كيف يمكن للعدوان التركي على سوريا أن يُعيد داعش من تحت الأنقاض؟
كتبت- رنا أسامة:
حذّر الباحث السياسي بمركز الشؤون الاستراتيجية والدولية بريان كاتز، ووزير الدفاع الأمريكي السابق مايكل كاربنتر، من عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى الساحة مُجددًا في ظل العدوان العسكري التركي على الشمال السوري.
وكتبا في تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية على موقعها الالكتروني، إن التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة نجح في الإطاحة بالخلافة المزعومة ذاتيًا لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بداعش، بالعراق وسوريا في مارس الماضي.
لكن اللافت للنظر، بحسب التقرير، هو أن 2000 جندي فقط شاركوا في ذلك الجهد، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بعدد الجنود الذين أُرسِلوا إلى العراق وأفغانستان في ذروة تلك الحروب، موضحين أن سر النجاح في الحرب على داعش بسوريا والعراق يكمن في استعانة الولايات المتحدة بالميليشيات المحلية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تستند بشكل كبير إلى الميليشيات الكُردية المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب".
ومع ذلك، وبمكالمة واحدة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منح نظيره الأمريكي ترامب الضوء الأخضر لتشن أنقرة عدوانها على أكراد سوريا الذين أزعجوا أنقرة لفترة طويلة بسبب علاقتهم الوثيقة مع الأكراد في تركيا، وفق التقرير.
ذكر التقرير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر بسحب قوات بلاده التي كانت تُدرب وتساعد قوات سوريا الديمقراطية، في إطار مساعيه للحفاظ على مكاسب التحالف ضد داعش. وبعد ذلك شنّت تركيا حملة دموية لإجبار الأكراد على الفرار بعيدًا عن الحدود التركية السورية.
ومع انشغال قوات سوريا الديمقراطية بهذا الأمر، فإن أتباع داعش المعروفين بسرعة تكيّفهم ومرونتهم يستغلون على ما يبدو هذه الفوضى. وأشار التقرير إلى أن تقارير إعلامية تحدّثت مؤخرًا عن فرار مُقاتلي داعش من السجون الكردية، وهو الأمر الذي أثار قلقًا كبيرًا بشأن عودة الجماعات المتطرفة للظهور مُجددًا في سوريا من تحت الأنقاض.
لكن الحقيقة، بحسب التقرير، هي أن داعش والقاعدة كانوا مُستمتعين بعودة ظهورهم حتى قبل انسحاب ترامب والعدوان التركي على الشمال السوري- داعش في شرق سوريا والقاعدة في غربها.
ومع توجه الولايات المتحدة اليوم نحو الانسحاب من شمال شرق سوريا، وفي ظل القتال الدائر بين الأكراد وتركيا، وتركيز نظام الرئيس بشار الأسد وداعميه على أولوياتهم، لم يعد هنالك أي قوة تقف أمام عودة التطرف، كما يرى التقرير.
وقال إن "تزايد الصراعات سيؤدي إلى عودة التطرف، الأمر الذي سيقود بدوره إلى زعزعة استقرار المنطقة ويُشكل تهديدًا على إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة". والمؤسف، وفق التقرير، أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه قبل الحملة التي نفذت للقضاء على داعش: ستُعاني من الفوضى والصراع وتصاعد حدة الإرهاب.
الخطر المُحدق
سقطت آخر معاقل خلافة داعش في بوغازي بسوريا على يد قوات التحالف في مارس الماضي، حيث كان قادة التنظيم منشغلين بإعادة تشكيل تنظيمهم كمتمردين في الأرياف. ولقي عشرات الآلاف من المقاتلين حتفهم من أجل الدفاع عن معاقل داعش الواقعة بالقرب من نهر الفرات، لكن عشرات الآلاف منهم لاذوا بالفرار إلى مناطق أكثر أمنًا في الأرياف السورية والعراقية وتمكنوا من النجاة. وكان من ضمن أولئك قائد التنظيم، أبوبكر البغدادي.
وأشار التقرير إلى أن داعش قضى الأشهر الأخيرة في إعادة تجميع صفوفه في ملاذات ريفية، وشنّ "هجمات وحشية" على دوريات قوات سوريا الديمقراطية الكردية، وجمع قواته لتنفيذ هجمات على مدن وبلدات مهمة.
وفي الرقة ودير الزور، تجمع خلايا داعش السرية معلومات استخباراتية من شأنها أن تساعد التنظيم في التخطيط لعمليات اغتيال وشن هجمات انتحارية وعمليات اختطاف، وذلك بهدف القضاء على قادة (قسد) والضغط على زعماء القبائل العربية من أجل التعاون مع داعش بدلًا من قوات سوريا الديمقراطية.
باختصار، يُعِدّ داعش ساحة المعركة عسكريًا وسياسيًا ونفسيًا كي يتمكن من تنفيذ هجماته بمجرد انسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وفق التقرير.
وعلى المنوال ذاته، يتكيّف تنظيم القاعدة ويجمع قِواه في غرب سوريا. لقد نجح في تحقيق مبتغاه خلال الفوضى التي تخيم على محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة المتبقية، والتي تعرضت لهجوم من قِبل القوات الموالية لنظام الأسد في وقت سابق من العام الجاري. وأضحت إدلب، التي كانت ذات يوم موطنًا لمزيج من الجماعات المعتدلة والمتشددة والمتطرفة، معقلًا للجهاديين السلفيين الذين تسيطر عليهم جماعة هيئة تحرير الشام المرتبطة سابقًا بالقاعدة.
وأشار التقرير في هذا الصدد إلى أن عددًا من المحاربين القدامى في القاعدة انفصلوا عن تنظيم هيئة تحرير الشام في عام 2017، وشكلوا جماعة جديدة أُطلق عليها "تنظيم حراس الدين". وتحت إشراف زعيم القاعدة أيمن الظواهري، تعمل هذه الجماعة في المقام الأول على مهاجمة الغرب. وقد جنّدت عددًا من المقاتلين المتمرسين والمتوافقين معها أيديولوجيًا والراغبين في الانضمام لها في إدلب.
أما النظام السوري، فقد زاد الأمر سوءًا في إدلب باتباعه نهجمه القديم الذي تبنّاه في حمص وحلب وضواحي دمشق. فبدعم إيراني روسي، سعت قوات الأسد إلى رفع معدل الخسائر بين المدنيين إلى أقصى حد ممكن رغبة في إجبار السكان على الخضوع.
ورأى التقرير أن هذا النهج قد يكون مثمرًا في تحقيق انتصارات قصيرة المدى في ميادين الصراع، لكنه على المدى البعيد سيتسبب في تطرف السكان المحليين وتوفير الشرعية والملاذ والقوى العاملة للقاعدة هناك.
علاوة على ذلك، ومن أجل زيادة الضغط على إدلب، فإن القوات الموالية للنظام قلّصت من عملياتها ضد داعش في وسط وجنوب شرق سوريا. وفي ظل التركيز الروسي على إدلب، واهتمام إيران وحزب الله بشكل أكبر في الإعداد لحرب محتملة مع إسرائيل، أصبح لدى داعش مساحة أكبر من أجل إعادة التجمع، بحسب التقرير.
وعزا التقرير سبب حصول تنظيميّ داعش والقاعدة الإرهابيين على فرصة لإعادة التشكيل، إلى تراجع الدور الأمريكي. ففي بداية أبريل، خفضت الولايات المتحدة عدد قواتها بمقدار النصف بعد إسقاط "خلافة داعش" المزعومة. وفي أغسطس، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأن "تقليص القوات الأمريكية قد قلل من مقدار الدعم للقوات السورية الحليفة، وأن قوات سوريا الديمقراطية لم تعد قادرة على الاستمرار في تنفيذ العمليات بعيدة المدى ضد مقاتلي داعش.
وبانسحاب القوات الأمريكية، توقّع التقرير أن يتلاشى دعم الولايات المتحدة للقوات الكردية في شرق سوريا، والذي شمل تدريبهم على عمل دوريات، وعمليات حفظ الأمن، والتحكيم، وجمع المعلومات الاستخبارية.
صعود التطرف
قال التقرير إن العدوان التركي على سو يا يجعل مسألة عودة داعش "أمرًا لا مفر منه". حيث أن أنقرة تهدف إلى القضاء على منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال سوريا، والتي تُعد حاليًا سدًا منيعًا أمام سيطرة داعش على تلك المنطقة، بحسب وصفه، مُشيرًا إلى أن هذا التهديد الوجودي سيجعل وحدات حماية الشعب تستخدم صلاتها الوثيقة بالمسلحين الأكراد داخل تركيا لتكثيف التمرد الكردي هناك، وبذلك ستركز وحدات حماية الشعب على قتال تركيا بدلًا من قتال داعش.
وفي الوقت ذاته، يبدو أن (قسد) غير قادرة على حراسة آلاف المقاتلين التابعين لداعش المحتجزين لديها، ولا يمكنها أيضًا إبقاء عشرات الآلاف من عائلات مقاتلي داعش المحتجزين في مخيم الهول الذي لا يتمتع بحراسة أمنية مشددة ولا يحظى بأي دعمٍ دولي تقريبًا.
وفي حال عمّت الفوضى في شمال شرق سوريا خلال الأشهر المقبلة، يُرجّح التقرير أن يتمكن داعش مرة أخرى من الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي وإنشاء خلافة جديدة وإرسال مقاتلين عبر الحدود غير المؤمنة لشنّ هجمات إرهابية.
ورأى التقرير أن الهجوم التركي أيضًا يقود (قسد) لإبرام صفقة مع دمشق، إذ يهدف نظام الأسد إلى إعادة تأكيد سيادته عبر سوريا والحيلولة دون المزيد من التوغلات الأجنبية، مُشيرًا إلى أن الحكومة السورية تتفق مع قوات سوريا الديمقراطية على أن تركيا تمثل عدوًا مشتركًا لكلا الطرفين.
وفي هذا الصدد، لفت التقرير إلى أن الطرفين تعاونا في مراحل مختلفة خلال الحرب الأهلية السورية. ففي عام 2016، عملا معًا للقضاء على ما تبقى من المعارضة السورية في شرق حلب.
وفي مقابل دعم نظام الأسد لهم ضد تركيا -ومنح نوع من شبه الاستقلالية لمنطقة الحكم الذاتي في شمال سوريا- قد تكون وحدات حماية الشعب على استعداد للسماح للأسد برفع العلم السوري وممارسة السلطة الرسمية في المدن التي يسيطر عليها الأكراد. ويبدو أن الأكراد على استعداد للتنازل بالفعل عن سيطرتهم على بلدات منبج وعين العرب الشمالية -وهي المواقع التي وقعت فيها المعارك المحورية ضد داعش- لصالح النظام والقوات الروسية، وفق التقرير.
ومن شأن اتفاق كهذا، بحسب التقرير، أن يُساهم في عودة ظهور داعش. فقد قام الكثير من العرب السنة في شرق سوريا بالتمرد على الأسد وتصنيف وحدات حماية الشعب كجماعة مُغتصبة. وبالنسبة لهؤلاء العرب، فإن وجود اتفاق بين وحدات حماية الشعب ودمشق لن يصب في مصلحتهم. وسيتمكن داعش من جهته من استخدام رواية جديدة من أجل الدعاية، حيث سيُروّج التنظيم إلى نفسه كقائد للمقاومة السنية - سواء ضد الأتراك أو الأكراد أو الأسد أو كل ما ذكر.
فيديو قد يعجبك: