مائة عام على محاولة الأمريكيين حظرَ الكحول
نيويورك- (د ب أ):
شارك المهاجرون الألمان في انتشار الكحول في أمريكا، خلال القرن التاسع عشر، حيث جلبوا معهم فن تخمير الجعة، يضاف إلى ذلك تحسن وسائل التبريد وتيسر النقل باستخدام السكك الحديدية.
ولكن كلما ازداد انتشار الخمور ازدادت معه المعارضة ضد الكحوليات، خاصة بين "البيوريتانيين" (المتطهرين)، أتباع أحد المذاهب الكنسية في الولايات المتحدة آنذاك، والذين ناضلوا من أجل حظر الخمور في أمريكا، و أسسوا حزبا يمثل ذراعا سياسية لهم لحظر الكحوليات، التي اعتبروها رجسا من عمل الشيطان.
وفي يوم الأربعاء الموافق 16 يناير، قبل 100 عام، استجابت السلطات الأمريكية للضغوط الشديدة التي مارسها الحزب من أجل حظر الكحول، حيث تم التصديق على منع المشروبات الكحولية في إطار التعديل الثامن عشر للدستور.
وبعد ذلك بعام، بدأ سريان حظر تصنيع المشروبات الكحولية ونقلها وتعاطيها.
وكانت العديد من الولايات الأمريكيةاعتمدت بالفعل قبل ذلك حظرا محليا للكحول.
لم يستثن هذا الحظر سوى الأغراض الدينية والطبية، وكان هناك تسجيل ورقابة صارمة لهذه الحالات الاستثنائية.
كما أن الولايات المتحدة كانت في حاجة ماسة منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى لإنتاجها من الحبوب لاستخدامه في توفير حاجة الشعب من الغذاء، مما أعاق الكثير من منتجي الجعة ذوي الأصول الألمانية من إنتاج الخمور.
وكان ينتظر لحظر تعاطي الكحول حماية الولايات المتحدة من التدني الأخلاقي والاجتماعي "حيث كان الكحول مشكلة كبيرة حقا في القرن التاسع عشر"، حسبما يقول دانييل أوكرينت، الذي ألف كتابا عن حظر الكحوليات في الولايات المتحدة، في تصريح له مؤخرا لمجلة "تايم".
وأضاف أوكرينت: "كان تأثير الكحول هداما على حياة الأسرة... كان الرجال يرتادون الحانات لاحتساء الخمور، وينفقون أموال أسرهم على الكحوليات، وكانوا يشربون كميات كبيرة تجعلهم غير قادرين في اليوم التالي على الاستيقاظ للذهاب إلى العمل، كما كانوا يضربون زوجاتهم، ويسيئون جنسيا لأطفالهم، وهو ما تسبب في انطلاق الحركة المعادية للمشروبات الكحولية".
ولم يكن من السهل جعل أمة يزيد تعدادها آنذاك عن 100 مليون نسمة تقلع عن الخمور، حيث كان هناك مخزون احتياطي منها في كثير من المناطق، وارتفعت أسعار الخمور التي كانت تباع سرا، واستمر هذا الارتفاع.
ويقول الخبير أوكرينت، إن هناك تقديرات تشير إلى تراجع تعاطي الخمور بنسبة نحو 30% في بداية الحظر، ثم عاود تناول الخمور التزايد بعد ذلك بشكل مستمر.
أدى الحظر إلى تغيير في الولايات المتحدة بشكل مستدام، ولكنه لم يغيرها بالشكل الذي كان يسعى إليه المتطهرون، حيث استفادت منه العصابات والمهربون الذين وفروا حاجة البلاد من هذه الخمور.
وازدهر الفساد والسوق السوداء، وانتشرت الحانات السرية، واشتهر رجال عصابات تخصصوا في تهريب الخمور وتوفيرها.
كما تغير أسلوب تناول الخمور، فبعد أن كان الرجال والنساء يتعاطونها بشكل منفصل عن بعضهما البعض، أصبحوا يتعاطونها بشكل جماعي مشترك في الحانات السرية.
وتزايدت مقاومة الحظر بين الشعب، وسرعان ما تزايد معه أيضا الرفض بين صناع القرار السياسي، وذلك في ضوء تزايد الجريمة والفساد.
وفي الخامس من ديسمبر 1933، وبعد نحو 13 عاما من الحظر، ألغى الكونجرس الأمريكي هذا الحظر في إطار التعديل الحادي والعشرين للدستور الأمريكي.
وكان من بين أسباب إلغاء الحظر حاجة الاقتصاد الأمريكي بشكل ملح لعائدات مالية من الضريبة على الكحوليات، وذلك بسبب الأزمة التي عانى منها الاقتصاد الأمريكي آنذاك.
ولكن الحظر خلف آثارا في الولايات المتحدة حتى اليوم.
ولا تزال هناك، على سبيل المثال، في بعض الولايات الأمريكية ما يعرف بـ "المناطق الجافة"، أي التي لا يسمح فيها ببيع الخمور، "ولكن السخرية الكبيرة لإلغاء الحظر هي أن تناول الكحوليات أصبح صعبا فيما بعد، فقد كان الالتفاف على الحظر يتطلب فقط الذهاب لأحد المحلات السرية لبيع الخمور، أو تقديم رشوة لشخص ما، ولكن إعادة السماح بتعاطي الخمور تحت مرأى ومسمع من القانون جلب معه العديد من القيود والرقابة، مثل تحديد حد أدنى للسن الذي يسمح لأصحابه بالتعاطي، ولا تزال الكثير من هذه القيود سارية حتى اليوم".
وتراجعت الحانات السرية الآن، وأصبحت تشتهر بالوجاهة وحسن السمعة، خاصة في بعض الحواضر الأمريكية، حيث أصبحت هذه الحانات أماكن مفضلة لقضاء السهرات في أقبية مبان لا يسمح بدخولها سوى باستخدام كلمات مرور خاصة، حسبما أوضح الخبير أوكرينت.
وتابع أوكرينت: "لم تكن هناك كلمات مرور في نيويورك أو شيكاغو حتى عام 1925 أو 1926، عندما كان شخص ما يريد مشروبا كحوليا كان يعرف أين يحصل عليه، ولكن أسطورة الحانات السرية تعود لأفلام هوليوود ولا تعود لفترة الحظر".
فيديو قد يعجبك: