كيف تمكنت أمريكية إيرانية من تغيير مسار مراهقات مغربيات؟ (حوار)
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
حوار- هدى الشيمي ورنا أسامة:
خلُصت أبحاث طبية ونفسية أُجريت مؤخرًا إلى أن التحدث إلى النفس بصوت عالٍ وتشجيعها على فعل أي شيء، قادر على إسكات الأصوات المزعجة، والقضاء على المشاعر السلبية الهدامة. وهذه هى الاستراتيجية التي تتبناها الأمريكية الإيرانية مريم مونتاج، لمساعدة المراهقات القرويات في المغرب للسيطرة على زمام الأمور، وتغيير مسارهن والسير بُخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل.
في غرف ليست كبيرة بمقرات مشروع (Project Soar) "بروجيت سور" في المغرب، تتجمع عشرات الفتيات في جلسات تبدأ عقب انتهاء دوامهن الدراسي، تصيح كل منهن بأعلى صوتها قائلة "أنا قوية.. أنا ذكية.. أنا قادرة على فعل كل شيء.. أنا قائدة.. أنا نسوية".
مريم مونتاج (52 عامًا) ناشطة نسوية ومُصممة أزياء وحُلي وعاملة متطوعة، وُلدت في مصر لأب أمريكي وأم إيرانية، تعتبر نفسها "مواطنة عالمية" وهو الوصف الذي اقترن بالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان.
ولعها بالمغامرة ورغبتها الشديدة في مساعدة الآخرين دفعها إلى القيام بأعمال تطوعية في 72 دولة، من بينها العراق، سريلانكا، وأفغانستان، وباكستان، وجنوب أفريقيا ومالي، كما عملت في العديد من المجالات الحقوقية، من بينها مكافحة عمل الأطفال، وتغيير قانون الانتخابات المتعلق بالمرأة، وأدارت برنامجًا لحقوق السجناء.
في عام 2013، وبعد استقرارها مع زوجها وولديها في المغرب حيث شعرت ما إن وطأتها قدماها أنها وطنها الثاني، أطلقت مونتاج مبادرة "بروجيكت سور" (Project Soar) كمشروع غير ربحي، لدعم الفتيات المراهقات القرويات في بلدة دوار العظم بالمغرب، وافتتحت المقر الرئيسي في الفناء الخلفي لمنزلها، ولم يقدم خدماته سوى للفتيات اللائي كن تعشن بالقرب منها.
و"بروجيكت سور" جزء من مبادرة "فتيات لسن عرائس" العالمية المناهضة للزواج المبكر للفتيات. وطرح 3 آليات لمكافحة زواج الأطفال؛ أولها تمكين الفتيات، وثانيها تعبئة وحشد الأسر والمجتمعات، وأخيرًا وضع وتنفيذ القوانين. بحسب آخر الإحصاءات، تُجبر 15 مليون فتاة سنويًا على الزواج المبكر.
كعادة أي قرية صغيرة متحفظة ينتشر فيها الزواج المبكر ولا تواصل فتياتها تعليمهن، لم يوافق الأهالي في البداية على ذهاب المراهقات إلى مقر الجمعية، ولكن بعد تدخل ودعم شيخ دوار العظم، حيث تعيش مونتاج وعائلتها، سمحت العائلات لبناتهن بالذهاب إلى هناك وحضور الدورات التدريبية، ومع مرور الوقت زادت أعداد الفتيات ووصل إلى حوالي 475 فتاة تتراوح أعمارهن ما بين 12 إلى 17 عامًا.
والآن بات للمشروع حوالي 21 مقرًا في كل مكان في المغرب، يضم فريقًا مؤهلًا مكونًا من 50 شخصًا، ويوفر 35 دورة تدريبية تستغرق مدة كل منها حوالي 90 دقيقة، في مجالات عدة من بينها الدعم الأكاديمي، ودورات التمكين، ومعلومات عن الصحة النفسية والجسدية، علاوة على فصول الرياضة والفن، وكل ذلك مجانًا بشرط "التزامهن بالبقاء في المدرسة".
تقول مريم، لمصراوي، إن الأوضاع الآن باتت أفضل كثيرًا، خاصة بعد ملاحظة الأهالي التأثير الإيجابي الذي يتركه المشروع في نفوس الفتيات. وتضيف: "يأتي الأهالي إلى مقرات الجمعية لتسجيل أسماء بناتهن، ويشيدون بما نقدمه وما نفعله".
وإلى جانب مساعدة الفتيات على التعرف على كامل إمكانياتهن للنهوض بعائلاتهن ومجتمعاتهن وأخيرًا بلادهن، حدّدت مونتاج مهمتهن في "مساعدة النسويات العرب على شغل مساحة أكبر في الحركة النسائية العالمية. وخلق التضامن بين الحركات النسائية العربية والغربية". وتؤكد"نستحق جميعًا العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين".
تطمح مونتاج لتطبيق المشروع في الدول النامية الأخرى. "نودّ جلب المشروع إلى مِنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونظرًا لأن المناهج تُدرّس باللغة العربية، يُمكننا أن نتوسّع بسرعة وبسهولة"، وفق قولها.
وترى أنه "حان وقت التغيير الكبير في المنطقة، ولا يمكن لأي بلد أن تتقدّم إذا تركت 50 بالمائة من أبنائها متخلّفين". وتمضي مُضيفة :"الاستثمار في فتاة في سن المراهقة، هو استثمار في أربعين سنة أو أكثر من الإنتاجية".
بعد نجاح ورواج المشروع في المغرب قررت مونتاج فتح مقرات للمشروع في أوغندا. ووقع اختيارها على البلد الأفريقي لعدة أسباب؛ أولها أن نسبة الفتيات الأوغنديات الأميات أكبر كثيرًا من نسبة الرجال والصبيان، كما أن الزواج المبكر وحمل المراهقات سببان رئيسيان لمنعهن من التعليم.
وفي عام 2013 جاءت أوغندا في المركز الثالث عشر في قائمة البلاد التي تعاني من ظاهرة الزواج المبكر، بعد وصول نسبة الفتيات اللائي تزوجن قبل بلوغهن الـ18 حوالي 46 بالمئة، حسب تقارير أممية وعالمية.
تثق مونتاج من نجاح المشروع في أوغندا والدول التي تعيش ظروف مشابهة، وتقول "نسعى لمساعدة الفتيات في هذه الدول على البقاء في المدارس، ومواجهة الزواج المبكر والحصول على مستقبل مُبهر".
حنين مونتاج إلى مصر، حيث ولدت وعاشت بضع سنوات، يدفعها إلى التفكير في العمل بها يومًا ما. "يقولون دائمًا أن النيل هو الأصل، ودائمًا ما يريد المرء العودة إلى أصله"، تقول الناشطة النسوية.
غير أن نقل العمل إلى مصر يتطلب الكثير من العمل والجهود والتعاون مع عدة الجهات. وتوضح الناشطة النسوية أنهم في حاجة إلى مشاركة إحدى المنظمات غير الربحية المعنية بشؤون المراهقات في مصر، تلك التي تعمل مع المسؤولين عن المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية، علاوة على التمويل والسماح لهن بتوظيف متطوعين لمساعدة الفتيات الصغيرات، وتزويدهن بكل المواد والدعم اللازم.
على مدار السنوات الماضية، تمكنت مونتاج من تمويل مشروعها من الأرباح التي تحصل عليها من الفندق، الذي بناه زوجها في المغرب وافتتحاه عام 2010، بالإضافة إلى المال الذي تكسبه نظير بيع منتجاتها وتصاميم خط الإنتاج خاصتها والذي يحمل اسم (Agent Girl power) "إيجنت جيرل باور"، وهو عبارة عن مجموعة من الحلي والملابس التي تحمل شعارات نسوية مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية.
استوحت مونتاج التصاميم من الأحداث التي وقعت في وطنها أمريكا، وفي أعقاب انتخابات الرئاسة لعام 2016، ودعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وتعهده ببناء جدار حدودي عازل بين بلاده والمكسيك.
تعد مونتاج، التي تزوجت زوجها المهندس المعماري الأمريكي في حفل زفاف إسلامي، من أشد معارضي تصرفات ترامب وتصريحاته، بما فيها تعليقاته عن الاعتداء الجنسي بحق النساء، والتي وصفتها بـ"المروعة"، وتؤكد أنها أصدمتها وأحزنتها كثيرًا.
وتُضيف: "بعض تصرفات ترامب شكل من أشكال رُهاب الإسلام المعرف بظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وهي غير مقبولة ومثيرة للانقسامات وتبث الكراهية وتنشر التمييز".
للتغلب على التمييز والعنف ضد الفتيات، ترى مونتاج أنهن قادرات على حماية أنفسهن من أية انتهاكات، ويوجد آليات لفعل ذلك تتمثل أولى خطواتها في ضرورة فهم أن "الانتهاك ليس حقًا وليس طبيعيًا، ولا ينبغي التهاون بشأنه أو التسامح فيه، سواء كان شفهيًا أو جنسيًا، أو أي شكل من أشكال العنف الجسدي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والاغتصاب في إطار الزواج".
تؤكد الفتيات اللائي حضرن الدورات التدريبية في الجمعية أنها بالفعل غيرت من شخصياتهن ومن مسار حياتهن. من بينهن عائشة، المراهقة المغربية، التي تقول إنها لم تعد تلك الفتاة التي قد توافق على العادات والتقاليد القديمة ولن تقبل بالزواج القسري المبكر، فقد باتت الآن أقوى وأكثر ثقة وإيمانًا بنفسها.
وتتابع: "لن أسمح لأي شخص أو أي ظروف بالوقوف أمامي، أو منعي من تحقيق أحلامي.. فأنا قوية".
فيديو قد يعجبك: