كيف دبرت الولايات المتحدة ودول لاتينية أخرى ما يجري في فنزويلا؟
كتب – سامي مجدي:
التئم تحالف حكومات أمريكا اللاتينية التي انضمت سريها إلى الولايات المتحدة في الاعتراف بخوان غوايدو رئيسا مؤقتا لفنزويلا عبر أسابيع من الدبلوماسية السرية التي احتوت على رسائل هامسة للناشطين الذين يخضون لمراقبة مستمرة ورحلة محفوة بالمخاطر لزعيم المعارضة التي تحدى سلطة الرئيس نيكولاس مادور، حسبما أوردت وكالة الأسوشيتد برس للأنباء السبت.
ويقود غوايدو، 35 عاما، والذي دعا الفنزويليين للتحرك ضد السلطة القائمة، معارضة تعتبر الولاية الرئاسية الثانية لمادورو غير شرعية. وقد اعترفت به بسرعة كرئيس انتقالي للبلاد الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول أمريكا اللاتينية. وعارضت خطوته روسيا والصين وتركيا وبعض الدول الأخرى.
مبعوث جديد
وعين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الجمعة إليوت أبرامز مبعوثاً إلى فنزويلا بهدف المساهمة في "إعادة الديموقراطية" إلى هذا البلد. ويتوجه المبعوث الجديد إلى مجلس الأمن الدولي السبت، حيث يعتزم بومبيو "دعوة دول أخرى إلى دعم التحوّل الديموقراطي في فنزويلا".
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن "الوزير بومبيو سيحض أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي على دعم السلم والأمن الدوليين بالاعتراف بخوان غوايدو رئيسا دستوريّا مؤقتا لفنزويلا والدعوة إلى دعم الحكومة الانتقالية في سعيها إلى استعادة الديموقراطية وحكم قانون".
في الترتيبات التي سبقت إعلان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا، نقلت الوكالة الأمريكية، أسوشيتد برس، عن العمدة السابق لكراكاس، عاصمة فنزويلا، المنفي أنطونيو ليدزما، أن غوايدو سافر سرا في منتصف ديسمبر إلى واشنطن وكولومبيا والبرازيل ليطلع المسؤولين على استراتيجية المعارضة بتنظيم مظاهرات حاشدة تتزامن مع حلف مادور اليمين الدستورية لتولي السلطة لفترة رئاسية ثانية في العاشر من يناير، وسط حملة إدانة دولية واسعة النطاق.
وقال زعيم اخر مناهض للحكومة دون كشف هويته إن غوايدو كان عليه التسلل عبر الحدود التي ينعدم فيها القانون مع كولومبيا حتى يتمكن من مغادرة فنزويلا، وحتى لا يثير الشبهات لدى مسؤولي الهجرة الذين أحيانا ما يتحرشون ويضايقون رموز المعارضة في المطار ويمنعونهم من السفر إلى الخارج، بحسب الأسوشيتد برس.
"معركة شاقة"
أشارت الأسوشيتد برس إلى أن بناء توافق بين الائتلاف المفكك المناهض للحكومة الفنزويلية ثبت أنه معركة شاقة؛ فالمعارضة منقسمة لسنوات بين غرور قياداتها واختلاف الاستراتيجيات التي تتبنها القوى المختلفة، هذا بالإضافة إلى القمع الحكومي الذي دفع العديد من القيادات المعارضة البارزة إلى المنفى ما جعل اجتماعهم وجها لوجا أمرا مستحيلا.
أما هؤلاء الذين بقوا في فنزويلا فهم تحت مراقبة مشددة من أجهزة الاستخبارات، وجميعهم كانوا خائفين من أن تكشفهم الحكومة.
وقال القيادي في المعارضة إن جلسات مطولة من الرسائل المشفرة باتت أمرا عاديا. وقال مسؤول أمريكي لم يكشف عن هويته لمخاوف أمنية، إنه تمت الاستعانة بوسطاء لإيصال رسائل إلى المستشار السياسي لغوايدو والمعارض السياسي ليوبولدو لوبيز الموضوع قيد الإقامة الجبرية بعد أن حاول وفشل في قيادة انتفاضة حاشدة ضد مادورو في 2014.
رغم من التأكيدات الشخصية التي قدمها جويدو في بوغوتا، عاصمة كولومبيا بأنه سيعلن نفسه رئيسا مؤقتا في تجمع يوم 23 يناير بالتزامن مع ذكرى انقلاب 1958 الذي أنهى الدكتاتورية العسكرية في فنزويلا، استمر التشويق حتى الساعات التي سبقت الإعلان، وفقا لما ذكره دبلوماسي من "مجموعة ليما" لدول أمريكا اللاتينية، طالبا عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام. تركت بعض الفصائل المعتدلة بعيدا عن التفاصيل، خوفا من أن تؤدي أي خطوة جريئة إلى فشل آخر للمعارضة. في النهاية، تم تسوية هذه الاختلافات على الصعيد الداخلي، دون أي خلاف علني.
قال مسؤول كندي بارز مشترطا إخفاء خويته "هذه هي المرة الأولى في خمس سنوات على الأقل تظهر المعارضة قدرة على الاجتماع مع بأي طريقة ذات مغزى."
لم يكن قرار مواجهة مادورو مباشرة ممكنا إلا بسبب الدعم القوي من إدارة ترامب، التي قادت مجموعة حكومات أمريكا اللاتينية المحافظة التي اعترفت بغوايدو على الفور.
لم يكن ذلك عملا دبلوماسيا صغيرا، لا يمكن مقارنته في الآونة الأخيرة إلا بالكيفية التي انطلق بها نصف الكرة الأرضية في عام 1994 خلف جان برتراند أريستيد لإعادته إلى السلطة في هايتي بعد أن أطيح بنا في انقلاب، نظرا لعدم ثقة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية النابعة من التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة خلال الحرب الباردة. ومما يثير الإعجاب، أن النهج المتشدد حظي بتأييد الحزبين، حيث أشاد به اثنان من أكبر الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، هما ديك دوربين وبوب مينينديز، بحسب الأسوشتيد برس.
"اللحظة الفاصلة"
لفتت الوكالة إلى أن اللحظة الفاصلة كانت في تصريح الرئيس دونالد ترامب المذهل في أغسطس 2017 بأن "الخيار العسكري" على الطاولة للتعامل مع الأزمة الفنزويلية.
في الأسابيع التي تلت ذلك، واصل ترامب إدانة مادورو بقوة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإضافة إلى الضغط على مساعديه بهدوء وبعض قادة أمريكا اللاتينية بشأن غزو عسكري للبلاد.
ومنذ ذلك الحين ، أدركت دول المنطقة أن لديها شريكًا في الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع أزمة تبلورت في سنوات، لكن الإدارات الأمريكية السابقة اختارت التقليل من شأنها بسبب محدودية التعقيدات التي يمكن أن تسببها للأمن القومي الأمريكي، حسبما قال فرناندو كوتز، كبير مستشاري الأمن القومي الأسبق في أمريكا اللاتينية لكل من الرئيس باراك أوباما وترامب.
بالنسبة للبعض، ولا سيما المكسيك، التي كانت تعيد التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، فإن تبني موقف أكثر عدوانية كان أيضًا فرصة لكسب النفوذ في العلاقات الثنائية مع إدارة ترامب.
قال كوتز الذي يعمل الآن مع شركة الاستشارات "كوهن غروب" في واشنطن، "لقد أثار ترامب شخصيا الكثير من ذلك. حرفيا في كل تفاعل له مع قادة أمريكا اللاتينية منذ توليه منصبه، كانت فنزويلا حاضرة. هذا الأمر أجبر كثيرين على السير في الركب."
في 4 يناير - قبل يوم واحد من أداء غوايدو اليمين رئيسا للجمعية الوطنية (البرلمان) - قال وزراء خارجية 13 دولة من مجموعة ليما، التي لا تشمل الولايات المتحدة، إنهم لن يعترفوا بفترة جديدة لمادورو.
وقال مسؤول أمريكي سابق وموظف في الكونغرس على اتصال وثيق بمجلس الأمن القومي، إن ذلك أدى إلى تدافع في البيت الأبيض للتأكد من أن الأمور لن تسبقهم.
وقال المسؤول الكندي إن كندا لعبت دورا رئيسيا وراء الكواليس، حيث تحدثت وزيرة خارجيتها كريستيا فريلاند مع غوايدو في الليلة التي سبقت مراسم حفل مادورو لتقديم دعم حكومتها في حالة مواجهة الزعيم الاشتراكي. كما نشطت كولومبيا، التي تشترك في الحدود مع فنزويلا، واستقبلت أكثر من مليوني مهاجر فروا من الفوضى الاقتصادية، إلى جانب بيرو، والرئيس البرازيلي الجديد المتطرف جير بولسونارو.
فيديو قد يعجبك: