"سجناء إلى الأبد".. قصة باكستاني وابنه في غياهب السجون الأمريكية
كتب – سامي مجدي:
كيف تحول رجل أعمال باكستاني إلى معتقل في غياهب سجن غوانتانامو؟ كيف التقى مع خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001؟ كيف ساعد – بعلم أو بدون علم – تنظيم القاعدة؟ هل يقضي بقية عمره في المعتقل؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يحاول التقرير التالي الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 13 ديسمبر الماضي الإجابة عنها. يتتبع التقرير خطى سيف الله وابنه عزيز من أحد الأحياء الثرية في كراتشي حتى غياهب السجون الأمريكية حيث يقبعان منذ عقد ونيف.....
على الأرجح سوف يموت سيف الله باراشا، أكبر سجين في معتقل غوانتانامو، المعتقل دون حتى أن توجه إليه اتهامات بشكل رسمي أو يواجه محاكمة. ابنه أيضا في سجن أمريكي اخر. كليهما رهن الاعتقال منذ نحو 15 سنة، لاتهامهما بتقديم مساعدات لتنظيم القاعدة.
لكن هل حقا فعلا ذلك؟
في يومي صيفي من عام 2003، وصل رجل أعمال ثري في منتصف عمره إلى مطار كراتشي ليستقل طائرة إلى بانكوك. كان سيف الله باراشا متوجها إلى العاصمة التايلاندية لينضم إلى شريكه الأمريكي في الأعمال لعقد اجتماع مع مشترين لسلسلة التجزئة "كمارت".
صحبته زوجته إلى المطار. كانت عائلة باراشا – المؤلفة من سيف الله وفرحات (الزوجة) وأربعة أطفال – تعيش في بلدة في حي دفينس فاخر في كراتشي. كان مصطفى، ابن سيف الله البالغ من العمر 14 عاما، يعشق الألعاب. طلب من والده أن يحضر معه بطاقة ألعاب غرافيك لحاسبه الآلي من بانكوك.
لم يكن نجل سيف الله الأكبر، عزير، هناك ليودع والده. في وقت سابق من ذلك العام، صُدمت عائلة باراشا بالأنباء التي تفيد بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ألقى القبض على عزير، البالغ من العمر 23 عاما، في نيويورك. تعتقد فرحات أنه ربما تم احتجازه بسبب جنون الارتياب حيال الآسيويين، وخاصة المسلمين، في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
بعد عدة ساعات، هبطت طائرة سيف الله بسلام في مطار بانكوك- لكنه لم يعقد اجتماعه أبدا. عوضا عن ذلك، فيما كان يغادر المطار، اعتقل في عملية لمكتب التحقيقات الفيدرالي. من هناك نقل إلى قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، حيث علم أنه متهم بمساعدة تنظيم القاعدة. وزعمت السلطات الأمريكية أنه سهل – من بين أنشطة أخرى – عمليات تحويل مالية لكبار أعضاء تنظيم القاعدة وحاول مساعدتهم في تهريب متفجرات إلى الولايات المتحدة.
بعد خمسة عشر عاما، لا يزال سيف الله رهن الاعتقال الأمريكي. لم توجه إليه أية اتهامات بارتكاب جرائم. وهو أكبر معتقل في غونتانامو الذي يحتجز به منذ 2004، إذ أنه الآن بعمر الواحد والسبعين. لم يحظى سيف الله أبداً بفرصة للإطلاع على المدى الكامل لما اتُهم به، ناهيك عن الدفاع بشكل مناسب عن نفسه في المحكمة. لم يُحاكم أمام لجنة عسكرية، ولا أخلت سبيله لجنة المراجعة. قال متحدث باسم وزارة الدفاع عندما سئل عن التهم الموجهة إلى سيف الله: "لا توجد اتهامات ضده في هذا الوقت. لا أستطيع التكهن حول المستقبل".
في يوم من الأيام كان في غونتانامو أكثر من 650 رجلا معتقلا؛ أما اليوم بقى منهم 40 فقط، بعضهم أطلق عليهم "سجناء للأبد". أغلبية من كانوا فيه نقلوا إلى خارجه أو أطلق سراحهم بعد أن تقدموا بالتماسات قانونية ناجحة خلال إدارتي بوش وأوباما. مات تسعة معتقلين في غونتانامو، بينهم سبعة انتحارا على ما يبدو. قالت أريكا غيفارا، مديرة الأمريكتين في منظمة العفو الدولية في بيان مطلع هذا العام، "غونتانامو تحول إلى رمز للتعذيب والتسليم والاحتجاز لأجل غير مسمى دون اتهامات أو محاكمة. إغلاقه أمر حيوي طال انتظاره."
حتى أن دونالد ترامب، الذي كان من بين وعوده الانتخابية إبقاء السجن مفتوحا و"ملئه ببعض الأشرار"، أغلق مكتب وزارة الخارجية المسؤول عن التفاوض من أجل الإفراج عن المعتقلين. ويبدو أن السياسة الأمريكية الراهنة تجاه غونتانامو هي: "لنبقي عليه كما هو. ونكرر أن هؤلاء كلهم إرهابيين خطيرين"، بحسب دانيل فريد، مسؤول إغلاق السجن خلال إدارة أوباما.
خلال السنوات السابقة، دخل المعتقلون في إضراب عن الطعام مرات عديدة، وكانت السلطات ترد على ذلك بإطعام المضربين عن الطعام قسريا. أحمد رباني، وهو معتقل باكستاني دخل في إضراب عن الطعام، كتب العام الماضي في مقال نشرته صحيفة "فجر" الباكستانية، "ربما سوف أفقد بصري وأصبح أعمى- لكن هنا لا شيء لأراه." وقال شاكر عامر، الذي كان اخر بريطاني في غونتانامو، في 2014 "لقد فقدنا سلامتنا العقلية وصحتنا وإنسانيتنا وكرامتنا." وذات يوم وصف سيف الله الحياة في غونتانامو بـ"أن تكون حيا في قبرك."
في نيويورك على بعد 1432 ميلًا يقضي عزير، ابن سيف الله، عقوبة السجن 40 سنة في اتهامات بتقديم داعم للإرهاب من خلال مساعدة أحد أعضاء تنظيم القاعدة. بالعودة إلى باكستان، باتت عائلة باراشا منبوذة. هجرهم كل من كان حولهم عدا دائرة صغيرة من الأصدقاء والأقارب. ولا يزال الأب وابنه يصران على البراءة. يزعمان أنهما لم يكونا على علم بأن من قدما لهم المساعدة كانوا القاعدة، حيث أن هوياتهم كانت مزيفة. وفي استجوابات منفصلة، قال أعضاء القاعدة المزعومين الأمر نفسه، وزعموا أن سيف الله وابنه لم يكن لديهما أي علم بأنهم من القاعدة.
لخسمة عشر عاما، اعتقل سيف الله وعزير في مساحتين مختلفتين من النظام القضائي الأمريكي، مقيدين بالادعاءات ضدهم. بات الرأي العام لا يهتم بـ"السجاء للأبد" في غونتانامو– وحتى في باكستان، راحت عائلة باراشا في طي النسيان إلى حد كبير، عدا اللهم من خلال قصة نادرة تشير إلى كيفية تورط المتعلمين في الأنشطة المتشددة. يبدو الأمر وكأن الأب وابنه باختفائهما في السجون الأمريكية لم يعودا إلا مجرد إحصاء للحرب على الإرهاب، وباتا موصومين للأبد بأنهم إرهابيين.
لكن هذه الرواية المريحة تتجاهل سؤالًا أساسيًا واحدًا: هل حقًا ارتكبا جريمة؟
في العقود التي سبقت اعتقاله، عمل سيف الله باراشا بجد لتحقيق ما يمكن أن تسميه الحلم الباكستاني. فتح العديد من الشركات - بما في ذلك شركة للإنتاج الإعلامي ومصنع أكياس أسمنت-وامتلك ما يملكه الأثرياء: منزل فخم، العديد من السيارات، وخدم.
نشأ سيف الله فقيرًا في بلدة ريفية في باكستان التي كانت قد حصلت على استقلالها حديثا. شق طريقه إلى كراتسي للالتحاق بالجامعة وفي 1971، تلقى تمويلا من منظمة شبابية لدراسة علوم الكمبيوتر في معهد نيويورك للتكنولوجيا، كما أبلغ محكمة في غونتانامو بعد سنوات لاحقة. انضم إليه شقيقه أثناء دراسته في الولايات المتحدة.
رغم أن سيف الله لم ينهي دراسته، إلا أنه بقى في الولايات المتحدة. في عام 1974، اشترى هو وشقيقه شركة سياحة وسفر، "غلوبال ترافيل سيرفيسز". بمرور الوقت، تمكنا من تحقيق حياة مريحة، حتى أن سيف الله اشترى منزلا في– في حي كوينز الذي كان يسكن فيه أيضا دونالد ترامب.
في نيويورك، التقى سيف الله مع امرأة باكستانية تدعى فرحات، كانت تدرس للحصول على درجة الماجستير في علم الاجتماع في جامعة نيويورك. تحولت من المسيحية من أجل أن تتزوج منه عام 1979. ولدت ابنها الأول عزير في عام 1980، وتبعته ابنتهما منيرة. في ذلك الوقت، حصل الزوجان، سيف الله وفرحات، على إقامة دائمة في الولايات المتحدة، ولكن في عام 1986، انتقلت العائلة إلى كراتشي. أخبرني أحد الأقارب أن سيف الله أراد تأسيس شركة في المدينة، وأنه شعر بسعادة أكبر في باكستان. كان لديهما طفلان آخران هما: مصطفى وزهرة.
على عكس والدهم، نشأ أبناء سيف الله أثرياء، حيث درسوا في أفضل مدارس المدينة. حصلوا على إقامة دائمة في الولايات المتحدة وسافروا إلى هناك بانتظام. ذهب عزير، الأكبر سنًا، إلى مدرسة للبنين في كراتشي، حيث كان يُعرف باسم "برغر" – وهو لقب انتشر فيما بين أثرياء باكستان في تسعينات القرن الماضي، واللقب يشير إلى ارتباط من يسمون بهذا الاسم، بالغرب. قال أحد زملاء عزير في الدراسة: "كان له لحية صغيرة... كان لديه أصدقاء وصديقات. في مدرسة للذكور من الطبقة المتوسطة، كان هذا مصدر إلهام وإنجاز!"
بينما كان أطفاله يدرسون، كان سيف الله يرعى مشاريعه التجارية العديدة. كان يبيع برامج تلفزيونية تنتجها شركته إلى وسائل الإعلام الباكستانية؛ كان يشتري الملابس هو وشريكته في نيويورك ويقوم بعمليات الشحن بين باكستان والولايات المتحدة. تبرع سيف الله للجمعيات الخيرية وكان يصلي بانتظام في مسجد يتبع رج الدين البارز الدكتور إسرار أحمد الذي كان يدير جمعية "التنظيم الإسلامي" المحافظة. ساعد في بناء مستشفى في مسقط رأسه في إقليم البنجاب، وترأس مجموعة من المنظمات غير الربحية الصغيرة تسمى "مجلس الرعاية الاجتماعية". جعلته شركاته وأعماله الخيرية على تواصل مع الطبقات الحاكمة في باكستان- كان نواز وشاهباز شريف، رئيس وزراء باكستان السابق وشقيقه، من بين معارف سيف الله، بحسب ابنه مصطفى الذي ربما كان يبالغ في مدى اتصالات والده.
ورغم أن سيف الله كان الأصغر بين تسعة أشقاء، إلا أنه بمرور الوقت بات كبيرا للعائلة يلجأ إليه الناس طلبا للمشورة والدعم. كان سخيا وحيويا ويقلل من أهميته، على خلاف عمه الباكستاني الذين كان يحب الحديث عن نفسه. عند الخروج في أحد المطاعم، كان يمزح مع العاميلن ويقدم النصيحة للمدير. كانت هناك لحظات ضعف أصابت أعماله، لكنه كان يفكر دائما في أفكار تجارية جديدة ومساحات جديدة للاستثمار عندما كان يسافر ويلتقي مع الناس.
واحدة من تلك الرحلات كان لها أن تغير حياته إلى حد أبعد من أي تصور.
في التسعينيات، كانت الجماعات الدينية في باكستان تقوم أحيانًا بتنظيم رحلات إلى أفغانستان لرجال الأعمال، وتشجعهم على الاستثمار هناك. بعد استيلاء طالبان على السلطة عام 1996 - بدعم من المخابرات الباكستانية - كانت باكستان واحدة من ثلاث دول فقط اعترفت بالحكومة الأفغانية الجديدة، وكان لدى العديد من المسؤولين الباكستانيين ورجال الدين علاقات وثيقة مع قادة طالبان.
بين عامي 1999 و2001، قام سيف الله بثلاث رحلات إلى أفغانستان، بما في ذلك مع شخصيات دينية ووفود من رجال الأعمال وأمناء منظمة مجلس الرفاة، الذي ترأسه. أدرج موقع المجلس على شبكة الإنترنت هذه الرحلات على أنها "وفود إلى أفغانستان لتعزيز اقتصادها، الذي تم تحطيمه وتدميره في العقدين الأخيرين من الحرب". تم وصفها بإيجاز في السجلات العامة لجلسات سيف الله في غوانتانامو على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، لكنها تقدم صورة مربكة: النصوص، خاصة من السنوات الأولى من احتجازه، تتكون من أسئلة غامضة الصياغة، أحيانًا أجوبتها غير مفهومة. في بعض الأماكن، يتم تنقيح الكلمات أو كتابتها بطريقة خاطئة.
المؤكد أن سيف الله، في واحدة من هذه الرحلات، في عام 1999 أو عام 2000، كان جزءاً من مجموعة تضم أكثر من 20 شخصا حضروا اجتماعًا مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي كان يعيش آنذاك في أفغانستان كضيف على حكومة طالبان. في ذلك الوقت، كان بن لادن مطلوبًا من قِبل السلطات الأمريكية لتمويله وتنظيم العديد من الهجمات الإرهابية، بما في ذلك تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. لكن في باكستان احتفظ بن لادن بدرجة من الشعبية خاصة بين المتدينين المتشددين. في عام 1998، قال مشرعون من مقاطعة البنجاب الباكستانية لدبلوماسيين أمريكيين إن بن لادن أصبح بطلاً شعبياً بين ناخبيهم بعد أن أمرت الولايات المتحدة بشن سلسلة من الضربات الجوية استهدفته في أفغانستان. لكن معظم رجال الأعمال الباكستانيين الذين زاروا البلاد لم يتلقوا دعوة لمقابلة بن لادن، مما يوحي بأن سيف الله كان على اتصال جيد.
جرى اللقاء مع بن لادن في قندهار. قال سيف الله لاحقا في جلسة محاكمة في غونتانامو، "عندما التقيت مع أسامة، رتل القرآن..... قال أشياء جيدة ومثيرة جدا للإعجاب."
في الاجتماع، اغتنم سيف الله الفرصة: أراد أن يستفيد من شهرة بن لادن عبر تقديمه في برنامج تلفزيوني يتحدث عن الدين كباحث. وقال سيف الله في جلسة استماع لمجلس مراجعة غوانتانامو: "أردت أن أصنع برنامجًا حول شخصية مشتركة بين المسيحية واليهودية والإسلام". وقال في جلسة استماع أخرى: "تم تصميم البرنامج في إطار محاولة تقليص الفجوة بين المجتمع الدولي والمجتمع الإسلامي بقدر ما نستطيع". أجرى بن لادن عدة مقابلات تلفزيونية قبل ذلك، بما في ذلك في عام 1997 مع شبكة سي إن إن، عندما أجاب عن أسئلة حول سبب إعلانه الجهاد ضد الولايات المتحدة.
في قندهار، سلم سيف الله بطاقة تعارف لبن لادن، لكن عندما عاد إلى باكستان لم يسمع منه. عاد سيف الله إلى أفغانستان في العام التالي كجزء من وفد آخر كان له جمهور مع بن لادن، كما أبلغ جلسة استماع لمجلس المراجعة. في هذه المرة، لم يتكلم الاثنان.
في مايو 2001، وبدون القليل من الأهمية الشخصية، كتب سيف الله رسالة من خمس صفحات إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، والتي نُسخت بدورها إلى جورج دبليو بوش (الابن)، والتي طرح فيها تحديات تواجهها حكومة طالبان؛ حيث طالب برفع العقوبات المفروضة على أفغانستان. واقترح أن طالبان يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في التعامل مع "الشيوعية والإرهاب والسيطرة على المخدرات".
في وقت لاحق من ذلك العام، وبعد هجمات 11 سبتمبر، اتصل سيف الله، الذي كان في باكستان، بشريكه الأمريكي في نيويورك للتأكد من سلامته وتقديم تعازيه. كما بعث بتعازيه إلى القنصلية الأمريكية في كراتشي، حتى أنه كتب بضع رسائل إلى جورج دبليو بوش، حثه فيها على مواصلة السلام في أفغانستان.
بعد ذلك، في صيف عام 2002، تلقى سيف الله زيارة غير متوقعة في مكتبه في كراتشي من رجل يحمل بطاقة أعماله - وادعى أن لديه رسالة من أفغانستان. ووفقاً لشهادة سيف الله في محكمة غوانتانامو عام 2016، أراد الزائر، الذي قدم نفسه باسم مير، معرفة المزيد عن فكرته لبرنامج تلفزيوني يستضيف بن لادن.
على ما يبدو كانت علاقة تعارف عرضية. كان مير يأتي للقاء سيف الله في مكتبه، وكانا في بعض الأحيان يؤديان الصلاة ويتناولان الطعام معا. لم يستفد سيف الله كثيرًا من حقيقة أن مير زعم أنه ساعد في عمليات بن لادن الإعلامية. في باكستان، يتفاخر الناس في أغلب الأحيان بأنهم قريبون من أسامة بن لادن. ربما لو كان شخصا اخر لما كان استمتع بعلاقة التعارف مع مير، لكن سيف الله على ما يبدو لم يفكر في الأمر كثيرا. في الوقت الذي أصبحت فيه باكستان حليفاً للولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب"، لا يزال هناك داخل البلاد دعما ما لبن لادن، فضلاً عن شبكات متشددة محلية تقاتل ضد الهند في إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين.
على مدار الأشهر القليلة التالية، طلب مير من سيف الله بعض المزايا، مثل مساعدته في فتح حساب مصرفي في كراتشي. كما أعطى مير سيف الله مبلغًا من المال وصل إلى 200 ألف دولار لاستثماره، والذي أعاده إليه سيف الله عندما طلبه في نوفمبر 2002. كما قدم مير سيف الله إلى شريك شاب اسمه مصطفى، الذي كان يجتمع أحيانًا مع سيف الله لمناقشة التفاصيل الفنية حول الإنتاج الإعلامي، مع سؤال غريب عن الشحن إلى الولايات المتحدة دون أن يفصح عما كان يريد شحنه.
وفي وقت لاحق، قال سيف الله إنه اعتقد أن مير ومصطفى – وكان تحت تصرفهما الكثير من الأموال – ربما كان لديهما اهتمامات بمشروعه التجاري الأخير: مجمع "كليفتونيا"، المؤلف من 330 شقة بالقرب من الواجهة البحرية في كراتشي. وقد التزم سيف الله بالاستثمار في المشروع الذي طورته شركة عقارية محلية، وكان يسعى إلى زيادة التمويل من خلال إيجاد مشترين للوحدات السكنية.
في ذلك الوقت، كان عزير يعمل في مكتب والده في كراتشي، في حين بدأ زملائه الذين تخرجوا من مدرسة إدارة الأعمال في العمل لدى شركات متعددة الجنسيات وبنوك. كان عزير يخطط للسفر إلى نيويورك لتسويق "كليفتونيا" إلى الباكستانيين الأمريكيين. عندما علم مصطفى أن عزير سوف يسافر إلى الولايات المتحدة، طلب منه أن يسدي إليه معروفًا. كان يعرف باكستانياً جاء إلى الولايات المتحدة مع عائلته وهو مراهق في 1996، بعد أن حصل والديه على اللجوء. كان هذا الشخص يعيش في ذلك الوقت في كراتشي ويحتاج إلى من ينهي له بعض الأوراق الخاصة بإقامته في الولايات المتحدة.
يقول سيف الله إنه لم يفكر كثيرًا في ذلك: لقد كان ابنه يساعد مسلمًا باكستانياً آخر - بالطبع سيقوم عزير بذلك. قبل وقت قصير من وصول عزير إلى نيويورك، التقى هو ووالده بمصطفى والصديق الذي احتاج إلى مساعدة، كان اسمه ماجد خان، في محل آيس كريم. أعطى خان عزير قائمة بالمهام المطلوبة: كان عليه أن يتظاهر بأنه خان وأن يتصل بإدارة الهجرة والتجنس من هاتف عمومي، قريب من صندوق بريد باسم خان، وإيداع أموال في حساباته المصرفية، واستخدام بطاقات الائتمان. يبدو أن الغرض من هذه المهام هو إعطاء الانطباع بأن خان لا يزال في الولايات المتحدة، بينما يساعده عزيز في الحصول على الوثائق التي من شأنها، في الواقع، أن تمكنه من العودة إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.
في 17 فبراير 2003، وصل عزير إلى نيويورك. خلال أيام، عمل من مكتب شريك والده التجاري في مانهاتن. مكث بعض الليالي مع أقاربه في بروكلين. في ذلك الوقت، كان عزير يخطط للتقدم للزواج من صديقته وكان خاتم الخطوبة جاهزًا.
بعد أن وصل عزير إلى نيويورك بفترة قصيرة، اتصل به خان ليتساءل عما إذا كان قد حقق أي تقدم فيما طلبه. لم يكن لدى عزير الكثير ليقوله: لم يحالفه الحظ في الوصول إلى إدارة الهجرة والتجنيس على الهاتف. وتمكن بعد ذلك من الوصول إليها مرة واحدة، دون أن يكون لديه أية تفاصيل سوى بعض المعلومات العامة. لم يتطرق إلى المهام الأخرى، مثل استخدام بطاقات ائتمان خاصة بخان أو إيداع الأموال في حساباته.
بعد ذلك، في 28 مارس 2003، كان عزير في مكتبه في مانهاتن عندما دخل عليه عملاء فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ألقي القبض على عزير لاستجوابه. سُئل عن خان. في البداية، قال عزير إنه كان يساعد فقط في الاعمال التجارية الخاصة بوالده. لكن مع استمرار الاستجواب في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، غيرت عزير روايته. قال إنه يعرف أن ماجد خان كان عضوا في تنظيم القاعدة.
في 31 مارس، بات عزيز رهن الاعتقال.
في أوائل مارس 2003، قبل بضعة أسابيع من اعتقال عزير في نيويورك، كان سيف الله أمام التلفزيون في باكستان عندما شاهد تقريرًا إخباريًا عن غارة وقعت مؤخراً في مدينة روالبندي، حيث اعتقلت قوات الأمن رجلاً غير مستقرٍ ومشاكس. عندما رأى سيف الله صورته على التلفاز، أدرك أن الرجل المعتقل هو مير، الذي كان قد منحه مبلغ 200 ألف دولار ليحتفظ به، الذي قدم شريكه "مصطفى" إلى سيف الله ، لم يكن سوى مستمثر محتمل. كان اسمه الحقيقي خالد شيخ محمد، الذي يعتبر المهندس المزعوم لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم.
في وقت لاحق، قال عزير لعملاء إنفاذ القانون إن سيف الله قد اتصل به في نيويورك، ليخبره بما حدث. طلب عزير من سيف الله أن يتخلص من وثائق خان - يفترض أن تكون رخصة القيادة وبطاقات الائتمان التي كانت في حوزته. أخبره سيف الله أن يضعها (الوثائق) في مكان آمن في الوقت الحاضر.
في 5 مارس 2003، اعتقل مسؤولون باكستانيون ماجد خان في كراتشي. أثناء وجوده في عهدة الحكومة الباكستانية، حيث تعرض للتعذيب المزعوم، ذكر خان أسماء عزير وسيف الله باراشا. وصلت هذه المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية حيث كان خالد شيخ محمد يجري استجوابه، باستخدام تقنيات التعذيب مثل الإيهام بالغرق والإجهاد والحرمان من النوم. وفقا لملخص تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول التعذيب في وكالة الاستخبارات المركزية، سُئل خالد شيخ محمد عن باراشا في 24 مارس 2003، بعد أن تم إيهامه بالغرق للمرة الخامسة عشرة. قال شيخ محمد إن سيف الله وافق على استخدام شركته كغطاء لتهريب المتفجرات إلى الولايات المتحدة. بعد أربعة أيام، تم القبض على عزير (ابن سيف الله).
سيظهر أن "مصطفى" هو عمار البلوشي، ابن شقيقة خالد شيخ محمد. بعد إلقاء القبض عليه في باكستان، تم نقل البلوشي أيضا إلى حجز وكالة الاستخبارات المركزية، وتعرض للتعذيب أثناء التحقيق. لكنه أنكر أن عائلة باراشا لها علاقة بالقاعدة. ووفقًا لوثائق وكالة الاستخبارات المركزية التي حصل عليها موقع بازفيد، في وقت سابق من هذا العام، قال البلوشي للمحققين الأمريكيين إن سيف الله "ليس له علاقة بهذا العمل" - لا علاقة له بتنظيم القاعدة. جاء في وثيقة مؤرخة 2 مايو 2003 تفاصيل "مقابلة" مع البلوشي، حيث وصف الحديث مع سيف الله عن معدات وسائل الإعلام والشحن ولكن دون أي تفاصيل.
مع ذلك، ومع اعتقال عزير بالفعل، كانت السلطات الأمريكية لا تزال تريد تعقب سيف الله. في 6 مايو 2003، كتب رئيس العمليات في مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية رسالة إلكترونية إلى محامي المنظمة: "يجب أن نعتقل باراشا دون تأخير وننقله إلى الحجز لدى الاستخبارات للتحقيق معه باستخدام تدابير معززة. أدرك أن....... هذا أمر صعب، لكن هذا ديناميت وعلينا أن نمضي قدما بنشاط. ما الذي تحتاج إلى فعله؟ "(الموجز غير المصنف لتقرير مجلس الشيوخ حول التعذيب لا يوضح بالضبط ما هو" الديناميت").
في أواخر مايو 2003، أعاد البلوشي تأكيد مزاعمه السابقة حول عائلة باراشا، مدعيا أن سيف الله "تم استخدامه عن غير قصد". قال البلوشي للمحققين إنه كان يستخدم صداقته مع سيف الله كجزء من خطة لمهاجمة الولايات المتحدة، والتي كان يطورها مع ماجد خان، تلك الخطة التي تتطلب معرفة كيفية تأسيس شركة في باكستان أو استخدام سيف الله للقيام بأعمال تجارية مع شركة ماجد خان في الولايات المتحدة.
وفي إطار مزيد من الاستجواب غير العادي، أكد البلوشي ادعاء سيف الله بأنه اكتشف هوية خالد الشيخ محمد الحقيقية فقط عندما شاهد تقارير عن الغارة الأمريكية في التلفزيون. وصف البلوشي سيف الله بأنه "رجل أعمال كان متعاطفا مع المجاهدين" - لكنه ادعى أيضا أن سيف الله يواصل مقابلته، كصديق له، حتى بعد اعتقال خالد شيخ محمد. تلاحظ من الاستجواب أن البلوشي افترض في هذه المرحلة أن سيف الله "يعرف على الأرجح انتماء البلوشي لتنظيم القاعدة". (لمزيد من الحيرة، في جلسة محاكمته في غوانتانامو بعد أربع سنوات، نفى البلوشي أنه عضو في القاعدة).
أصر سيف الله أنه لم يكن يعرف أن أيًا من هؤلاء كانوا من عملاء القاعدة - على الرغم من أنه إذا كان قد التقى مع البلوشي بعد اعتقال خالد شيخ محمد، فكان إما شديد السذاجة أو شديد الثقة من أنه لم يرتكب أي خطأ، بالنظر إلى أنه قٌدّم إلى البلوشي من جانب أحد أكثر المطلوبين في العالم.
من الصعب معرفة أي من المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال الاستجواب والتعذيب كانت صحيحة. فيما بعد قال خالد شيخ محمد، الذي لا يزال في غوانتانامو، إنه كذب تحت وطأة التعذيب. علاوة على ذلك، وفي غياب محاكمة سيف الله، وبالنظر إلى حقيقة أن الشهادة المتاحة للشهود الرئيسيين قد تم الحصول عليها تحت التعذيب، فمن المستحيل أساسا تقديم أي مطالبة براءة سيف الله أو إدانته.
في أعقاب اعتقال ابنه في نيويورك، يبدو أن سيف الله كان لديه على الأقل فكرة بأنه هو أيضاً مطلوب. بدلا من ذلك، ركز على مصير عزير. يتذكر مصطفى باراشا، شقيق عزير الأصغر، "كان والدي شديد الذهول". كتب سيف الله إلى السفير الأمريكي في باكستان، وطلب مقابلة لتبرئة ساحة ابنه، رغم أنه في هذه المرحلة لم توجيه اية اتهامات لعزيز بارتكاب جريمة محددة. بحسب مصطفى باراشا، تحدث والده أيضًا مع حامد غول، رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية السابق الذي توفي الآن والذي كان يتمتع بنفوذ في أوساط الجماعات المسلحة الباكستانية ومع حركة طالبان الأفغانية.
في الوقت نفسه، لم يستطع سيف الله التخلي عن التزاماته التجارية. عندما طلب منه شريكه في العمل في نيويورك أن يأتي إلى بانكوك لحضور اجتماع، مضى وحجز رحلة طيران. في 5 يوليو 2003، عندما رأته عائلته في المطار، قال مصطفى، الذي كان في الرابعة عشرة من عمره، إنه شعر بالقلق. قال مصطفى: "أعتقد أنه (سيف الله) كان لديه فكرة أن شيئاً ما خطأ كان على وشك الوقوع، غير أنه لم يكن لديه فكرة فعلاً عن ذلك الشيء." وعندما غادروا المطار، كان مصطفى يعاني من "شعور غريب وشنيع بالمصير المشؤوم الذي ينتظره".
في بانكوك، فور أن غادر سيف الله المطار، ألقى ملثمون القبض عليه، وغطوا رأسه ووضعوه في سيارة. وفقا لمحاميه، جيلارد تي هنت، عندما أدرك سيف الله ما كان يجري، "كان أول ما فكر به هو: هذه عملية أمريكية. سأكون على مايرام."
نُقل سيف الله على الأرجح إلى بقعة سوداء في تايلاند تديرها وكالات الاستخبارات الأمريكية. قال هانت: "قاموا بتعصيب عينيه وعلقوه على الخطافات ونزعوا عنه ملابسه. بالتأكيد كان ذلك سوء المعاملة، في أول لقاء هناك في تايلاند. لكن سياسته كانت طوال الوقت: أنا بريء تماما، سأتحدث إلى أي شخص. لا حاجة لاستخدام التعذيب."
بعد أيام قليلة من أسره، نُقل سيف الله من تايلاند إلى قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان. وبعد مرور عام، نُقل إلى غوانتانامو. في عام 2004، كانت هناك جلسة استماع لسيف الله في غوانتانامو، لتحديد ما إذا كان يمكن تصنيفه "مقاتل معادي" للولايات المتحدة أم لا. إذا ثبت أنه مقاتل عدو، فإنه سيبقى في غوانتانامو. إذا لم يكن كذلك، سيتم نقله.
في الجلسة، قدمت السلطات ملخصا للأدلة غير السرية ضده. تضمنت المزاعم أنه التقى مع أسامة بن لادن مرتين، وأنه قدم دعما لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، وشارك في خطة لتهريب المتفجرات إلى الولايات المتحدة، وقدم تسهيلات إعلامية لتنظيم القاعدة، وحصل على أموال من القاعدة لاستثمارها، وساعد جهود القاعدة في الحصول على أسلحة كيميائية وبيولوجية.
نفى سيف الله هذه المزاعم، باستثناء أنه التقى مع بن لادن.
أعلنته المحكمة "مقاتل معادي".
أحد العناصر الرئيسية في القضية ضد سيف الله جاء من ابنه عزير. عندما تم اعتقاله لأول مرة لاستجوابه في مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك، نفى عزير معرفته بأن ماجد خان ينتمي إلى تنظيم القاعدة، وقال إنه لا يعرف شيئًا عن أي مؤامرات إرهابية. لم يكن حتى الساعة الرابعة صباحًا، بعد ساعات من الاستجواب، حتى غير عزيز من روايته. قال لأجهزة إنفاذ القانون إنه "لن يفاجأ" إذا كان والده على صلة بالقاعدة، حيث التقى سيف الله مع بن لادن ووصفه بأنه "رجل شديد التواضع". في تلك الليلة، وافق عزير على البقاء في فندق برفقة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. في صباح اليوم التالي تم إطلاعه على حقوقه القانونية.
على مدار اليومين التاليين، مع استمرار الاستجواب، قدم عزيز معلومات أكثر تناقضًا. بعد أن نفى أنه كان يعرف أن ماجد خان كان عضواً في تنظيم القاعدة، على سبيل المثال، قال إنه كان يعرف بعضويته في التتنظيم. عاد عزير إلى الاجتماع في صالة الآيس كريم في كراتشي.
في 31 مارس، وبعد ثلاثة أيام من موافقته طوعاً على الاستجواب، تم إعلانه شاهدًا رسمياً.
في وقت لاحق، يزعم عزير أنه كذب على عملاء إنفاذ القانون. في الوقت الذي تم فيه استجوابه لأول مرة، كان عزيز يبلغ من العمر 23 عامًا ولم يكن معه محامٍ. وادعى أن هاتفه المحمول أُخذ منه، وأنه تعرض لعملية تفتيش، وأنه تعرض للتهديد بالاعتقال أو السجن إذا حاول التذرع بحقه في الحصول على محام. (الحكومة تنفي هذه الاتهامات). قال في المحاكمة: "لقد قلت لهم الحقيقة بالفعل ولم أذهب إلى البيت. كان هذا عندما بدأت الكذب".
قال عزير إنه كذب حتى بعد إلقاء القبض عليه، في حضور محاميه والمدعي العام وعملاء إنفاذ القانون. لقد كذب عندما قال إن والده كان متورطا في تنظيم القاعدة، وحول المعاملات واللقاءات المزعومة بين والده وأعضاء تنظيم القاعدة.
في أغسطس 2003، تم اتهام عزير بتقديم الدعم المادي لمنظمة إرهابية وبمساعدة ماجد خان - الذي قالت الحكومة إن عزير كان يعرف أنه من عناصر القاعدة. وقد احتُجز في نيويورك لمدة عامين ونصف قبل أن تبدأ محاكمته أخيرا. يقول عزيز إنه وضع قيد الحبس الانفرادي معظم الوقت. "نحو واحد من كل 10 حراس عاملنا مثل البشر. واحد من كل 10 كرهنا وتسبب في إرهابنا في كل فرصة،" على ما كتب عزيز في فصل في كتاب عن الحبس الانفرادي عنوانه: "الحجيم في مكان صغير جدا".
في خريف 2003، عُرض على عزير اتفاق إقرار بالذنب في مقابل تخفيف العقوبة: من خمس إلى ثماني سنوات في السجن إذا أقر بذنبه. لقد رفض وفي ديسمبر 2003، وضع في الحبس الانفرادي مع "تدابير إدارية خاصة". وصف أحد التقارير الأخيرة هذه الإجراءات بأنها "أظلم ركن في نظام السجون الفيدرالي في الولايات المتحدة، وهو يجمع بين وحشية وعزل أكبر مع قيود إضافية تحرم الأفراد من أي صلة بالعالم البشري تقريبًا".
شعر عزير بأن هذه كانت حيلة لإجباره على صفقة الإقرار بالذنب. أبلغه دفاعه بأن يقبل بها. ووافق أقاربه الذين اعتقدوا ببرائته، وتوسلوا إليه بأن يقبل. لكن عزيز كان مصرا على موقفه. قال أحد الأقارب الذي طلب عدم كشف هويته، "صلى استخارة. والاستخارة لم تجعله يوافق على الصفقة. بذلنا قصارى جهدنا." يعتقد هذا القريب أن المعاملة القاسية التي تعرض لها عزيز جعلت من المستحيل عليه اتخاذ قرارات عقلانية.
في محاكمته، التي بدأت في نوفمبر 2005، استند دفاع عزير إلى الادعاء بأنه على الرغم من أنه حاول مساعدة ماجد خان في الحصول على وثائق تسمح له بدخول الولايات المتحدة، فإنه لم يكن يدرك أن خان إرهابيًا أو كان يخطط لهجوم على الولايات المتحدة.
في 23 نوفمبر 2005، تمت إدانة عزير بتقديم مساعدة مادية ودعم مالي لإرهابيي القاعدة. في 20 يوليو 2006، حكم عليه بالسجن لمدة 30 سنة.
مدينة كراتشي هي مدينة تضم أكثر من 14 مليون نسمة، لكنها يمكن أن تبدو كبلدة صغيرة، وخاصة في الأحياء الثرية: حيث يذهب الجميع إلى نفس المدارس القليلة، وينتمون إلى نفس النوادي الاجتماعية ويذهبون إلى نفس المقاهي. مع انتشار الخبر حول عزير وسيف الله، لم يكن الناس قادرين على فهم الأخبار. بعد كل شيء، كانت باراشا عائلة ثرية، بقدر ما كانت متدينة، ولكن ليس لها صلات بالتطرف الديني أو الحركات السياسية المسلحة.
"لقد كان صادمًا"، قال زميل المدرسة في عزير في رسالة إلكترونية. "كنت أظن دائمًا أنه إذا كان سيفعل شيئًا سيئًا قد يكون مرتبطًا بجرعة زائدة من المشروبات الكحولية أو العقاقير التي تعتبر رمزًا لنخبنا الليبرالية، إلا أنه كان تمامًا في الاتجاه المعاكس. التطرف الإسلامي؟؟!؟"
رغم نشاط كراتشي الظاهر بشأن بعض قضايا حقوق الإنسان، إلا أن مصير سجناء غوانتانامو ليس من بين تلك القضايا. في السنوات التي أعقبت 11 سبتمبر، كان العديد من الأثرياء في باكستان يعانون من فقدان ذاكرة انتقائي، إذ دعموا النظام العسكري بقيادة الجنرال برفيز مشرف الذي ادعى أنه يروج لإسلام "مستنير" و"معتدل"، فيما غضوا الطرف عن تسليم سلطات بلادهم لمئات الباكستانيين للسلطات الأمريكية كذا الاختفاء القسري. حتى مع ازدهار التشدد الداخلي، كان الإرهاب ولا يزال ينظر إليه على أنه مشكلة لم تظهر إلا بعد سبتمبر 2001، بدلاً من كونه شيئًا كان موجودًا في كثير من الأحيان بدعم من الدولة ولعقود.
لا تتناسب عائلة باراشا مع أي من الصور النمطية للباكستانيين الآخرين الذين وقعوا فريسة الحرب على الإرهاب: إنهم ليسوا فقراء، وليس بينهم من جاءت اسمائهم بالخطأ في الحرب، ولا يبدو أنهم جهاديين متعصبين متآمرين. بدلاً من ذلك، بالنسبة لكثير من الباكستانيين، يبدو سيف الله وكأنه رجل أعمال أثري نموذجي، ربما لم تكن اجتماعاته واتصالاته قد دقت أجراس الإنذار في باكستان قبل 11 سبتمبر.
فبعد كل ذلك، تعاملت الحكومة الباكستانية مع حركة طالبان وجماعات مسلحة أخرى، وظهر القادة المسلحون بانتظام في الصحافة، ولم يكن رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقات جيدة يحلمون بأنهم سيتهمون بالارتباط بهذه الشخصيات. لم يخف سيف الله لقاءه مع بن لادن - قال ابنه مصطفى إنه عندما كان طفلا، قبل 11/9، أخبر مدرسته أن والده التقى مع بن لادن.
مع سيف الله في غوانتانامو وعزير في السجن في الولايات المتحدة، تمزق شمل عائلة باراشا. في باكستان، تلاشت اتصالات سيف الله العديدة، بينما رفض الأقارب القدوم إلى منزلهم. يتذكر مصطفى، شقيق عزير الأصغر، موقفهم: "نحن لا نعرفكم، لا نريد أن نعرفكم، نحن لا نهتم بكم، لم نكن نعرفكم أبداً". المنظمات الدينية التي دعمها سيف الله تجاهلت الآن فرحات، زوجة سيف الله، وفقا لابنة أخيه.
كانت فرحات مصدومة، وتتذكر زفين إبراهيم، وهي صحفية أجرت مقابلة معها وأعضاء آخرين من العائلة عدة مرات منذ عام 2006 إلى عام 2009. "لقد أخبرتني أنها مرت بالكثير الصعاب، وأنها كانت تتلقى المشورة الطبية، والمساعدة النفسية، وكانت مكتئبة. لكن إذا نظرت إلى العائلة، فهي عائلة عادية مثل عائلتك أو عائلتي."
في ذلك الوقت، كان أطفال العائلة الأصغر سناً ما زالوا في المدرسة، وكانت فرحات وابنتها الكبرى، منيرة - التي ذهبت إلى نفس كلية إدارة الأعمال مثل عزير - تتعامل مع الأمور القانونية، وأجرت مقابلات وحاولت التعامل مع شؤون سيف الله التجارية. عملت فرحات أيضًا بجد للحفاظ على أطفالها. عندما انخفضت مستويات مصطفى الدراسية عن المستوى الرفيع الذي كان عليه، قالت له أمه إن عليه أن يعمل بجد ويواصل تفوقه. قال مصطفي: "لقد صممت في هذا الوقت، سأعمل بجد. أود أن ألتحق بهؤلاء الذين يدرسون في هارفارد، لأني سأقيم نفسي بنفس تلك المعايير. عملت أمّي بجدّ لإبقائي في تلك المدرسة، لإبقائي اتعلم وأعيش بطريقة معينة." لكن كانت هناك تحديات: علاقة عمل ورطت العائلة في مشاكل قانونية ومالية أكثر.
تخرج مصطفى وأخوته من الجامعة، وشقوا طريقهم في العمل بشكل ناجح، وظهرت ديناميكية عائلية جديدة، تدور حول أمهم ودائرة متماسكة من الأقارب والأصدقاء. في 2017، بعد سنوات من المقابلات وجلسات المحكمة توقفت العائلة عن الحديث إلى الصحافة. وبينما يستمرون في دعم عزير وسيف الله، سيُنظر إليهم دائماً في كراتشي على أنهم "تلك العائلة" ويُعاملون بشيء من الحيطة والحذر. في وقت سابق من هذا العام، باعوا منزلهم في كراتشي وانتقلوا إلى مدينة جديدة لبداية جديدة.
إحدى أعظم ذكريات عزير عن ماضيه، عندما كانت عائلته لا تزال مزدهرة وتحظى باحترام كبير، هي أيام الأعياد في طفولته. كانوا يجتمعون معا، وكان سيف الله يشرف على إعداد العشاء واستقبال الأقارب. ولت تلك الأيام منذ زمن طويل.
في غوانتانامو، أصبح المعتقلون عائلة بشكل أو بأخر. بات سيف الله مثل العم المسن، الذي يطلق عليه المحتجزون "التشاتشا" (عم باللغة الآردية). قام بعمل فصول دراسية غير رسمية، وقدم المشورة للمحتجزين بشأن أنواع الأعمال التي يمكنهم تطويرها بعد إطلاق سراحهم. يصف شلبي سوليفان-بينيس، محاميه الحالي من مؤسسة ريبريف غير الربحية، سيف الله بأنه كاتب رسائل غزير الإنتاج يتواصل مع سلطات السجن بشأن قضايا المعتقلين.
كل شهر، يجري سيف الله مكالمة مصورة مع عائلته، تنظمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. لا يُسمح لهم سوى بالحديث عن أخبار العائلة والتحدث عن أشياء مثل الزواج والولادات والتخرج والوفيات. في السنوات التي قضاها سيف الله في غوانتانامو، توفي ثلاثة من اخوته. يقول سيف الله لأسرته إنه بخير، بل إنه يمزح من حين لآخر، ويصف غوانتانامو بأنه "شيطان". حتى من دون إنترنت، يحب أن يبقى على إطلاع دائم على ما يجري في العالم. عندما ذكر مصطفى أنه مهتم بالطاقة المتجددة، قال سيف الله إنه قرأ دراسة كاملة حول هذا الموضوع.
رفضت محاكم المراجعة الدورية - التي وضعتها إدارة أوباما لمراجعة قضايا المحتجزين والتوصية بمزيد من الاحتجاز أو النقل من غوانتانامو - إطلاق سراح سيف الله. في 25 سبتمبر 2018، قرر مجلس المراجعة أن احتجاز سيف الله ضروري للحماية من "التهديد المستمر لأمن الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن العوامل التي جعلته يتعامل مع عناصر القاعدة لا تزال قائمة.
أشار البيان إلى تركيبته العقيلة وإمكانية إعادة ارتباطه بالقاعدة ليست ذات مصداقية، لكن هناك تغييرات في مبررات تعامله مع التنظيم وفشله في إظهار أي ندم على الأعمال التي اعترف فها وخيانة الأمانة في ردوده على محلس المراجعة.
في السنوات التي انقضت منذ إدانته، فقد عزير شعره وزاد وزنه. وهو الآن في الثامنة والثلاثين من العمر، وقد تركه سجنه وحجزه الانفرادي يعاني من تدهور في الإبصار ورهاب الأماكن المغلقة. وقد أمضى بعض الوقت في سجن أديكس فلورانس في كولورادو - أحد أشهر السجون في الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال فترة سجنه، حفظ عزيز القرآن، درس اللغة العربية، وقرأ كل كتاب إسلامي في مكتبة السجن - بتقديره، أكثر من 50000 صفحة في كل شيء من الفقه الإسلامي إلى علوم القرآن. كان يقرأ مجلة الإيكونوميست، لكنه لم يحصل عليها لفترة، وأحيانًا يحصل على نسخ من جريدة "فجر" الباكستانية. في العام الماضي، قام بنشر كتاب بعنوان "الركود العلماني" - وهو تقرير عن التاريخ الاقتصادي الأمريكي الذي يستكشف أسباب الركود. وكتب في الإقرارات "إنني ممتن جدا للرحمة التي سحمت بأن يكون لأيام السجن ثمار..... الكثير من ذلك كان بسبب فرص بعيدة عن سيطرتي".
يقول عزير إنه لا يندم على قرار رفض الاتفاق. كتب عزيز مؤخرا "في بعض الأحيان يصعب تحمل الخسارة ولكن في أوقات أخرى يجب أن أذكر نفسي بأن هذه كانت إرادة الله واستفدت كثيراً من وقتي في السجن". وأضاف أن تجربة السجن كانت "درساً في التواضع والصبر والاعتماد على الله ودروساً مهمة أخرى في الحياة". على الرغم من أن عائلة الباراشا مسلمون، إلا أن عزيز كان مسلما من نوع خاص؛ إذ جادل شقيقته الصغرى ذات مرة عبر الهاتف عن ابتهاجها بالشاعر ابن الرومي الذي اتهمه عزيز بالهرطقة.
كتب يقول: "لست متأكدا بأني سوف استمتع بصحبة نفسي وأنا صغير. لقد تغيرت كثيرا."
بعد خمسة عشر عاماً من القبض على سيف الله وعزير، بقيت قضيتهم غامضة. هل كان سيف الله ممولًا مخادعًا، والذي ساعد مع ابنه، عن علم، الإرهابيين الذين كانوا يخططون لمهاجمة الولايات المتحدة، أم أنهما مجرد بيادق في مؤامرة لا يعرفان شيئًا عنها؟ هل ينبغي أن يُنظر إلى تعامل سيف الله مع بن لادن قبل عام 2001، وتعامله مع رجل كان يعرف أنه على صلة ببن لادن، على أنه علامة على ذنب واضح، أم أنها ببساطة اجتماعات عمل؟ لا يزال المدى الكامل للأدلة المقدمة ضد سيف الله سرياً، وما زالت قضية سيف الله في الولايات المتحدة بشأن قانونية احتجازه مستمرة.
استمرت عائلة باراشا في الإصرار على براءتها. وأصبح زعمهم، أنهم لم يقدموا المساعدة عن قصد أو عن عمد لتنظيم القاعدة، أقوى بمرور الوقت، حيث ظهرت المزيد من التفاصيل في وثائق رفعت عنها السرية وكذلك في تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب والنصوص غير المرئية السابقة لجلسات المحكمة من غوانتانامو. (في عام 2012، وفي مقابل تخفيف العقوبة، أقر ماجد خان بالذنب في جرائم حرب، بما في ذلك العمل مع القاعدة والمساعدة في التخطيط لهجمات إرهابية في الولايات المتحدة. ولا يزال عمار البلوشي في غوانتنامو في انتظار المحاكمة).
في انعكاس مذهل هذا الصيف، أصدر قاضٍ فيدرالي أمريكي حكما يقضي بإسقاط إدانة عزير، ومنحه محاكمة جديدة تستند إلى أدلة ظهرت منذ إدانته. وتشمل هذه الأدلة بيانات رفعت عنها صفة السرية حديثًا من عمار البلوشي وخالد شيخ محمد وماجد خان. وقد أثارت هذه التصريحات الشك في الادعاء، الذي أدلى به الادعاء في القضية الأصلية، بأن عزير كان يعلم أنه يساعد أحد أعضاء القاعدة. وفي بيانه الذي قدم فيه الطلب، كتب القاضي: "خلصت المحكمة إلى أن الأدلة المادية المكتشفة حديثًا ستؤدي إلى تجربة مختلفة تمامًا ومن المحتمل أن تخلق شكًا معقولًا" حول ذنب عزير.
قال رمزي قاسم، أستاذ القانون في جامعة مدينة نيويورك، والذي تعامل قضايا الإرهاب كمحامي دفاع: "إن الحكم في قضية باراشا ليس مجرد إدانة للافتقار المستشري للشفافية في غوانتانامو وفي لجانه العسكرية، والتي من المحتمل أن تكلف السيد باراشا سنوات عديدة في السجن. كما أنه يشكك في نزاهة محاكمات الإرهاب بعد 11 سبتمبر في المحاكم الأمريكية على نطاق أوسع. سيحكم التاريخ على معظم هذه الحالات بقسوة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المتهمين غالبا ما يحرمون من الأدلة لأسباب أمنية مزعومة."
تم احتجاز عزير مرة أخرى في سجن في نيويورك، وتم احتجازه لفترة وجيزة في الحبس الانفرادي. في دعوى قضائية في نوفمبر في مواجهة طلب عزير الإفراج عنه بكفالة، أشار محامو المقاطعة الجنوبية في نيويورك إلى اعتراف ماجد خان بالذنب لإثبات أن عزير كان على علم بهويته وأن الحكومة تعتقد أن قضيته قوية مثلما حدث في المحاكمة الأولية. ورفض جيمس مارغولين، وهو متحدث باسم مكتب المدعي العام الأمريكي، التعليق على ما إذا كانت الحكومة ستستأنف حكم إجراء محاكمة جديدة.
في حين سيكون من المرجح أن يكون لدى عزيز فرصة أخرى لإقناع هيئة محلفين بأنه بريء، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يطلق سراح سيف الله بها هي إذا تم تبرئته من قبل مجلس المراجعة الدورية، أو من خلال عريضة التماس في محاكم الولايات المتحدة. لا يبدو أي منهما محتملا، وبعد سنوات من التفاؤل، سيفقد سيف الله روحه. تقول ابنة شقيقه، رفعة،: "في المرات الأخيرة كان يبدو أكثر قلقا. في وقت سابق كان يمزح كثيرا". كما أن صحته الجسدية تتدهو. لدى سيف الله تاريخ من مشاكل القلب، بالإضافة إلى أمراض السكري والصدفية. وقال لمحاميه الحالي إنه نُقل إلى العناية المركزة مرتين في سبتمبر الماضي. يبدو من المحتمل بشكل متزايد أنه سيموت في غوانتانامو.
في باكستان، لم يؤدي تدهور صحة سيف الله أو استمراره في الاعتقال إلى إثارة قضيته مرة أخرى. هناك خمسة مواطنين باكستانيين معتقلين في غوانتانامو، بما في ذلك عمار البلوشي وماجد خان، لكنهم لا يجدون أي ذكر في الخطاب العام أو السياسي.
يقول فرحات الله بابار، وهو عضو سابق في البرلمان عن حزب الشعب الباكستاني، "إنهم (المعتقلون في غوانتانامو) قد تم احتجازهم على أنهم "أشر الأشرار"، في إشارة إلى عبارة أطلقها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني. "أود أن أقول أنهم أكثر بؤسا من البائسين. ولا أحد ينزعج بمآسي هؤلاء البائسين."
للاطلاع على النص الأصلي... اضغط هنا.
فيديو قد يعجبك: