الإيزيديات مجبرات على هجر أطفالهن من داعش: نقاء الدماء شرط العودة للعائلة
أيزيديات فضلن البقاء في أراضي داعش لحماية أطفالهن.. وأخريات تخلين عنهم للعودة للعائلة
كتب - هشام عبد الخالق:
عندما تنظر "نسرين" في مهد طفلها الرضيع، ترى آثارًا لأبيه عضو تنظيم "داعش" الإرهابي الذي اغتصبها، مثلما فعل الكثيرون من أعضاء التنظيم مع آلاف النساء من الأقلية الإيزيدية التي تنتمي إليها.
كان والد الطفل هو ثالث شخص يستحوذ على "نسرين" بعد أن تم القبض عليها في العراق مع آلاف النساء الأخريات من الأقلية الإيزيدية، التي استهدفها مقاتلو داعش بحملة إبادة جماعية في صيف عام 2014.
وبعد انتهاء وانحدار "دولة الخلافة"، أصبحت نسرين حرّة أخيرًا، ولكن رفض مجتمعها وعائلتها أن يتقبلاها مرة أخرى مع طفلها (الناتج عن عملية زواج إجبارية)، وسيكون عليها أن تتخلى عن طفلها إذا ما أرادت الانخراط مرة أخرى وسط الإيزيديين بالعراق.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، استعرضت قصة نسرين والعديد من النساء الأخريات أصحاب القصص المشابهة، وتقول نسرين للصحيفة: "لا أستطيع العيش بدون طفلي.. فهو يبلغ من العمر ثمانية أشهر فقط"، ورفضت نسرين البالغة من العمر 23 عامًا ذكر اسمها بالكامل خوفًا على سلامتها هي وطفلها.
المتاهة التي تدخل فيها نسرين، حسب وصف الصحيفة، تتمثل في تحديات المصالحة في العراق، ليس فقط بين المجتمعات وبعضها ولكن داخل المجتمع الواحد، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لإصلاح النسيج الاجتماعي الذي دمره تنظيم داعش.
لا تريد المجتمعات الداخلية في سوريا والعراق العيش بجانب المسلمين السُنة الذين ادعى التنظيم الإرهابي أنه يمثلهم، في حين انقسم المجتمع السُني نفسه ما بين مؤيد للتنظيم الإرهابي وبين معارضيه، وبالنسبة للإيزيديين، فإن تحديات إعادة بناء المجتمع معقدة بشكل كبير، ومع عدد أقل من مليون شخص حول العالم كله وأغلبية في العراق، يكافح الإيزيديون للبدء من جديد، في حين يقع مستقبل المجتمع بأكمله على المحك.
بعد مذبحة الإيزيديين في صيف عام 2014، قتل تنظيم داعش الكثير من الرجال، ووزع النساء والأطفال - من سن 9 سنوات - كمكافآت على جنوده، الذين اغتصبوا النساء وقاموا ببيعهن في أسواق العبودية، في أرض الواقع وفي قنوات تطبيق "التيليجرام" الخاصة بهم.
بعد ذلك بدأ الإيزيديون في محاولات لاسترجاع نسائهن المخطوفات من خلال شبكة من المهربين، وبعد مرور أربع سنوات على ذلك، تم استعادة نصفهن، مما يترك أكثر من 3000 مفقودات، على الرغم من أنه تم استعادة جميع الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق تقريبًا.
ويقدر المسؤولون العراقيون عدد الإيزيديين المتواجدين في المنطقة الأخيرة التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سوريا بعدة مئات، فيما لن يتم العثور على الكثيرين سواء كانوا أحياء أم أموات.
وبعد طرد التنظيم من العراق، شهد المجتمع المحافظ والمعزول عمّا حوله (الإيزيديين) صراعات داخلية مع بعض أهم مبادئه الأساسية، حيث نصح بابا شيخ (أكبر رتبة في المجتمع الإيزيدي) الإيزيديين باستقبال النساء الفارّات من تنظيم داعش، على الرغم من أنهن كسرن التقاليد بزواجهن (بالإجبار) من مسلمي داعش.
ويُشكل الأطفال القادمون مع النساء مشكلة أكبر وأكثر تعقيدًا، ففي العقيدة الإيزيدية يجب على كلا الأبوين أن يكون إيزيديًا لينتمي للعقيدة، وبحسب قول حارس لالش (أكثر المواقع تقديسًا في العقيدة الإيزيدية بالقرب من منطقة جبلية قرب عين سفني شمال غرب الموصل) فإن الدماء الإيزيدية يجب أن تبقى "نقية".
وعلى الرغم من أن النساء الإيزيديات كن يتناولن وسائل منع الحمل أثناء فترة اعتقالهن، إلا أن بعضهن حملن في النهاية، ومن المستحيل معرفة عدد الأطفال الذين ولدوا، بحسب قول المسؤولين العراقيين والأكراد للصحيفة، ولكن المهربين وعمال الإغاثة أعلنوا أن عددهم يقدر بعشرات إن لم يكن مئات.
تحسين إلياس، أحد الإيزيديين الذين يعيشون في مخيم بشمال العراق، قال: "هؤلاء ليسوا أطفالنا بل هم أطفال داعش"، وذكر أن النساء الإيزيديات استلمن رسالة من مجتمع الإيزيديين تقول "إذا قدمتن مع أطفالكن لن نستقبلكن في مجتمعنا مرة أخرى".
تركت معظم النساء أطفالهن ليعدن إلى عائلاتهن مرة أخرى بعد إجبارهن على الاختيار، بحسب مسؤولين إيزيديين ونشطاء، وقام المسعفون والمهربون بوضع الأطفال في ملاجئ بسوريا والعراق، أو تسليمهم لعائلات مسلمة ومسيحية.
وعلى الرغم من ذلك، اختارت بعض النساء أن تظل في كنف التنظيم لتتجنب خطر فقدان أطفالهن، بحسب بهزاد فرحان، إيزيدي يساعد في تنظيم عمليات التهريب.
وتحت القانون العراقي، فإن الأطفال يتم اعتبارهم مسلمين، لأن الدين يتم تمريره من الأب للطفل.
وتقول نسرين، إنها تحررت من تنظيم داعش في الوقت الذي كانت فيه حاملًا بطفلها، وقُتل والد الطفل في عملية عسكرية لاستعادة الموصل، ولكنها لم تَدرِ أين تذهب، ولكنها في النهاية ذهبت لعائلتها الإيزيدية.
وتتابع، أرادت العائلة أن تجهضني للتخلص من الطفل، ولكن في شهرها الثامن كان الإجهاض يمثل خطرًا كبيرًا على حياتها، لذلك أكملت الحمل ووضعت طفلًا ذكرًا بصحة جيدة، وحثتني والدتي على أن أسلمه، ولكنني رفضت، وحاول كبار المجتمع الإيزيدي إقناعي بالتخلص منه ولكن دون جدوى.
وتقول نسرين: "لم أثق بأقاربي عندما طلبوا مني القدوم للمنزل، وخشيت أن يأخذوه مني بعيدًا، ولذلك انتقلت لمنزل بعيد في مدينة دهوك بكردستان العراق، مع طبيب من ولاية أوريجون الأمريكية يعمل على مساعدة الأمهات الفارين من تنظيم داعش".
وفي المنزل الآمن، تقدمت نسرين بطلب إعادة توطينها في دولة أخرى، وحصلت على حق اللجوء في دولة غربية - لم تسمها - في المنطقة التي يعيش بها العديد من أفراد مجتمعها الإيزيديين.
واختتمت الصحيفة تقريرها بما قالته نسرين: "لا أعرف بعد إذا ما كنت سأربي ابني على الطريقة الإيزيدية، ولكنني سأتبع قلبي".
فيديو قد يعجبك: