محمد بن راشد يروي حكاياته مع صدام والقذافي وكيف أجهض انقلاب الشارقة
كتبت- سارة عرفة:
كشف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء، كواليس اجتماع تأسيس اتحاد الإمارات السبعة، وكيف أجهض أول محاولة انقلابية بعد الاتحاد وتأسيس الدولة في 1971، والتي شهدتها إمارة الشارقة.
وفي كتابة الجديد "قصتي.. 50 قصة في خمسين عام"، روى بن راشد حكايات جمعت بينه وبين عدد من رؤساء الدول العربية السابقين والحاليين على رأسهم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والرئيس السوري بشار الأسد.
وربط الشيخ محمد بن راشد في مستهل مذكراته بين وضعه ووضع إمارة دبي في الوقت الراهن، وما كان عليه ذلك الطفل (محمد) الصغير الشغوف باكتشاف العالم من حوله. كان بن راشد يعيش بين الجدران الطينية في منزل جده الشيخ سعيد.
على خلاف كثيرين، لا ينسب الشيخ محمد أمجاد دبي لنفسه، بل لجذوره الضاربة في عمق الصحراء، منذ أن وعى على طموحات جده إلى ذاكرة طفولته المزدحمة بالعلاقات الأسرية العفوية.
يتذكر الشيخ محمد بفخر كيف أن مهندسي المشاريع كانوا يلقبون والده الحاكم بـ"الفورمان"، وذلك لاعتقادهم بأنه مجرد موظف، دون أن يخطر في بالهم أنه الحاكم الذي لم يأبه بالجلوس على عرش، وراقب بنفسه شؤون العمل والموظفين.
انقلاب الشارقة وعلاقته بصدام
روى حاكم دبي، كيف واجه بنفسه انقلابا في إمارة الشارقة، بعد أقل من شهرين من إعلان اتحاد الإمارات، وتمكن من إحباطه، وقد استخدم فيه دهاءه رغم غياب القوة آنذاك، مشيرا إلى أن مؤسس دولة الإمارات ورئيسها الراحل الشيخ زايد، والذي طلب منه التكفل بمسألة الانقلاب، التقاه بعد إنهاء الانقلاب في سيارته، وأعطاه تمرات وفنجان قهوة، وقد وصف الشيخ محمد ذلك الموقف: "أعطاني بيده تمرات ثم فنجان قهوة، وكأنه يقول لي: أنت.. أنت يا محمد".
كما كشف محمد بن راشد، في كتابه، تعامله مع حادثين إرهابيين على الأقل لاختطاف طائرتين، وكيف أنه تولى بنفسه التحدث إلى الإرهابيين وطوال ساعات، لإقناعهم بضرورة الاستسلام، كما استذكر انبهار الرؤساء العرب بمدينة دبي الفتية والصاعدة بقوة، مثل معمر القذافي، وبشار الأسد، ومقارنتها بمدنهم العريقة المتأخرة، وحلمهم أن تصير على غرار إمارة دبي.
وصف كيف واجه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وعلى خلاف الكثيرين الذين يخشونه، أجابه بجرأة وصراحة، دفعت صدام للإعجاب به واختياره صديقًا من بين الجميع.
وقال: "التقيت بصدام في أحد الاجتماعات، وابتدأ الحديث فيما بيننا بنوع من المجاملة، ثم جاءت الجملة الأهم من صدام: لدي تقرير يفيد بأنك تدعم إيران بطرق مختلفة، ووضع تقريرًا أمامي.
أجبته: إنني لا أحتاج للتقرير وها أنا ذا معك، إذا كنت تقصد شحنات من الأسلحة فأتحدى أي شخص يثبت ذلك، أما إن كنت تقصد الشحنات من المواد الغذائية فنعم، ولن تحتاج لتلك التقارير؛ لأن سفننا تذهب إلى هناك وإلى العراق أيضًا، ولا يمكنني أن أوقف شيئًا إنسانيًا يتجه نحو الشعوب".
ويقول الشيخ محمد بن راشد إن شجاعته في هذه الإجابة، أثارت إعجاب صدام به.
الطفولة وحياة البدواة
وفي كتابه، يروي حاكم دبي بادئًا من طفولته، كيف تشكل العالم في عينيه، ورغم الفضول الذي يصاحب الأطفال عادة بالانبهار بكل جديد، إلا أن الشيخ محمد يتذكر وهو فتى في الحادية عشرة كيف أن عظمة عرش وإمبراطورية شاه إيران الذي زاره مع والده الشيخ راشد، لم تغره أو تثر في نفسه الإعجاب، بقدر ما جعلته يتعلم كيف أن العظمة الحقيقية هي تلك التي تنعكس على الشعب وليس على العرش.
يعود الطفل "محمد بن راشد" ليحكي عن أجمل أيام حياته في الصغر، مبينًا كيف أن حياة البداوة والصحراء رغم قحطها أغدقت عليه بمعرفة غنية، وعلمته تفهم الطبيعة وكيفية التعامل معها، والتي بدورها علمته كيف ينظر الإنسان للعالم.
ويسترجع تلك المرحلة حين أرسله والده لأحد شيوخ المناصير حميد بن عمهي، ليتعلم على يده أصول البداوة. وكيف كان مدينًا للشيخ حميد باكتسابه مختلف العلوم، منها مناعته من سم العقارب: "كنت أستيقظ عدة مرات على لدغات عقارب صغيرة، يبدو أنها كانت تبحث عن الدفء أيضًا في فراشي، أقوم متألمًا جدًا، فيأخذني حميد إلى النار، ويضع الرماد على أماكن اللدغات لينحسر السم ويسهل امتصاصه.
ويكشف حاكم دبي، كيف كان كأي طفل يملك عالمًا خاصًا به، وكيف حول غرفة صغيرة أرضها رملية إلى "كهف" له، يلوذ به ليتأمل العالم بطريقته. وقد جمع فيها مختلف أنواع الحيوانات، بدءًا من العقارب والأفاعي إلى الأسماك والصدف.
أثر والده وأخيه في حياته
كما يحكي أيضًا كيف تعلم من والده مختلف العلوم، بدءًا من تعلم عادات الحيوانات إلى آثارها في الصحراء، والاستدلال من خلال الطبيعة على الجهات الأربع، إلى الرماية واستخدام البندقية.
ويستعيد أيضًا ذكرياته مع شقيقه الشيخ مكتوم، والذي كان يعتبره مثل جده الشيخ سعيد، والذي تعلم منه الشيء الكثير، واصفًا شخصيته بأنها كانت الأكثر لطفًا ولينًا وطيبة وتواضعًا، وأن عينيه تشبهان عيني أمه الشيخة لطيفة، وكيف واجه بحنكته وحكمته المشكلات العالقة أمام قيام الاتحاد.
الشيخة لطيفة
وبمزيج من الحنين المشوب بالألم والكثير من الحب والامتنان، يروي الشيخ محمد بن راشد تفاصيلَ من حياة والدته الشيخة لطيفة بنت حمدان "أم دبي"، وكيف كانت قادرة على إدارة بلاد بأسرها كما تدير منزلها.
ويستعيد الشيخ محمد، بمشاعر طفل لا يرى أحدًا كوالدته: "كنت أراها وأنا صغير، أذكرها تمشي وخلفها مجموعة من الغزلان التي اعتنت بها منذ صغرها، ترافقها وتتبعها أينما ذهبت، كانت أمي أميرة وجميلة، كانت أمي أجمل الملكات، كانت أمي أطول النخلات".
كامبريدج
ومن طفل إلى فتى، يصف الشيخ محمد بن راشد حياته في "كامبريدج" ببريطانيا، حيث توجه لتعلم اللغة الإنجليزية، وكيف استفزه هذا العالم الجديد، وقرر أن يستفيد من تجربة بريطانيا وينقلها إلى دبي.
كما يؤكد تعطشه الدائم للمنافسة الشريفة، وتحديه للصعاب، وهو يصف تجربته في "سرية كوهيما" البريطانية: "كنت حريصًا في كل ذلك على تقديم أفضل ما عندي، والاستماتة في كافة أنواع التدريبات البدنية والذهنية والعسكرية. وكنت قريبًا من الحصول على العلامات الكاملة".
أمنيته
ويؤكد الشيخ محمد رغبته أن تصير المدن العربية على غرار دبي: "دبي بحاجة لمدن شقيقة قوية تضع يدها بيد دبي لتحقيق معجزات عالمية جديدة، هكذا ننظر للمنافسة. فإذا تحسن اقتصاد المنطقة، وارتفع دخل الفرد فيها، وزاد عدد المتعلمين والموهوبين فيها، فستكون دبي أفضل بعشرات المرات".
ويختم حاكم دبي، الذي شغف بالإنسان والمعرفة قبل الحكم، بوصاياه العشر للطامحين في الحكم وللذين يديرون حكوماتهم، مشددًا على ضرورة التمسك دائمًا بالعمل والتخطيط والابتكار، وحب الشعوب والناس، والزهد في الكرسي: "انطلق لبناء الحياة! نحن محظوظون لأننا نعمل في الحكومات. وظيفتنا ليست وظيفة عادية، وظيفتنا أجمل ما في حياتنا، بل هي الحياة. وظيفتنا عظيمة، نغير من خلالها حياة الملايين نحو الأفضل. لا تستهن بدورك أو عملك أو جهدك، فأنت تعمل في مجال صنع الحياة، وتصميم المستقبل، وبناء الأوطان".
فيديو قد يعجبك: