لماذا يصعب إسقاط الحكومة في لبنان؟
كتب – محمد عطايا:
"كلكن تعني كلكن"، هكذا رفع الشعب اللبناني صوته بالتظاهرات للتعبير عن رغبته في التخلص من النظام الحاكم في بلاده، والإشارة إلى إسقاط جميع من يتحكم في المشهد السياسي بلبنان، ولكن تلك الأصوات -ربما- أقصى ما تستطيع تحقيقه هو تغيير بعض الأسماء والأوجه، بينما يظل اللاعبون هم أنفسهم.
أزمة الشعب اللبناني لا تتلخص في "إسقاط النظام"، فالأوضاع هناك مختلفة بعض الشيء، نظرًا لأن نظام الحكم نفسه، يسير وفق مكونات لبنان الطائفية، ومن ثم لن تتمكن جهة واحدة من تولي الدفة، أو وضع شروطها، خوفًا من تكرار مأساة حرب أهلية جديدة.
سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، أشار في خطابه إلى الشعب، إلى التفكك داخل الأجهزة الإدارية والوزارات، وانشغال السياسيين بتصفية الحسابات الشخصية.
التفكك الذي أشار له رئيس الوزراء اللبناني، ليس وليد اللحظة، فمنذ الحرب الأهلية التي اندلعت في البلاد منذ 1975 إلى 1990، وما قبلها، لم يتمكن لبنان من التخلص من الطائفية.
لبنان شهد حربًا أهلية طاحنة لمدة خمسة عشر عامًا من 1975 إلى 1990 قُتل فيها مئات الآلاف. كما غزت دولة الاحتلال الإسرائيلي لبنان خلال هذه الفترة، إذ وصلت إلى العاصمة اللبنانية بيروت قبل أن تنسحب وتحتل جنوب لبنان حتى عام 2000.
بعد توقف الحرب الأهلية اللبنانية في أعقاب اتفاق الطائف الذي عقد في السعودية 1990، أصبح الحكم قائمًا على نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة.
ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني لكن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.
مجلس النواب اللبناني ينتخب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
ويتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدًا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين حسبما ينص عليه اتفاق الطائف، بينما يترأس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية.
أما منصب رئيس الوزراء فهو من نصيب المسلمين السنة، وجرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية عام 1943 قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946 رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين او طائفة رئيس الوزراء.
التقاسم الطائفي للمناصب في لبنان لا يقتصر على الرئاسات الثلاثـة بل يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة، فقائد الجيش على سبيل المثال ماروني، أما وزير الداخلية فهو سني ومدير قوى الأمن الداخلي سنى ومدير المخابرات العسكرية شيعي، وهناك أيضًا حصص للطوائف والاقليات الأصغر مثل الدروز والمسحيين الأورثوذكس والأرمن.
هل يمكن إسقاط الحكومة؟
"نعم، يمكن إسقاط الحكومة اللبنانية، وانتخاب أخرى، ولكن ستكون هي ذاتها بلاعبين مختلفين"، هكذا يقول المحلل السياسي اللبناني، نضال السبع.
السبع أكد في تصريحات لمصراوي، أن المشكلة لا تكمن في وزير أو حكومة بأكملها، ولكن بنظام الحكم الذي يتحدد وفق معاير، قد يصعب تغييرها.
يتم اختيار الحكومة اللبنانية بالانتخاب، فالبرلمان اللبناني هو من يختار تلك الحكومة، والبرلمان نفسه، يتم تشكيله على أساس طائفي، فرئيس البرلمان منذ 1992، وحتى 2019، هو نبيه بري، رئيس حركة أفواج المقاومة اللبنانية.
الانتخابات الأخيرة للبرلمان اللبناني، أفرزت بعض التكتلات على النحو الآتي:
الثنائي الشيعي المشكل من حركة "أمل" و"حزب الله" حصل على 26 مقعدًا (12 لحزب الله و14 لحركة أمل) هو من أكبر الرابحين في الانتخابات النيابية، بعدما ظفر بكل المقاعد الشيعية في مجلس النواب، باستثناء مقعد واحد في جبيل.
حزب "القوات اللبنانيّة" المسيحي اليميني بقيادة سمير جعجع الذي يضم كتلته 15 نائبًا بدلًا من 8 في انتخابات 2009، أي أن حضوره تضاعف تقريبا في البرلمان الجديد.
حزب الرئيس ميشال عون، ووزير خارجيته جبران باسيل، "التيّار الوطني الحر"، وصلت كتلته إلى 20 نائبًا.
ويرتفع عدد كتلة "لبنان القوي" الموالية للعهد مع التيار إلى 28 مقعدًا.
سنيّاً، شكّلت الانتخابات خسارة للوزير السابق أشرف ريفي، وتراجعت حصة "تيّار المستقبل" الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى 21 مقعدًا.
النائب وليد جنبلاط كرس زعامته الدرزية، وبقي حزبه "الاشتراكي" مهيمنا على 11 مقعدًا نيابيًا.
أوضح السبع، أن تلك الأحزاب هي الرئيسية والكبرى، وجميعها يحرس على أن يضمن أحد أعضائها نصيب في الحكومة اللبنانية المشكلة، وبالتالي إذا تم الاستغناء عن جبران باسيل، بعد خطابه الذي آثار سخط الملايين من الشعب اللبناني، فسيأتي رجل آخر مكانه من الحزب الذي ينتمي له وهو "التيار الوطني الحر"، ومن ثم لا جديد.
واستطرد أنه في حال سقطت الحكومة بالفعل، فإن شيئًا لن يتغير في المشهد السياسي؛ فالحكومة الحالية أتت نتيجة انتخابات، وهي انعكاس لموازين القوى داخل المجلس النيابي، وبالتالي طالما تلك الموازين هي نفسها بالبرلمان، لن يتغير من الأمر شييء في الحكومة.
متى يتغير النظام؟
إذا تطورت الأمور، وحُلّ مجلس النواب بناءً على رغبة جماهيرية، وتظاهرات شعبية، وجرت الدعوة مجددًا إلى انتخابات جديدة وأفرز المجلس كتلاً أخرى، وأفرز أحزابًا سياسية جديدة، هنا فقط – بحسب السبع - تحدث تغيرات أخرى.
وفي حال سقطت الحكومة فقط، سيعود الحريري إلى تكوين حكومة أخرى، بأوجه جديدة وحسب.
وأكد المحلل السياسي اللبناني، أنه في حال ظهر تيار سياسي جديد، يضم جميع الأطياف مثل حراك 8 و14 آزار، قد يتمكن من توحيد الدفة، وتشكيل نظام جديد كلي، يسير على أساسه مستقبل لبنان.
فيديو قد يعجبك: