أردوغان وترامب.. لماذا يحبذ الزعيم التركي تشخيص المشاكل السياسية؟
كتب - هشام عبد الخالق:
انتقدت وسائل الإعلام التركية أمير قطر تميم بن حمد، الأسبوع الماضي، بسبب "الصمت" القطري في مواجهة الأزمة التركية، وكتبت صحيفة "تقويم" التركية: "أسرعت تركيا لمساعدة قطر عندما قطعت السعودية علاقاتها معها، وأرسلت المئات من طائرات الإغاثة، ولكن قطر تغض البصر الآن عما يحدث ولا تعطي تركيا أي مساعدات دبلوماسية أو مادية، هل هذا وجه صديق؟".
لم يتجاهل تميم هذه الانتقادات، التي عكست الواقع الذي يشهده القصر الرئاسي التركي، ولم تكن رحلته لتركيا هذا الأسبوع لمجرد دعم الرئيس رجب طيب أردوغان، ولكنه أيضًا تعهد باستثمار 15 مليار دولار، وأدى هذا لارتفاع الليرة التركية، وكذلك ثقة الشعب في قدرة أردوغان على إنهاء الأزمة.
ويقول المحلل الإسرائيلي تسيفي بارئيل في تحليل جديد له بصحيفة "هآرتس" العبرية: "لم تزد الحركة التي قامت بها قطر من احتياطات العملات الأجنبية في تركيا، ولكنها قدمت ما أشبه بالضمانات المالية، وقد تعفي تركيا من الاضطرار لطلب قرض من صندوق النقد الدولي، أو على الأقل تأجيل هذا اليوم، وبما أن الحصول على قرض من الصندوق يستلزم موافقة أمريكا فإن آخر شيء يرغب فيه أردوغان هو إعطاء دونالد ترامب المزيد من الأفضلية في مواجهته.
تبنى أردوغان منذ عقد من الزمان سياسة "لا مشاكل مع الدول المجاورة" كشعار سياساته الخارجية، ولكنه الآن لديه مشاكل كبرى مع عدد من جيرانه، ولكن بالإضافة إلى تأثيرها على الأسواق العالمية والعلاقات الإقليمية والدولية، فإن أزمة تركيا تصدق على سياسات واشنطن الخارجية التي تسير بلا اتجاه.
العلاقات بين تركيا وأمريكا الآن تتمحور حول الخلافات العميقة بين الدولتين بدلًا من محاولة إيجاد أرضية مشتركة لهما، وتركيا غاضبة بسبب أربعة أشياء: "فشل أمريكا في تسليم فتح الله جولن، رجل الدين الذي يتهمه أردوغان بالتآمر والتخطيط لانقلاب فاشل عام 2016، دعم أمريكا للميليشيات الكردية في سوريا، وتأخرها في تزويد تركيا بطائرات مقاتلة من طراز F-35؛ وإدانتها لمحمد أتيلا، نائب رئيس بنك هالك التركي لانتهاكه العقوبات ضد إيران، وهذا السبب الأخير من المتوقع أن ينتج عنه دفع البنك لمليارات الدولارات كغرامة".
الولايات المتحدة غاضبة من تركيا بسبب: "أولًا فشل تركيا في الإفراج عن القس أندرو برونسون، وكذلك قرار تركيا بشراء صواريخ اس -400 من روسيا، ما أغضب الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي الأخرى، ورفض أنقرة التعاون حول العقوبات ضد إيران، وشراكتها مع روسيا وإيران في إيجاد حل للحرب السورية مما قلل من دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
ولكن كل هذه النزاعات تفاقمت بشكل كبير مؤخرًا بسبب فشل كلًا من ترامب وأردوغان في حل كل مشكلة على حدة من خلال الدبلوماسية، وأصبحت تلك المشكلات الصغيرة مشكلة كبيرة واحدة، التي أصبحت يملؤها الغرور والبرستيج، ما يعوق أي تحسن في العلاقة بين الاثنين.
لدى أرودغان مشكلة في فصل النزاعات الشخصية عن السياسة، وهو لا يتفهم لماذا لن تطرد الولايات المتحدة فتح الله جولن مقابل برونسون، ويعتقد أن مثل هذه الأشياء يمكن تسويتها عبر الهاتف، وبالنسبة لأمريكا إذا ما كانت تستشهد باستقلال نظامها القضائي كأساس لعدم تسليم جولن، فلماذا تعتقد أن استقلال القضاء التركي شيء أقل قدسية؟.
وبالمثل، يقول أردوغان، بحسب الكاتب، إذا كانت الولايات المتحدة تقدر الديمقراطية، فإنها لا يجب أن تسمح للأشخاص الذين خططوا لإسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيًا بأن يظلوا خارج السجن، ولكن بحسب الكاتب، فإن طرد 150 ألف موظف مدني والقبض على عشرات الآلاف من البيروقراطيين والضباط والمدرسين والقضاة والصحفيين والأكاديميين لا يستهدف في الواقع المخططين للانقلاب، بل هي مطاردة ساحقة ضد منتقدي أردوغان، لكن الرئيس التركي لا يقبل هذا التمييز.
يتوقع أردوغان من قادة الدول الغربية أن يتبنوا وجهات نظره، ولكنهم يصبحوا أعداءه وبالتالي أعداء تركيا إذا لم يروا الأمور من منظوره الشخصي، ولا يقبل أردوغان أيضًا تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد في سوريا ضد تنظيم داعش، وعرض أن يرسل قوات تركية ضد التنظيم الإرهابي بدلًا منها، بل ووضعهم تحت تصرف القيادة الأمريكية، ولكن واشنطن رفضت هذه الفكرة، خوفًا من استغلال أردوغان للحرب ضد تنظيم داعش ليعتدي على مناطق الأكراد.
ويرى أردوغان استمرار العمليات العسكرية مع الأكراد ليس فقط استهانة بأمن تركيا القومي، ولكن أيضًا على أنه إهانة شخصية له، وبناء على ذلك اجتاحت تركيا محافظة عفرين السورية وطردت عشرات الآلاف من الأكراد، وكانت واشنطن غاضبة لكنها لم تفعل شيئًا. حتى أنها توصلت إلى اتفاق مع أنقرة بشأن السيطرة على مدينة منبج السورية، وشمل هذا الاتفاق، بناء على إصرار أنقرة، طرد الميليشيات الكردية التي احتلتها (منبج).
وسواء كان هذا ذكاء أم لا، فإنه يوضح أن أنقرة وواشنطن يمكن أن يوافقا على قضايا استراتيجية طالما أن كلًا منهما يعترف بمصالح الآخر، ولكن عندما ينظر قائد إحدى الدولتين إلى استراتيجية الآخر على أنها أعمال خبيثة تستهدفه شخصيًا، تصبح النزاعات غير قابلة للحل.
وبدلًا من الحديث عن الاهتمامات الأمريكية والتركية، أصبح الخلاف شخصيّ ويتمثل في "ترامب ضد أردوغان"، وهذا يخلق انطباعًا مضللًا بأن الزعيمين على قدم المساواة، على الرغم من الاختلافات الهائلة في قوة بلديهما لصالح الولايات المتحدة.
ويقول الكاتب في ختام تحليله: "بناء على خطاب أردوغان في الأسابيع الأخيرة - وخاصة منذ فرض ترامب عقوبات على وزراء العدل والداخلية في تركيا، وضاعف العائدات على الصلب والألومنيوم التركي - أصبحت واشنطن أكثر أعداء أنقرة خطورة".
فيديو قد يعجبك: