هل تؤثر الإطاحة برئيس بوليفيا على اليسار اللاتيني؟
كتب – محمد الصباغ:
غادر الرئيس البوليفي إيفو موراليس إلى المكسيك بعد أن قبلت مكسيكو سيتي طلبه باللجوء، وذلك لحمايته بعد مظاهرات واسعة في بوليفيا تنديدا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبالتدهور الاقتصادي في البلاد.
كتب موراليس اليساري عبر حسابه بموقع تويتر رسالة إلى شعبه، مشيرًا إلى توجهه إلى المكسيك لأسباب سياسية ومؤكدا: "قريبًا سأعود بمزيد من القوة والطاقة".
سارعت دول لاتينية حليفة لبوليفيا وتقودها حكومات يسارية إلى دعم موراليس واعتبرت أن ما يجري في بوليفيا "انقلاب"، وعلى رأس تلك الدول المكسيك والأرجنتين وفنزويلا.
كما أعلن الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا عن دعمه لرئيس فنزويلا المستقيل، وذلك بعد ساعات من خروج الزعيم اليساري البارز – دا سيلفا - من السجن بعد حبسه لعدة أشهر على ذمة قضايا فساد.
من جانبها اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن استقالة موراليس خطوة مهمة نحو الديمقراطية في بوليفيا، وأشادت بالمتظاهرين الذين وصفتهم بالساعين نحو الديمقراطية.
كما أعلن الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو أن الشبهات بتزوير الانتخابات في بوليفيا هي السبب في غضب الشارع ضد موراليس.
من الجدير بالذكر أن الدول التي دعمت بوليفيا عانت من أزمات اقتصادية واحتجاجات ضد الحكومات ذات التوجه اليساري سواء في الأرجنتين أو فنزويلا.
كيف يتأثر اليسار اللاتيني؟
الصراع بين اليمين في أمريكا اللاتينية والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، واليسار المقرب من روسيا ليس بخفي عن الأعين، لكن الاحتجاجات في الدول الأمريكية الجنوبية على مدار الأعوام الماضية طالت أنظمة يسارية وأخرى يمينية، وليبرالية كتشيلي التي خرج فيها المتظاهرون على مدار الأسابيع الماضية مطالبين بإصلاحات اقتصادية.
لا يعتقد بيتر حكيم، الرئيس الفخري للمجموعة الفكرية الأمريكية للحوار في واشنطن، أن الإطاحة بإيفو موراليس سيكون له تأثير على اليسار في أي مكان آخر سواء في البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، أو كولومبيا أو غيرهم.
وأضاف مدير المؤسسة المتخصصة في شئون أمريكا اللاتينية، في تصريحات لـ"مصراوي"، أنه حتى مع نجاح لولا دا سيلفا في العودة مرة أخرى ببناء حزبه من جديد وجعله منافسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022، سيكون بلا تأثير كبير على الدول الأخرى في أمريكا الوسطى أو الجنوبية.
يذكر أن بوليفيا قد شهدت أحداثا مشابهة في أكتوبر من عام 2003 حينما خرجت مظاهرات حاشدة لتطيح بالرئيس المنتخب في 2002 سانشيز دي لوسادا، وهو رجل أعمال اختار الرحيل مع تضييق الخناق عليه آنذاك إلى الولايات المتحدة.
حينها اعتبرت الحركات اليسارية في بوليفيا أن ما حدث هو إرادة شعبية ولم يكن انقلابا على رئيس منتخب، لينعكس الوضع حاليا مع موراليس.
وعن موقف اليسار في أمريكا اللاتينية، قال حكيم إنه لا يعتقد أنه كاتجاه سياسي ينتهي، لكن "اليسار المتطرف، يسار هوجو تشافيز المستمر في فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا، ربما قارب على الانقراض".
كما اعتبر أن اليسار المعتدل الوسطي الديمقراطي، والذي يلعب دورا بارزا في دول مثل البرازيل وتشيلي والأرجنتين ربما يبقى كقوة سياسية في أمريكا اللاتينية.
يعاني اليمين أيضًا يعاني في دول بأمريكا الجنوبية مثل تشيلي وبيرو وكولومبيا، وينتفض ويصوّت المواطنون في القارة ضد حكومات من اليمين واليسار.
ويفسر حكيم ذلك بأن الأشخاص يصوتون ضد الحكومات والقادة الذين يعتقدون أنهم فشلوا لأسباب سواء كانت عدم الكفاءة أو الفساد أو حتى سوء الحظ.
"وحدة اليسار ضد نفوذ أمريكا"
تسيطر الولايات المتحدة بشكل كبير على منظمة الدول الأمريكية التي كانت أول من يحجب الشرعية عن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو قبل أشهر مع اندلاع مظاهرات ضده. كما كانت واشنطن أول من شكك في نتائج انتخابات بوليفيا الأخيرة.
من أجل مواجهة تلك المنظمة التي تجمع دول من أمريكا الجنوبية والشمالية وتجد دعما كبيرا من واشنطن حيث مقرها، بدأت تحركات من المكسيك والأرجنتين لإعادة لم شمل اليسار في القارة الجنوبية في مواجهة اليمين المدعوم من أمريكا.
واجتمع الرئيس المكسيكي أندريس لوبيز أوبرادور مع نظيره الأرجنتيني ألبرتو فيرنانديز يوم الإثنين، من أجل مناقشة إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية الإقليمية وإيجاد بديل لمنظمة الدول الأمريكية.
وجاء الرئيسان أصحاب الميول اليسارية وسط موجة غضب شعبية ضد الفقر والفساد في بلادهم، وذلك في وقت تواجه فيه دول تشيلي والإكوادور مظاهرات ضد سياسات اقتصادية ليبرالية.
أول ما فكر فيه فيرنانديز بعد انتخابه الشهر الماضي، بحسب وكالة رويترز، هو إعادة عصر التعاون اليساري في القارة، وفي محاولة لعزل الجارة البرازيل التي تقودها حكومة يمينية.
ومن المقرر أن ترأس المكسيك في العام المقبل رئاسة منظمة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، وهي جسد إقليمي تأسس في فنزويلا خلال حكم هوجو تشافيز، وفقدت نفوذها في السنوات الأخيرة.
وقال فيرنانديز عن المنظمة إن إحيائها مجددا فرصة كبيرة للتعاون الذي افتقدته دول المنطقة، وبحسب رويترز، يرى يساريون في تلك المنظمة سبيلا لمواجهة منظمة الدول الأمريكية التي يعتبرونها وسيلة لضخ النفوذ الأمريكي في أمريكا الجنوبية.
وعلى ما يبدو أنه تأكيدا لحديث بيتر حبيب حول انهيار اليسار المتطرف، فإن لوبيز يختلف في أسلوبه بشكل كبير عن تشافيز واشتباكاته اللفظية مع أمريكا، فقد أشاد به الرئيس دونالد ترامب.
وحينما هاجمه البعض بعد إشادة من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ذكّرهم بإشادة ترامب وألمح إلى أنه من الجيد تلقي الإشادة من الجانبين.
ونقلت رويترز عن الأكاديمي المكسيكي جون أكرمان قوله، إن هناك مقولة شهيرة تتحدث عن وصول المكسيك إلى مبادرة "Pink Tide – بينك تايد" (لفظ يطلق على انتخاب التوجهات اليسارية في أمريكا اللاتينية مع بداية الألفية الحالية) متأخرة، وأضاف "لكن حاليا تصل مبكرا إلى المبادرة الثانية من بينك تايد".
تمر بوليفيا حاليا بمرحلة من الفراغ السياسي، فمع استقالة عدد كبير من المسئولين في حكومة موراليس، قررت النائبة المعارضة جانين آنيز الإعلان يوم الأحد عن إجراء استعدادها لتولي الرئاسة المؤقتة والإشراف على إجراء الانتخابات المبكرة.
وجاء ذلك مع استمرار أعمال العنف والنهب في الشوارع، واستقالة نائب الرئيس ألفارو جارسيا لينيرا.
وينص دستور بوليفيا على انتقال السلطة إلى رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب على التوالي حال استقال الرئيس، لكنهما استقالا أيضًا، فما كان من النائبة المعارضة إلا إعلانها استعدادها لتولي الرئاسة مؤقتا.
ويرى بيتر حبيب أن تلك المظاهرات في دول أمريكا الجنوبية سواء ضد اليمين أو اليسار، ربما تتحول إلى أمر إيجابي، لو تسببت في تنافس أكبر وفساد أقل في النخبة السياسية.
ثم اختتم حديثه بالقول "لكن لا توجد أي إشارات حاليا على أن السياسات سوف تتحرك في اتجاه إيجابي في المستقبل القريب".
فيديو قد يعجبك: