أبوبكر البغدادي.. نهاية "أمير الدم" (بروفايل)
كتبت – إيمان محمود:
مفزوعا تطارده الكلاب وقوة "دلتا فورس الأمريكية" في نفق بقرية باريشا محافظة إدلب شمال غربي سوريا.. هكذا كانت اللحظة الأخيرة لـ"أمير الدم" الخليفة الداعشي أبو بكر البغدادي قبل أن يقرر تفجير نفسه وأطفاله ومساعديه الذين يهربون معه، ليضع الكلمة الأخيرة لـ5 سنوات من التقتيل والتشريد.
اختار البغدادي درب القتل والتدمير والتعصب من أجل تنصيب نفسه حاكمًا، ورغم أنه كان هادئًا غير مُحبًا للظهور، إلا أنه استطاع لفت أنظار العالم إليه خلال خمس سنوات منذ صعود نجم تنظيمه وحتى بعد سقوطه.
كانت المرة الأولى التي يقف فيها البغدادي ليخطب في الناس، في أوائل شهر رمضان الموافق الرابع من يوليو عام 2014، بعد أن منع رجاله إمام مسجد النوري بالقوة من الصعود على المنبر وإلقاء خُطبة الجمعة، ليقف البغدادي لمدة 15 دقيقة، يتحدث عن الشهر الكريم وثواب ليلة القدر، وأهمية الجهاد في سبيل الله، وأخيرًا أعلن إقامة ما عُرف بالخلافة الإسلامية.
الخليفة ميسي!
إبراهيم عواد محمد إبراهيم علي محمد البدري، أو كما اشتهر بأبو بكر البغدادي نسبة لمسقط رأسه في مدينة سمراء شمالي محافظة بغداد، ولد في عام 1971 لأسرة متوسطة الحال.
كما حلم البغدادي أن يصبح محامياً، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق، كما خاب طموحه أيضًا بالالتحاق بالسلك العسكري، بعد أن حال ضعف بصره دون ذلك.
في نهاية المطاف، اتجه إلى دراسة العلوم الإسلامية، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم شهادة الماجستير في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية عام 1999.
كان الرجل مولعاً بكرة القدم، واشتهر بين كل بـ"ميسي الإسلام" بين فريقه، إذ كان يحب نجم برشلونة ليونيل ميسي، وكان يشكّل فريقًا لكرة قدم في السامراء من رفاقه في المسجد الذي كان يُحفظ فيه القرءان.
الاعتقال.. نقطة تحول
في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق 2003، الذي أطاح الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، نشط البغدادي، وشكّل مجموعة جهادية ذات تأثير محدود، قبل أن تعتقله القوات الأمريكية في العام التالي، وتضعه بسجن بوكا الواقع على بُعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية.
اعتقال البغدادي مثل نقطة تحول هامة في حياته، إذ نشر الأفكار الإرهابية وجند أتباعًا له، في السجن الذي كان يضم أكثر من 20 ألف مُعتقل.
وبحسب رواية أحد رفاقه في المعتقل، كان البغدادي قليل الكلام، لكنه كان ماهراً جداً في التنقل بين الفصائل المتنافسة داخل مركز الاعتقال، الذي كان يضم مزيجاً من عناصر سابقة مقربة من الرئيس السابق صدام حسين وجهاديين.
وبعد إطلاق سراحه في ديسمبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، اتصل البغدادي بأحد المتحدثين باسم تنظيم القاعدة في العراق، فرع القاعدة المحلي الذي كان يقوده الأردني أبو مصعب الزرقاوي.
انبهر المتحدث، بالعلوم الدينية الواسعة لدى البغدادي، وأقنعه بالتوجه إلى دمشق، للتأكد من أن النشاط الدعائي لتنظيم القاعدة في العراق ملتزمٌ النهج المتشدد.
وفي يونيو من العام 2006، قُتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية، وخلفه أبو أيوب المصري، الذي قرر حل تنظيم القاعدة في العراق، وتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، التي استمرت سرًا لتنظيم القاعدة.
عُيِّن البغدادي رئيساً للجنة الشريعة، واختير عضواً في مجلس الشورى للتنظيم، الذي يضم 11 عضواً ويقدم المشورة لأمير التنظيم آنذاك، أبو عمر البغدادي.
واختير أبو بكر البغدادي أيضاً بعد ذلك عضواً في لجنة التنسيق بتنظيم القاعدة في العراق، والتي كانت تشرف على الاتصال بقادة التنظيم في العراق.
وفي أبريل عام 2010، أصبح أبو بكر البغدادي أميرًا لتنظيم القاعدة في العراق، وبدأ في إعادة تنظيمه.
وعندما اندلعت الحرب الاهلية في سوريا، عام 2011، استغلّ الأحداث ليؤسس سرًا فرعًا للتنظيم في سوريا وهو ما عُرف لاحقًا بـ"جبهة النُصرة" ثم "فتح الشام".
حلم الخلافة
استطاع البغدادي تحقيق حلم دولته الدموية في ربيع عام 2013، وأعلن أن "جبهة النُصرة" في سوريا التي كان يتزعمها هي جزء من تنظيمه في العراق، وأطلق عليه اسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام".
طموح البغدادي في تأسيس إمبراطورية دموية، يكون هو حاكمها، جعله يرفض انسياق النُصرة لتنظيم القاعدة، وطلب في فبراير 2014 من أيمن الظواهري الاستقلال عنه، وبعد أن رفض الأخير، قرر قطع كل علاقات القاعدة بتنظيم الدولة الإسلامية، بل أنه قرر قتال القاعدة في سوريا.
استطاع البغدادي ورجاله بالتوسع في سوريا تحت راية تنظيمه، وبدأ القتال بين الجبهتين، بالتزامن مع قتل كل من يرفض الانصياع إلى أوامر التنظيم ويمتثل لحكمه.
وفي يونيو عام 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، ثم أعلن منها "دولة الخلافة".
سار البغدادي ورجاله على نهج احتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة، وبدأت التفجيرات تنتشر من الشرق إلى الغرب، كما شنّ تطهيرًا عرقيًا ضد الأيزيديين ودفنهم في مقابر جماعية.
وفي سوريا، لا توجد أرقام دقيقة عن عدد ضحايا داعش، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال إن داعش نفذ بين عامي 2014 و2015 فقط؛ 3027 عملية إعدام في سوريا فقط، طالت 1787 مدنيا، بينهم 74 طفلا، ذبحا أو صلبا أو رميا بالرصاص أو رجما أو حرقا، فضلاً عن 200 أكثر من 200 ألف تم تشريدهم.
اعتمد البغدادي على الاستيلاء على المناطق الغنية بالنفط والغاز والآثار، وساهم بيعها إلى جانب نهب الممتلكات العامة والخاصة في بناء ميزانية كبيرة للتنظيم والتي ساعدته على شراء الأسلحة والتوسع بشكل أكبر.
وبعد إعلان تأسيس التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي ساند القوات العراقية والقوات الكردية في سوريا لهزيمة داعش، بدأ حلم الخلافة ينهار رويدًا رويدًا، وخسر البغدادي مُعظم أراضيه في العراق تليها سوريا.
وفي أغسطس من العام 2018، نشر البغدادي تسجيلاً صوتيًا طالب فيه مساعديه بالصبر ومتابعة القتال، ثم كان الظهور الأخير في أبريل الماضي، إذ كان جالسًا على الأرض مخاطبا أعضاء التنظيم على مدى 18 دقيقة، يتوعد بالثأر لقتلى التنظيم.
وبعد أشهر قليلة من الإعلان عن نهاية تنظيم داعش الإرهابي خلال العام 2019، استطاعت الولايات المتحدة بالتعاون مع الاستخبارات العراقية، العثور على مقر مخبأ البغدادي في منطقة غرب قرية باريشا بمحافظة إدلب، ليكتب الأمير المُختبئ نهايته بيده.
فيديو قد يعجبك: