لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إيكونومست: كيف شوّهت إبادة الأرمن تاريخ تركيا وحاضرها؟

04:18 م الأحد 10 نوفمبر 2019

إبادة الأرمن

كتب – محمد الصباغ:

السياسات المتداخلة والتاريخ أمور محفوفة بالمخاطر، وكما يقول ديفيد رييف، مؤلف كتاب "في مديح النسيان"، فإن إحياء ذكرى أخطاء الماضي يمكن أن يكون هراوة أخلاقية يمكن استخدامها مرات ومرات كسلاح للوصول إلى نهايات سياسية.

ترى مجلة "إيكونومست" البريطانية في تقرير نُشر على موقعها الإلكتروني أن الحكومة التركية تفكر بتلك الطريقة حينما يتعلق الأمر بالأجانب الذين يعتبرون أن مقتل أكثر من مليون شخص من الأرمن على يد العثمانيين في عام 1915، عملية إبادة.

ففي نهاية الشهر الماضي صوّت مجلس النواب الأمريكي لصالح اعتبار ما حدث للأرمن من جانب قوات الإمبراطورية العثمانية، عملية إبادة جماعية.

غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة من ذلك، وقال "الدول التي تاريخها ملطخ بالإبادة والعبودية والسُخرة لا تمتلك الحق في إعطاء الدروس لتركيا".

على مدار العقود الماضية، كان أعضاء الكونجرس بالولايات المتحدة الأمريكية يتجنبون تدمير العلاقات مع عضو الناتو والحليف الحيوي، لكن تلك العلاقات بالفعل في أقل درجاتها حاليا.

اشترت تركيا منظومة الصواريخ الروسية "إس 400"، والتي وبحسب إيكونومست يمكنها السماح لموسكو بالتجسس على الطائرات الأمريكية. كما أن أنقرة بدأت في الشهر الماضي عدوان عسكري ضد سوريا، وبالتحديد ضد الأكراد في شمالي سوريا وهم حلفاء للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش.

لذلك لم يكن غريبا أن يعلن الكونجرس الأمريكي عن عقوبات اقتصادية ضد تركيا بشكل سريع بعد تمرير القرار حول إبادة الأرمن.

يتضح أيضًا أن السياسة كانت السبب الأول في اعتراف أمريكا بالإبادة، وهي أيضًا سبب التخلي عن ذلك في عشرات السنين السابقة.

"قتلتهم الأوبئة"

طالما أنكرت تركيا الإبادة، وأصرّت على أن أعداد الأرمن الذين قتلوا كان أقل بكثير من الأعداد المسجلة، وأن أعداد أكبر من المسلمين العثمانيين قتلوا خلال الحرب.

وتكرر حكومة أردوغان الإشارة إلى عام 1915 بأنه عام المأساة، لكنها لم تُفرّق أبدا بين المجرم والضحية.

يعيش حاليا حوالي 50 ألف من الأرمن في تركيا، ويتمركز أغلبهم في إسطنبول التي لم تطالها عمليات التهجير الجماعي. كما أن القليل منهم يتناقشون بخصوص العوامل الأساسية للإبادة، ويتردد كثيرون في الانضمام للحملة العالمية للاعتراف بالإبادة.

مع بدايات الألفية الحالية، أجريت سلسلة نقاشات في أوروبا والولايات المتحدة جمعت مثقفين من الأرمن بدول الشتات وآخرين مقيمين في تركيا. ركزت في البداية على الماضي والإبادة، قبل بدء مناقشة الحاضر والتحديات التي تواجه تركيا والأقليات بها.

وقال الصحفي هارنت دينك، وهو أحد الأتراك الأرمن خلال تلك النقاشات، إن القرارات بخصوص الإبادة بواسطة ثلث دول العالم، أضرت أكثر مما ساعدت، وتسببت في هجمة قومية وعرقلت اتجاه تركيا نحو الديمقراطية.

وتابع: "علينا فصل التاريخ عن السياسة. دعونا لا نحل مشاكلنا التاريخية إلا بعد الانتهاء من الأخرى السياسية".

بعد سنوات قليلة، أطلق أحد المراهقين الأتراك القوميين النار على هارنت دينك خارج مكتبه بمدينة إسطنبول.

ذكّرت إيكونومست أيضا بما قاله المؤرخ التركي تانير أكام، بأن إحياء الذكرى يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر، لكن مخاطر النسيان أكبر.

تستمر كتب المدارس التركية في تعليم طلابها أن مسيرات الموت التي نفذها العثمانيون كانت ضرورية ردا على الهجمات التي كان يشنها المتمردون الأرمن ضد القرى التركية

ويتحدث أحد الكتب المدرسية التركية، بحسب المجلة، أن الأرمن الذين ماتوا خلال تلك الحرب كانت وفاتهم نتيجة "مصاعب في النقل، ظروف جوية سيئة، والأوبئة".

"قتل الضحية من جديد"

عدم الاعتراف التركي بالإبادة جزء من المشكلة. والقلق الأكبر، كما تقول إيكونومست، هو رفض الاعتراف بأي مسئولية عما حدث، وهو ما تعمل عليه كل الحكومات التركية المتتالية. وقال أردوغان قبل أعوام "لم تكن هناك أي مجازر أو مذابح في تاريخنا".

إصرار الدولة التركية على أنها لم تقم بأي خطأ في الماضي، يؤثر على الحاضر. فلا يمكن حاليا أن تنشر أي وسيلة إعلامية تركية عن عشرات المدنيين الذين قتلوا بسبب العدوان على سوريا. كما يواجه الأتراك الذين يعارضون العدوان خطر المحاكمة حال الإفصاح عن معارضتهم.

السبب في ذلك هو أن أردوغان يعمل على خنق المعارضة، لكن إيكونومست ترى أنه أيضًا بسبب إرث التاريخ وخصوصا إرث إبادة الأرمن الذي بات محظورا الحديث عنه.

ولسخرية القدر، فقد كان أردوغان نفسه من حاول إنجاز تقدما في تلك القضية. بدأت تركيا وأرمينيا عام 2009 محادثات حول تجديد العلاقات وإعادة فتح الحدود بين البلدين. وأقدم أردوغان على خطوة تاريخية بعد 5 أعوام من ذلك، حينما قدم التعازي لأحفاد ضحايا ما حدث عام 1915.

لكن المحادثات انهارت بعد ذلك وباتت الحكومة في تركيا أكثر قومية من سابقيها. ومرر البرلمان التركي قانونا قبل عامين يعاقب أعضاءه الذين يذكرون لفظ "الإبادة"، في إشارة إلى مقتل الأرمن.

واختتمت إيكونومست تقريرها بالقول إن التعرض لأخطاء التاريخ في دولة أخرى يمكن أن يخلق احتكاكات، وربما يأتي بنتائج سلبية. لكن أيضًا إخفاء تلك الأخطاء هو اعتداء على الضحايا والأحفاد الذين على قيد الحياة.

وتابعت "ربما تدرك تركيا يوما ما أن الإبادة ليست وصمة العار الوحيدة في تاريخها، بل هناك أيضًا قرن من الإنكار جاء بعدها".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان