أسوشيتدبرس تكشف.. ماذا فعل البشير في السودان طيلة 30 عامًا؟
كتب - هشام عبدالخالق:
يبدو أن المظاهرات التي تشهدها شوارع السودان ضد الرئيس عمر البشير لن تتراجع في أي وقت قريب، وطالب عدد من حلفائه السابقين بمغادرته، كما أن لم يتقدم أي من أصدقائه في المنطقة للمساعدة.
وتقول وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية في تقرير لها اليوم الخميٍس، إن عمر البشير قد يكون في طريقه للخروج، وتشبثه بالسلطة، سيؤدي إلى مزيد من العنف والشلل الاقتصادي للسودان ومرحلة جديدة في تاريخ مظلم من الصراع والدكتاتوريات العسكرية والاستقطاب السياسي.
السودان، والذي كان أكبر دول إفريقيا فيما مضى، جذب انتباه العالم في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة ولكن ليس للأسباب الجيدة، وكان مسرحًا لحرب أهلية طويلة بين الجنوب المسيحي والشمال المسلم. كما أنه استضاف أسامة بن لادن في السنوات الأولى من حركته الجهادية التي أدت إلى إنشاء القاعدة مما أدى إلى أن يصبح في قائمة الولايات المتحدة للدول التي تدعم الإرهاب.
في العقد الأول من القرن الماضي، كان السودان معروفًا بالقمع الوحشي للانتفاضة في منطقة دارفور، وهي الفترة التي أصبحت فيها الميليشيات الموالية للحكومة المعروفة باسم الجنجويد سيئة السمعة بسبب الأعمال الوحشية التي تقوم بها، واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير بتهم حرب وإبادة جماعية.
وتقول الوكالة، إنه بعد استقلال الجنوب عام 2011 في استفتاء شعبي، خسر السودان ثلث أراضيه وخرج من دائرة الضوء العالمية. وفي السنوات التالية، ازدادت حدة البؤس الاقتصادي الذي ظهر في عدة مرات على شكل احتجاجات أخمدها البشير في كل مرة وحاول أن يفعل نفس الشيء في الاضطرابات الأخيرة التي اندلعت في 19 ديسمبر.
الاضطرابات كانت في البداية بسبب ارتفاع حاد في الأسعار ونقص الموارد. وتم الإبلاغ عن مقتل العشرات، واعتقل البشير زعماء المعارضة، وفرض حكم الطوارئ وحظر التجول في مدن متعددة ، وتعليق للدراسة في المدارس والجامعات.
وحللت الوكالة في تقريرها، الأوضاع الحالية في السودان، وكيف ستؤثر على مستقبله:
كيف أصبح السودان في الوضع الحالي؟
منذ الاستقلال في عام 1956، تأرجح السودان بين السياسات الحزبية والحكم العسكري، في الوقت الذي كان يحاول أن يربط فيه الشمال والجنوب معًا. وحمل المتمردون الجنوبيون السلاح قبل عام من الاستقلال (1955)، بدءًا من الحرب الأهلية الأولى. وفي عام 1958، استولى الجيش على السلطة، حكم لمدة ست سنوات حتى موجة من أعمال الشغب والإضرابات في عام 1964. وأجريت الانتخابات ونتج عنها عدة حكومات فشلت جميعها في إنهاء الحرب أو الاتفاق على دستور دائم.
في عام 1969 قاد جعفر النميري قائد الجيش انقلابًا عسكريًا آخر، وقام بحل البرلمان وحظر الأحزاب السياسية، ليبدأ 16 عامًا من الحكم الاستبدادي. وصدّ العديد من محاولات الانقلاب، بما في ذلك واحدة من قبل الشيوعيين في عام 1971 وأخرى من قبل أتباع الإمام المهدي، وفي عام 1972، توصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في الجنوب.
تمرد الجنوب مرة أخرى بعد 11 عامًا وازدادت صفوف العصابات عندما أدخل النميري الشريعة الإسلامية. وبعد انتفاضة شعبية، أزال الجيش الرئيس النميري في عام 1985، وسلم السلطة بسرعة إلى حكومة منتخبة في خطوة جديدة على السودان، واستمرت الإدارة بضع سنوات فقط حتى تمكن البشير -الذي كان ضابط جيش محترف آنذاك- من التحالف مع المتشددين الإسلاميين والإطاحة بتلك الحكومة.
هل الاضطرابات الحالية من صنع البشير؟
بعد 29 عامًا تقريبًا من حكم البشير، من المرجح أن يتم تذكر تلك الفترة على أنها الأكثر قمعًا في تاريخ السودان، فهو حاول قمع التمرد الجنوبي، ولكن لم ينجح هذا.
قدم البشير نفسه كزعيم لموجة "الإسلام السياسي" -في تسعينيات القرن الماضي- بينما كان يبني علاقات مع الجهاديين العنيفين، وأنشأ ميليشيات موالية له لحماية حكمه واستطاع جذب رجال الأعمال والسياسيين الذين احتفظوا بالقوة وحشدوا ثروة هائلة في الدولة الفقيرة، وذلك عن طريق حشد الجماهير باستخدام الأيدلوجية الإسلامية.
وأدى فرض البشير المتجدد للشريعة الإسلامية إلى تنفير الكثيرين وتمزيق النسيج الاجتماعي لبلد له تركيبة دينية وعرقية مختلفة. وأصبح منبوذًا على المستوى العالمي بسبب استخدامه للميليشيا الإسلامية في دارفور، ووقع اتفاق السلام مع الجنوب في محاولة جزئية لإنقاذ مكانته.
لكن بعد استقلال الجنوب، أخذ معه ثلاثة أرباع موارد النفط السودانية، وترك الشمال دون محرك اقتصادي. ومنذ ذلك الحين، ظلت أولويات البشير الرئيسية المحافظة على قبضته القوية على السلطة في أثناء بحثه عن طرق للإصلاح الاقتصادي.
ما الخيارات التي يواجهها البشير؟
أظهرت المظاهرات الأخيرة انهيار التحالفات الداخلية التي كونها البشير، ولم تتخذ الشرطة أو الجيش قرارًا بعد، كما أن جماعات سياسية بينها إسلاميون كانوا متحالفين في السابق مع حزب المؤتمر الوطني انضموا إلى دعوات التي تطالب بتنحي البشير.
وتقوض هذه الانشقاقات استجابة البشير المتعثرة للأزمة، التي حاول تصويرها على أنها صراع ضد العلمانيين المدعومين بالمؤامرات الغربية التي تهدف إلى القضاء على "تجربة" السودان الإسلامية، وقد استخدم الخطاب الديني، مخاطبًا جمهورًا يكافح من أجل الحصول على لقمة العيش، قائلًا لهم إن "الله سيوفرها".
وبحسب الوكالة الأمريكية، فالبشير لديه خيارات إذا أراد البقاء، لكن من المحتمل أن يكون ذلك على حساب تخفيض سلطاته. وشكل البشير لجنة تحقيق يمكن أن تحاول منحه غطاء سياسي من خلال مقاضاة بعض المتهمين باستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين أو توجيه الاتهام لرجال الأعمال والسياسيين بالتلاعب في السوق لتحقيق مكاسب شخصية.
قد يحاول البشير أيضًا تشكيل حكومة جديدة شاملة بها بعض المعارضة السياسية أو يعلن عدم خوضه الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2020.
الحل الأخير الذي قد يلجأ إليه البشير هو أن يستمر فيما يفعله، ويجبر الشرطة والجيش على إما أن ينضموا إليه في قمع المتظاهرين أو ينقلبوا عليه للأبد، وهو ما سيؤدي إلى اضطراب جديد في السودان، وفقًا لأسوشيتد برس.
فيديو قد يعجبك: