطبق على بحر قزوين، إلا أن المادة 123 اكتفت بمجرد حث الدول المشاطئة على التعاون فيما بينها بخصوص المسائل المتعلقة بهذا البحر، ومن ثم طالت مدة المفاوضات والمباحثات بين الدول الخمس المطلة على بحر قزوين حتى تم توقيع هذا الاتفاق التاريخي الذي يمهد الطريق لإقامة شراكات في مختلف المجالات في المستقبل المنظور.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: