لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

قصة أول جاسوس أوروبي يطوف حول الكعبة ويزور قبر الرسول

02:34 م الأحد 19 أغسطس 2018

الحاج يونس المصري

كتبت- رنا أسامة:

يُعد دي لودفيكو فارتيما، أو (الحاج يونس المصري) -كما أطلق على نفسه- أول أوروبي غير مسلم يزور مكة والمدينة المنورة خلال مغامرة أجراها قبل 503 أعوام، حيث وصلها برفقة قافلة حجاج كان يعمل حارسًا لها، بحسب تقارير سعودية.

لم تذكر معظم المراجع المُترجمة له عن مكان ميلاده سوى أنه رحّالة وُلِد ببلدة بولونيا الإيطالية عام 1470، وغادر مدينة البندقية عام 1503 تحت رعاية ملك البرتغال -وقتذاك- متوجهًا إلى الإسكندرية، ومنها زار القاهرة وبيروت وطرابلس وأنطاكية ودمشق.

دخل فارتيما وسط قافلة الحج الشامية عن طريق رشوة القائد المملوكي لقافلة الحج المتجهة من دمشق إلى بلاد الحجاز، ومنحه القائد حصانًا كما سمح له بارتداء ملابس المماليك المرافقين لرحلة الحج، تحت اسم (يونس المصري).

وكان خوجة ذي النور الفارسي، أحد التجار الفرس المقيمين في مكة، هو الذي سهل لهذا الرحّالة

التجول بأريحية داخل بلاد الحرمين، وقدم له خدمات لولاها ما كان لدي فارتيما أن ينجح في رحلته.

1

يذهب بعض المؤرخين إلى أن فارتيما لم يكن "حاجًا" بل "جاسوسًا" عمل في خدمة البرتغاليين، وتحدّدت مهمته في جمع المعلومات عن الأحوال الداخلية في البلاد الإسلامية، ودراسة النظم الاجتماعية والاقتصادية بها لتسهيل الانقضاض عليها، حسبما قال الكاتب السعودي أحمد صالح حلبي في مقال نشره بصحيفة "مكة" المحلية في فبراير الماضي.

وأفادت بعض المراجع بأن أحد التجار المسلمين الذين يعرفون الإيطالية اشتبه في فارتيما فاعترف له بأصوله الإيطالية، وأنه كذب عليه وادعى أنه قد "أُسِر وأصبح مملوكا لأحد الأمراء في مصر"، وتوسّل إلى التاجر المكي أن يخبئه في بيته حتى رحيل قافلته إلى الشام.

قبل وصوله إلى مكة، قضى 4 أيام في المدينة المنورة؛ إذ وصل إليها 9 مايو 1503، وكانت أول مكان مقدس يزوره. وطبقاً لوصف فارتيما في رحلته فإنها "المدينة المغضوب عليها من الله لأنها كانت خالية من العمارة وكلها صحاري قاحلة فضلًا عن عدم وجود موارد اقتصادية بها"- على حد تعبيره.

وبعد 40 يومًا، وصل مكة في ٢٠ من ذي القعدة (١٨ مايو 1503) ووصفها بأنها مدينة رائعة الجمال قد أُحسن بناؤها، ولم ير قط من قبل مثل هذه الوفرة والارتياد الهائل للناس.

بحسب المُترجم من مذكرات الرحّالة الإيطالي، تحت اسم (رحلات فارتيما- الحاج يونس المصري)، جاء وصفه لموسم الحج طبقًا لفهمه أو محاولته تقريب المفاهيم بالنسبة للقارئ الأوروبي، فوصف الحج بـ "عيد الغفران"، والحُجاج بـ"الوثنينين"، وقال عن الكعبة إنها "معبد حجري"، ثم قال عن شيخ خطبة الحج إنه "كاهن".

وتعجّب من أعداد وجنسيات المسلمين الذين وصلوا للحج من الشام ومصر، وكذلك من إثيوبيا وبلاد فارس، وكثرتهم لدرجة أنه قال "الحق أقول لكم إنني لم أر أبدًا تجمعًا هائلًا احتشد في مكان واحد كما رأيت في مكة".

وفي معرض وصفه للكعبة، قال لودفيكو: "كان المعبد (يقصد الكعبة) وسط المدينة أشبه ما يكون بتمثال كولوساس رودوس الضخم في روما، وبحلبة مسرح روماني، ليس من المرمر أو الحجر السوري، بل من القرميد المحروق، عند المدخل تلألأت الجدران المطلية بالذهب على كلا الجانبين بروعة لا مثيل لها تحت الأماكن المقنطرة".

وتابع " كانت الكعبة أشبه ببرج وسط الساحة ملفوف بقماش سميك مطرّز بالحرير، إنهم يدخلون داخل الكعبة من باب فضي، وعلى كل جانبٍ أحيط بأوعية مفعمة بالروائح العطرة".

كما لاحظ الحمام الموجود بسلام في مكة المكرمة، حتى أنه قدّر أعداده ما بين 15 - 20 ألفا، فذكر أنه "يطير في كافة أرجاء مكة بأمان تام، ولا يجرؤ أحد على إيذائه، على الرغم من أن الحمام يحدث بعض التلف بالمسجد الحرام".

2

وعندما دخل فارتيما إلى المسجد الحرام لفت نظره رائحة المسك والروائح العطرية في أرجاء المسجد، وقال "من الصعب أن أصف لكم روعة الروائح التي شممتها في ذلك المسجد".

وذكر أن للمسجد الحرام 90 بابًا، واختصر أهم أركان الحج إلى بيت الله الحرام والصعود إلى عرفات، فذكر أن الحجاج يتجهون إلى عرفات قبل أن يقوموا بتقديم الأضاحي.

وعن بئر زمزم قال فارتيما: "عند هذه البئر يقف 6 رجال أو 8 لسحب المياه للناس، وعندما ينتهي الناس من الطواف 7 أشواط حول الكعبة يأتون هذه البئر يولونها ظهورهم، ويقوم أولئك الذين يسحبون الماء من البئر بصب 3 جرادل على كل شخص من الحجاج من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، فيستحمّ الجميع بهذه الطريقة حتى الذين كانت ثيابهم من الحرير".

وفي حين وصف فارتيما المسجد النبوي وصفًا دقيقًا، وقع في بعض الأخطاء الناجمة عن جهله ببعض الأمور أولًا ولثقافته المسيحية ثانيًا؛ إذ حدد مساحة المسجد بـ100 خطوة طولًا و80 عرضًا، وبه 400 عامود و 3 آلاف مصباح، وعند باب قبر النبي 45 كتابًا عن حياته.

3 (1)

قبل أن يغادر فارتيما مكة المكرمة مارس أيضًا دوره المزعوم في "التجسس على أحوال مكة الاقتصادية تحت حكم المماليك"، عبر طرح بعض الأسئلة المدروسة على التاجر المكي، فسأله عن الجواهر والبهارات التي تشتهر بها أسواق مكة، وكذلك أين مختلف أنواع السلع والبضائع التي كانت تمتلئ بها أسواق مكة.

وكان فارتيما يدرك أن الحصار البرتغالي على سواحل الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر هو السبب في ذلك، ولكنه استدرج التاجر المكي الذي أخبره بأن حصار ملك البرتغال هو السبب في عدم وصول السلع والبضائع بوفرة إلى أسواق مكة، وفق صحيفة "سبق" المحلية.

كان فارتيما يتظاهر بالإسلام طيلة رحلته رغم أنه يبطن غيره، ما جعل الكثيرين يعدّونه جاسوسًا، وقد أشار لودفيكو إلى شكوك الناس حوله، حتى إنه اضطر إلى "أن ينعت ملك البرتغال حتى يسلم من شك أحد الذين قابلهم ممن يتحدثون الإيطالية في جدة"

وقال بحسب مذكراته "عندما أخبرني أن ملك البرتغال هو السبب في ذلك تظاهرت بالحزن العميق، وأرسلت فيضًا من السباب على ذلك الملك البرتغالي مخافة أن يكتشف التاجر المسلم سعادتي لنجاح المسيحيين في استغلال طريق رأس الرجاء الصالح".

بعدها لاذ بالفرار إلى عدن في طريقه لفارس، منها ولّى مدبرًا من الجزيرة العربية، ارتحل بعدها إلى فارس والهند والحبشة ودار حول رأس الرجاء الصالح، وعاد سالمًا إلى روما.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان