مع تحذير الأرصاد الجوية من "سيول سبتمبر".. كيف تستغل الدول مياه الأمطار؟
كتبت-رنا أسامة:
عادة ما يتسم موسم الخريف- الذي يبدأ جغرافيًا في الثالث والعشرين من سبتمبر كل عام- بتقلبّاته الجوية التي غالبًا ما تشهد سقوطًا للأمطار التي تصل في بعض الأحيان حدّ السيول، ما يُكبّد بعض الدول خسائر مادية وبشرية، لاسيّما في حال لم تستعد هذه الدول للمخاطر المُحتملة لهذا الطقس.
وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية حلول فصل الخريف مبكرًا هذا العام، مع زيادة احتمالات سقوط أمطار تصل إلى حد السيول في وقت مبكر عن التوقيت المعروف من كل عام.
وفي حين تنظر بعض الدول لذلك الطقس باعتباره "نكبة"، هناك دول أخرى تنتظر السيول بفارغ الصبر؛ إذا تستفيد من كميات الأمطار الهائلة التي تهطل على أراضيها رُبما في أعمال الري وتوليد الكهرباء والزراعة وسقي المواشي. وفيما يلي نظرة على أبرز تجارب الدول التي استفادت من مياه الأمطار والسيول:
السعودية: مشروع الحصادات
تتبنّى المملكة العربية السعودية نظامًا للاستفادة من كميات الأمطار التي تهطل على أراضيها على المدى الطويل بدلًا من هدرها، عبر ما يُسمى بمشروع "الحصادات" الذي يشمل تجميع المياه عبر السدود القائمة، وحساب الكميات، وإيجاد المكان الملائم للتخزين.
ويقوم على إنشاء حُفر تخزينية يتم اختيارها بعناية إضافة إلى إنشاء سدود ترابية وركامية، وفق صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن.
جاء تنفيذ هذه النظام قبل أكثر من 10 أعوام بعد أن وافق-حينها-الأمير سلطان بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، على مقترح من جامعة الملك سعود في الرياض، ممثلاً في مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء لتنفيذ هذا المشروع.
الإمارات: خزانات جوفية
تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء عشرات السدود والأحواض، فضلاً عن إعداد خزانات ضخمة كمنشآت مائية لتجميع مياه الأمطار في مواسم هطولها، للاستفادة منها في الري.
ويوجد في الإمارات أكثر من 130 سدًا في هذا الشأن، وهي توفر أكثر من 300 مليون جالون مياه في هطول بيوم واحد في حال سجلت ارتفاع في معدلات هطوله، بحسب صحيفة "الإمارات اليوم".
وبحسب المدير التنفيذي لمركز الأرصاد الجوية والزلازل بالإمارات، الدكتور عبد الله المندوس، يُستفاد من مياه الأمطار بعد تجميعها في السدود الموزعة على كل مناطق الدولة، ويتم توزيع تلك المياه ليستفيد منها الأهالي الموجودين في المناطق الملاصقة للسدود والمناطق الواقعة على ارتفاعات أقل من ارتفاع السدود بفعل تأثير الجاذبية، ويتم رشح المياه المخزنة بها الى خزانات جوفية أسفل السدود.
وتستخدم الإمارات آليات حديثة للحد من هدر مياه الأمطار المخزنة خلف سدود الدولة، من خلال تخزين المياه في خزانات جوفية طبيعية (تحت سطح الأرض) للحد من تبخرها خلف السدود.
وتُعرف هذه الآلية بـ"الرشح الاصطناعي"، وتتمثل في إدخال المياه في خزانات جوفية طبيعية بواسطة آبار إعادة شحن حُفرت خصيصاً لهذا الغرض، تمكن من تخزين المياه في خزانات اصطناعية مغطاة، وتسهل صيانتها، كما تم في منطقتي "فلي" و"فلج المعلا".
الأردن: الحصاد المائي
في الأردن، عمّمت الحكومة بيانًا على جميع المؤسسات يُلزم ببناء خزّانات لجميع مياه الأمطار في كل بناء جديد للاستفادة من المياه المُهدرة.
وبموجب نظام "الحصاد المائي" المُتّبع في الأردن، تُجمع خلال مرحلة معينة من الدورة الهيدرولوجية، تبدأ من لحظة وصول مياه الأمطار إلى أسطح المنازل أو الأرض وحجزها ببناء سد أو بئر بهدف لتخزينها والاستفادة منها في أوقات الجفاف، بحسب الموقع الالكتروني لوزارة المياه والري الأردنية.
تندرج أنظمة الحصاد المائي من البسيط إلى المعقد، اعتمادًا على طبوغرافية المنطقة ونوع منطقة التجمع والغرض من استخدام المياه.
وتختلف كُلفة مشروعات "الحصاد المائي" وإعادة استخدام المياه من مسجد لآخر ومن مدرسة لأخرى، وفقًا لطبيعة البناء والأرصفة والمساحات المتاحة للزراعة وبُعد الخزنات وطبيعة وحدة المعالجة في حالة إعادة الاستخدام. وتتراوح كلفة المشاريع في العادة ما بين 6-15 ألف دينار أردني.
كما نفّذت وزارة الزراعة بالأردن عددًا من الحفائر والسدود الترابية في المناطق الشرقية والجنوبية من الطفيلة، لتغذية مخزون المياه الجوفية وتوفير كميات إضافية من المياه لسقي المواشي، ضمن مشروعات الحصاد المائي التي تستوعب سنويًا ما يقارب 400 ألف متر مكعب من مياه الأمطار، وفق وكالة الأنباء الأردنية "بترا".
غزة: حقن الخزان الجوفي
تنفذ سلطة المياه التابعة للحكومة الفلسطينية في غزة مشروعًا لاستثمار مياه الأمطار، يُعرف باسم "حقن الخزان الجوفي".
بحسب تقارير إعلامية فلسطينية، يقوم المشروع على "استغلال مياه الأمطار وتجميعها من فوق أسطح المباني والشوارع وإعادة حقنها في الخزان الجوفي بعد تنقيتها"، لتوفير أكثر من 8 مليون متر مكعب من المياه وقرابة 15 بالمائة من حاجة القطاع السنوية للمياه.
وجرى تنفيذ المشروع في "دير البلح" و"غزة"، بإنشاء وحدات لتجميع الأمطار من الشوارع، حيث استغرق تنفيذه في غزة، شهرين فيما احتاجت كل وحدة مرتبطة بسطح منزل أسبوعًا.
وعن آلية حقن الخزان الجوفي بمياه الأمطار، فيتم "نقل المياه عن طريق مواسير يتم توزيعها حتى تصل إلى مصفاة الرمال، حيث يتم تصفيتها ثم تصريفها إلى منهل حقن محفور في الإسفلت ومُغطّى بطبقات من الحصة تعمل كفلتر طبيعي كي تنزل المياه إلى الخزان الجوفي"، وفق ما ذكره مدير المشاريع في بلدية دير البلح، فاخر الكرد.
السودان: تشييد السدود وحفر الآبار
نفذت الخرطوم العديد من مشاريع حصاد المياه في ولايات السودان المختلفة، تمثلت في تشييد السدود الصغيرة وحفر الآبار وتأهيل الآبار القائمة وتنفيذ حفائر لتجميع مياه الأمطار.
وشهدت الفترة من 2010 إلى 2015 تنفيذ 400 مشروع، بينها 290 مشروع سدود وحفائر بسعة إجمالية 94 مليون متر مكعب. تضاف إليها مشاريع استهدفت توفير 25 مليون متر مكعب من المياه وتأهيل ورفع قدرات السدود والحفائر القائمة وحفر 45 بئراً في ولايتي الجزيرة وغرب كردفان في 2015، بحسب مدير الإدارة العامة لحصاد المياه في وحدة تنفيذ السدود بالسودان، المهندس عمار محمد علي.
وتُقدِر معدلات الأمطار السنوية في السودان بين الصفر في أقصى الشمال و800 مليمتر في أقصى الجنوب.
ويبلغ متوسط الإيراد السنوي لمياه الأمطار نحو 400 بليون متر مكعب، وتتباين فترة هطولها بين 7 أشهر في الجنوب في ولايات النيل الأزرق ودارفور وكردفان من مايو إلى نوفمبر، وثلاثة الى أربعة أشهر في الوسط بولايات الخرطوم والجزيرة والقضارف وكسلا من يوليو إلى أكتوبر، وتنعدم في الشمال إلا نادرًا.
اليابان: أنهار صناعية
أما اليابان فتستفيد من مياه الأمطار في توليد الكهرباء وزراعة الأرز، من خلال شق "أنهار صناعية" من الأسمنت على بُعد يزيد على متر أو أكثر في باطن الأرض، وربطها شبكة مصارف منفصلة عن شبكة المجاري.
تستقبل هذه المصارف مياه الأمطار عبر "بالوعات" متقاربة في الشوارع لا يزيد بُعد الواحدة عن الأخرى أكثر من 100 متر أو أقل. وتنقل المصارف مياه الأمطار إلى الأنهار الصناعية التي تنقلها بدورها إلى المحيط، بحسب تقارير محلية.
قبل وصول هذه المياه إلى المحيط، يتم الاستفادة منها في توليد الكهرباء وجزء جزء منها في زراعة الأرز عبر "سدود" تم إقامتها على هذه الأنهار.
فيديو قد يعجبك: