العراق وداعش... حكاية انتقام لن تنتهي قريبا (الحلقة الرابعة)
ترجمة - سارة عرفة و هدى الشيمي ورنا أسامة:
في الحلقة الرابعة والأخيرة من هذا التحقيق الذي أعدته نيويوركر ونشرته في أخر نسخها في 2018، سلط الكاتب الضوء على أقارب (زوجات وأطفال وأباء) مقاتلي وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذين سقطوا بأيدي قوات الأمن العراقية والمليشيات الشيعية وانتهى بهم المطاف في مراكز احتجاز وإيواء في صحراء الأنبار.
تحدث الكاتب عن كيف تُغتصب النساء في تلك المراكز حتى تعيش هي وأسرها، وكيف يعامل المجتمع هؤلاء الناس الذين ربما لا ذنب لهم إلا أنهم أقارب لأحد مقاتلي التنظيم. كل هذا وأشياء أخرى تحدث عنها معد التحقيق...
الحلقة الرابعة
في 10 يوليو 2017، وصلت امرأة تطلق على نفسها أم صالح وهي سيدة في الخامسة والعشرين من عمرها، إلى مخيم للنازحين داخليًا خارج مدينة القيارة، بعد أن أمضت عدة أسابيع تنتقل من مكان إلى اخر في مباني الموصل القديمة شبه المنهارة، بعد أن تسببت غارة جوية في مقتل والدها واخوتها وواحدة من شقيقاتها، وخلال الرحلة الفوضوية التي قامت بها فقدت زوجها ولم تعلم في أي طريق ذهب.
خلال رحلتها الشاقة، هي وابنائها الثلاثة أصغرهم تحمله على ذراعيها، سرقت قوات الأمن العراقية كل ما كان بحوزتها، واعتدوا عليها جنسيًا في كل نقطة مرور.
قالت أم صالح إن بعض أفراد قوات الأمن خبأوا وجوههم بأقنعة أو قطع قماش داكنة. وتذكر أنه في إحدى المرات أخبرها أحد الجنود بأنه إذا لم يكن الأمريكيون ورائهم لحرقوهم وتخلصوا من جثثهم. ساءت الأمور كثيرًا بعد أن علمت أم صالح أن زوجها انضم إلى داعش، وجند المقاتلون شقيقها ثم اختفى ولم يعلم أحد إلى أين ذهب.
وفي إحدى الأيام، زار مسؤول عراقي كبير معسكر النازحين ووعد الجميع باقتفاء أثر الأشخاص الذين فقدوهم، وأخبرهم أنه مستعد للكشف عما جرى لهم مقابل 1000 دولار، فقررت والدة أم صالح وشقيقتها بيع كل ما لديهم من ممتلكات ومصوغات لمساعدتهم العائلة على معرفة مصير احبائهم، ولكن الرجل أخذ المال واختفى.
لا تستطيع أم صالح وابنائها وما تبقى من عائلتها ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، نظرًا للوصمة الاجتماعية التي أصابتهم نظرًا لأن زوجها أحد مقاتلي التنظيم المتطرف، فلا يمكن تسجيل ابنائها بالمدارس الحكومية، كما أن العائلات تمنع ابنائها من التحدث إليهم، ما جعلهم منعزلين عن الجميع.
ترفض الحكومة العراقية استخراج شهادات ميلاد للأطفال أبناء مقاتلي الدولة الإسلامية، ما جعل عشرات الآلاف من الأطفال العراقيين يعيشون بلا جنسية. كما أن السلطات ترفض اصدار بطاقات هوية جديدة لأقرباء مقاتلي التنظيم المتطرف، ما يؤثر كثيرًا على حياتهم، ويمنعهم من القيام بأي شيء.
تقول أم صالح إنها وغيرها من النساء اللائي يعشن في المخيمات يتجنبن الذهاب إلى المراحيض غير المضاءة في الليل، لتقليل فرص تعرضهن للاغتصاب من قبل الحراس، وتُشير إلى أن أفراد الجماعات المسلحة يدخلون المعسكرات بشكل روتيني للاعتداء عليهن أو سرقتهن، وأحيانا يحرقون الخيام.
يوجد ثمانية مُخيمات في الصحراء بالقرب من القيارة، يقطنها ما يقرب من مائة وخمسين ألف شخص. خلال الحرب كان معظم السكان أشخاصًا نزحوا هربًا من ويلات الدولة الإسلامية، إلا أن الوضع تغير الآن إذ أن أعداد الأشخاص المقربين من داعش يزداد كثيرًا في المخيمات، بعد عودة الآخرين إلى القرى والبلدات التي تركوها في بداية الأمر.
أما في المخيمات الموجودة في نينوي، يتعمد المسؤولون عنها يتعمدون حرمان أقرباء مقاتلي الدولة الإسلامية من الطعام والمياه النظيفة والخدمات الطبية، ما دفع المسؤول عن منظمات المجتمع المدني في البلاد إلى السفر أكثر من مائتي ميل من بغداد، للتأكد من أن الموظفين لا يقومون بهذه الأفعال الانتقامية، ولكنه يجدهم يتعاملون مع أقرباء مقاتلي التنظيم بعدائية شديدة، ويرفضون تقديم أي خدمات لأشخاص كانت لهم علاقة، مباشرة أو غير مباشرة، بمقتل ذويهم واحبائهم.
الوضع أكثر سوءًا في بعض المخيمات، إذ أن العاملين في مجال الخدمات الإنسانية يقدمون المساعدات للنازحين مقابل الجنس؛ وبات عدد كبير من النساء حوامل بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل قوات الأمن، أو لاضطرارهن للقيام بعلاقات جنسية مع المسؤولين عن المخيمات لاطعام عائلاتهم.
ويقول أحد المسؤولين في منظمات المجتمع المدني إن العراقيات تُجبرن على بيع أجسادهن للانفاق على ذويهم، وحتى تتمكن هي وعائلتها من النجاة. في بعض الأحيان تضطر النساء إلى الخضوع لعمليات إجهاض داخل المخيمات، فيما تعجز بعضهن عن فعل ذلك فتتخلى عن الأطفال بعد انجابهن.
خارج المخيمات، يوجد مئات الآلاف من الأطفال المهجورين أو الأيتام بفعل الحرب، بعضهم ابناء فتيات ايزيديات اختطفهم تنظيم الدولة الإسلامية واستعبدهن جنسيا. هؤلاء النسوة قررن التخلي عن ابنائهم من أجل العودة إلى وطنهم.
وهناك مئات الأطفال مجهولي النسب في السجون العراقية، أما أنهم ابناء مقاتلين أجانب أو أن ذويهم يقبعون في السجون ينتظرون المحاكمة. في الوقت نفسه، يتلقى بعض الأطفال معاملة خاصة جدًا وشرسة في السجون، لاسيما هؤلاء الذين تلقوا تدريبات لكي يكونوا مقاتلين أو انتحاريين. قال مسؤول استخباراتي عراقي أن السلطات تعجز عن التعامل معهم، لأنهم يرفضون البوح بأي معلومات، ويجهشون في البكاء بمجرد بدء عملية الاستجواب.
فيما يعيش آلاف الأطفال في الموصل في الشوارع، ويبحثون بين القمامة عن الخردة لبيعها، فهم لا يجدون مأوى بعد أن قتل والديهم أو سجنوا، وبعد رفض اقرباؤهم الاعتراف بهم. ويتسول العديد من الأطفال الصغار في نقاط المرور، ومنهم من يقوم بمسح زجاج السيارات أو يبيع المياه وعناقيد الفل لسائقي السيارات.
قال مسؤول عراقي بارز إن هؤلاء الأطفال مستعدين لفعل أي شيء مقابل الحصول على 50 دولار، مؤكدًا أن أطفال مقاتلي التنظيم أشبه بالقنبلة الموقوتة.
أضاف "آباؤهم في السجون، أو لقوا حتفهم خلال القتال، أمهاتهم تتعرض لاغتصاب أو تُجبر على بيع أجسداهن. لن يستمر الهدوء كثيرًا، بمجرد وصول هؤلاء الأطفال لسن يستطيعون فيه فهم ما جرى، سينتقمون أشد الانتقام لذويهم، ولن يؤثر ذلك على بغداد أو نينوي أو العراق، ولكنه سيؤثر على العالم بأكمله".
إقرأ أيضا:
العراق وداعش... حكاية انتقام لن تنتهي قريبا (الحلقة الثالثة)
فيديو قد يعجبك: