كيف اختلف خطاب بومبيو عن كلمات أوباما قبل عشر سنوات بجامعة القاهرة؟
كتب - محمد الصباغ:
قبل عشر سنوات تقريبًا، وقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما متحدثًا من جامعة القاهرة للعالم الإسلامي حول ضرورة تحسين العلاقات المشتركة بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية ومواجهة التطرف. بينما كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من داخل مبنى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليحشد الدول ضد الحكومة الإيرانية، مُطلقًا رصاصاته نحو الإدارة الأمريكية السابقة.
قال بومبيو إن عصر "العار" انتهى، في إشارة إلى أسلوب الإدارة الأمريكية السابقة في إدارة مصالحها وعلاقاتها بالشرق الأوسط، ثم هاجم إيران في معظم كلمته التي امتدت لحوالي نصف الساعة.
أعلن أن الحكومة الإيرانية ومسارها الحالي هو السبب في عدم استقرار وأمن الشرق الأوسط، ولكنه مثل أوباما تعهد بالتزام الولايات المتحدة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
كرر وزير الخارجية الأمريكي في خطابه كلمة "الإرهاب الإسلامي" لأكثر من مرة، مشيرًا إلى التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة، والتي تحمل خلفية إسلامية. وأشاد بشجاعة الرئيس عبدالفتاح السيسي في معركته التي يخوضها ضد قوى التطرف والإرهاب.
اعتبرت وسائل إعلام أمريكية أن الخطاب الذي ألقاه بومبيو من القاهرة هو ارتداد كامل ومحو لإرث واستراتيجية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط.
تقارب أوباما وهجوم بومبيو
في صدر كلمته من جامعة القاهرة قال أوباما إن مؤسستين مرموقتين تستضيفانه في مدينة القاهرة وهما الأزهر "الذي بقي لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية"، وجامعة القاهرة التي كانت على مدى أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم في مصر.
وأمام حضور بارز، ذكر أوباما أن المسألة الأولى التي يجب مواجهتها في تلك الفترة هي التطرف العنيف بكافة أشكاله، وأشار في خطابه إلى العالم الإسلامي إلى أنه ما لم يتم التوقف عن "تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الاختلاف فيما بيننا فإننا سنساهم في تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذي من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيق الازدهار".
كما أضاف أن قدومه إلى مصر هو من أجل البحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي "بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما".
وذكّر أوباما بكونه مسيحي والده من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين، بجانب قضاء سنوات من شبابه مع المسلمين في إندونيسيا، وعمله خلال سنوات الشباب في المجتمعات المحلية بشيكاغو حيث "وجد (أوباما) الكثير من المسلمين في عقيدتهم روح الكرامة والسلام".
وكما بدأ أوباما بـ"السلام عليكم"، قال بومبيو في خطابه الذي ألقاه الخميس: "نحن جميعا أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام مسيحيون ومسلمون ويهود"، و"الولايات المتحدة الأمريكية قوة تخدم الخير في الشرق الأوسط، علينا أن نعترف بهذه الحقيقة لأننا إذا لم نفعل ذلك سنقوم باختيارات سيئة الآن وفي المستقبل".
وأضاف عن وجوده في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: "لا يوجد مكانًا لائقًا أكبر من المكان الذي أقف فيه من القاهرة بالجامعة الأمريكية للنقاش حول قضايا الشرق الأوسط، وهذه السنة تصادف الذكرى المئوية على تأسيس هذه المؤسسة".
لكن وزير الخارجية الحالي هاجم نهج إدارة باراك أوباما، وقال من القاهرة: "هنا وفي هذه المدينة بعينها وقف أمريكي آخر يخاطبكم وقال إن إرهاب الإسلام المتطرف لا ينبع من أيديولوجية، وقال إن أهداف الحادي عشر من سبتمبر دفعت بلاده إلى التخلي عن مثلها العليا لا سيما في الشرق الأوسط وقال إن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بحاجة إلى بداية جديدة وكانت نتائج هذه الأحكام الخاطئة وخيمة".
وحول ما يمكن وصفه بانقلاب على خطاب أوباما من جانب بومبيو، قالت راتشيل براندنبرج، مديرة مبادرة أمن الشرق الأوسط في معهد أتلانتيك للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إن أوباما وقف منذ عشر سنوات محددا جمهوره الذي كان "العالم الإسلامي"، وكان يعرف تمامًا بالتوترات بين الولايات المتحدة والعالم والشعوب الإسلامية.
وأضافت بحسب تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد: "أعلن أوباما عن بداية جديدة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل".
أما عن خطاب بومبيو، فأشارت إلى أنه لم يستهدف جمهورًا محددًا، بعيدًا عن القاعدة المحلية من أنصار إدارة ترامب، مضيفة أنه لم يخرج في حدثه عن تصريحات ترامب السابقة حول السياسة الخارجية الأمريكية.
إيران الخلاف الأكبر
اختلاف واسع برز في خطابي أوباما وبومبيو من القاهرة فيما يخص الموقف من إيران، فالأول لم يخرج عن سياق بدء صفحة جديدة مع دولة إسلامية كبرى. فأبرز الأخطاء الأمريكية في التعامل مع إيران، بداية من دور واشنطن في الإطاحة بالحكومة الإيرانية خلال فترة الحرب الباردة، ثم أشار إلى حق طهران في استخدام الطاقة النووية السلمية.
كما جاء على ذكر الدور الإيراني في خطف مواطنين ورهائن أمريكيين، وقال: "السؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه".
على العكس تمامًا؛ جاء خطاب بومبيو تكاد لا تخلو منه فقرة من الهجوم على إيران أو إلقاء المسئولية على طهران في أوضاع المنطقة وإلصاق تهمة الإرهاب بها.
وقال بومبيو "لقد عكست إدارة الرئيس ترامب مخاطر النظام الإيراني وانسحبت من الاتفاقية النووية الفاشلة بوعودها الكاذبة، وأعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات التي كان يتوجب رفعها في الأمس، بالإضافة إلى تنظيم حملة ضغط جديدة لقطع الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لنشر الإرهاب والدمار في البلاد.. بالإضافة إلى انضمامنا إلى صفوف الشعب الإيراني للمطالبة بالحرية وعززنا من أواصر تفاهمنا المشترك بين حلفائنا حول الحاجة إلى مكافحة أجندة النظام الإيراني".
ودعا من القاهرة دول العالم إلى الاستمرار في "تقويض النشاط الإيراني في المنطقة".
التوافق حول أمن إسرائيل
تقريبًا النقطة الوحيدة التي اشترك فيها الرئيس السابق ووزير الخارجية في خطابيهما هي أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي وتعهد الولايات المتحدة الامريكية بالحفاظ عليه.
وفي خطاب أوباما تحدث عن المآسي التي تعرّض لها اليهود، وعن حقهم في دولتهم، وقال إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا واسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا".
ولكن جاء خطاب بومبيو في وقت زار فيه رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتيناهو دولة عُمان التي لا تربطها بتل أبيب علاقات رسمية، وعُزف السلام الوطني لدولة الاحتلال في الإمارات. فتحدث وزير الخارجية عن "نمو روابط جديدة بصورة لم نكن نتصورها حتى عهد قريب".
وأضاف: "من كان يصدق أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي مسقط أو أن علاقات جديدة ستنشأ بين السعودية والعراق أو أن البابا في روما يزور هذه المدينة ليلتقي بالأئمة المسلمين ورؤساء الكنيسة القبطية".
وقال "في أكتوبر من العام الماضي عزف النشيد الوطني الإسرائيلي أثناء تتويج بطل الجودو الإسرائيلي كفائز في دورة ألعاب كيمج في الإمارات العربية المتحدة وكانت هذه أول مرة يسمح فيها لوفد إسرائيلي بالمشاركة تحت العلم الإسرائيلي وكانت أول مرة يحضر فيها وزيرا الثقافة والرياضة الإسرائيليين".
لكن على العكس من بومبيو فقد تطرق أوباما إلى ما يعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال وذلك في سعيهم نحو إقامة وطن خاص لهم.
وقال أوباما: "تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من 60 سنة.. وليس هناك أي شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم".
وفي تحليل لفيصل إيتاني، الباحث بمعهد رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط، قال إن المقارنة بارزة بين الخطابين. وأضاف: "توقعت أن يكون الخطاب نسخة لرؤية إدارة ترامب حول العالم الإسلامي. لكنني كنت على خطأ".
كما ذكر أن هناك علامات استفهام حول محتوى الخطاب وتعريفه للتطرف، مضيفًا أن اللهجة الحادة حول إيران ربما ليس بالضرورة تكون غير شعبية، لكنها ليست القضية المركزية لأغلب المواطنين العرب.
وأشار إلى أن إدارة أوباما لم تكن لها شعبية كبيرة بين العرب أيضًا، لكن بشكل كبير كان السبب هو أن خطابها مخالف في أحيان كبيرة لسياساتها. وأنهى تحليله بالقول إن يمكن تلخيص الأمر في أن خطاب بومبيو "لم يكن موجهًا إلى السكان المحليين بل إلى أنظمتهم".
فيديو قد يعجبك: