إعلان

مفاوضات واشنطن حول سد النهضة.. هل تنجح في حلحلة الأزمة؟

09:31 م الثلاثاء 05 نوفمبر 2019

سد النهضة

كتبت- رنا أسامة:

وسط ترقّب وحذر تُستأنف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي الأربعاء، في واشنطن، على مستوى وزراء الخارجية بالدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، برعاية وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، وفي حضور ممثل عن البنك الدولي.

يأتي ذلك بعد دعوة وجّهتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوسّط في المباحثات إثر تعثّرها للمرة الثالثة خلال 5 أعوام، وفي أعقاب دعوة مصرية لإشراك وسيط دولي في ظل استمرار الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا حول الكثير من الأمور الفنية لعل أبرزها فترة ملء خزان السد.

تطالب مصر بفترة لا تقل عن 7 سنوات مع الإبقاء على مستوى المياه بسد أسوان عند 165 مترًا فوق سطح الأرض، مع التنسيق لمنع حدوث جفاف كما جرى في ثمانينيات القرن الماضي، لكن إثيوبيا تُصِر على فترة تتراوح بين 4 و7 سنوات لتتمكن من توليد أكثر من 6400 ميجاوات من الكهرباء، في دفعة قوية لإنتاجها الحالي البالغ 4 آلاف ميجاوات.

"نظام التشغيل"

يُتوقّع أن تُركز مفاوضات واشنطن على الوصول إلى اتفاق يتعلّق بنظام تشغيل السد وليس فكرة المُضي قدمًا في بنائه. في 25 أكتوبر الماضي، اتفق الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في اجتماع على هامش القمة الروسية الأفريقية بمدينة سوتشي، على ضرورة استئناف اللجنة التقنية المستقلة للسد عملها بشكل فوري "بطريقة أكثر إيجابية وانفتاحًا".

وقبل أيام أعرب سامح شكري وزير الخارجية عن تطلّعه إلى الوصول لـ"اتفاق قانوني مُلزم" خلال مفاوضات واشنطن يحقق مصالح الدول الثلاث ويضمن لمصر حقوقها المائية. جاء ذلك خلال كلمة لها أمام البرلمان العربي في جلسته العامة التي خُصِصّت لمناقشة قضية الأمن المائي العربي.

سد النهضة (24)

الأمر الذي أشار إليه الدكتور أيمن شبانة، نائب مدير مركز حوض النيل بجامعة القاهرة، قائلًا إن "المفاوضات الآن لا تتعلّق بإنشاء السد، ولكن بنظام تشغيله فقط". وأكّد شبانة في تصريحات لمصراوي أن "الاستفادة القصوى من السد لن تتحقق إلا بالتعاون والتفاهم مع مصر".

وأرجع شبانة ذلك إلى أن مصر والسودان "يُمكن أن يكونا معابر للطاقة الكهربائية المُنتظر أن يولّدها السد الإثيوبي"، وذلك في حال تم التوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف دون المساس بمصالح مصر المائية.

أما إذا استمر النزاع بين الجانبين وتعاملت إثيوبيا مع مصر كعدو، فيُرجّح الخبير في الشؤون الأفريقية أن "تبيع إثيوبيا حينها الطاقة إلى دول الجوار الصغيرة التي لن يكون بمقدر أسواقها استيعابها، وهو الأمر الذي يُمكن أن يترتب عليه توقف السد"، وفق شبانة.

كانت وزارة الموارد المائية والري تقدّمت بمقترح إلى إثيوبيا تضمّن 6 بنود أهمها، "إخطار مصر بحجم الملء والتخزين خلال سنوات الجفاف، ومواعيد صرف التفريغ والكمية المحددة حتى لا تتأثر السدود الخلفية لسد النهضة في السودان أو السد العالي". لكن أديس أبابا رفضت الاقتراح ووصفته بأنه "ضد سيادة إثيوبيا".

وكان مُخططًا أن يولّد السد، لا يزال قيد الإنشاء منذ عام 2011، كهرباء بطاقة إجمالية تبلغ 6450 ميجاوات. لكن مكتب السد أرسل مُقترحًا لشركة الكهرباء الإثيوبية بخفض السعة إلى 1505 ميجاوات، بما يُقلل عدد التوربينات التي سيتم تركيبها لتوليد الطاقة منه.

وبرّر مدير مشروع السد، كيفلي هورو، تلك الخطوة بأنها "ستوفر التكلفة الإجمالية للسد" والتي تبلغ نحو 4 مليارات دولار أمريكي، موضحصا أنها لن تؤثر على سعته الكهربائيه أو ارتفاعه أو حتى متوسط تصريف المياه، وفق تقرير لصحيفة "أديس فورتشن" الإثيوبية الناطقة بالإنجليزية الشهر الماضي.

"صراع حاد"

وفي وقت سابق من العام الجاري، حذّرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية تتخذ من بروكسل مقرًا لها، من أن "يتحوّل النزاع بين مصر وإثيوبيا والسودان مُستقبلًا إلى صراع حاد، إذا لم تتوصل الأطراف لاتفاق بشأن إطار طويل الأمد لإدارة الأنهار الواقعة في نطاق حوض النيل".

ودعت في تقرير نشرته مارس الماضي، إلى تحاشي أزمة "أشد خطورة" عندما يبدأ السد بالعمل، مشددة على أهمية الاتفاق على الانطلاق في خطوات فورية للحد من الأضرار بدلًا من الانتظار لما بعد الانتهاء من بناء السد الذي يزيد من احتمالية وقوع صراع عنيف.

تريد مصر ضمان الحد الأدنى من التدفق السنوي لـ40 مليار متر مكعب من المياه من النيل الأزرق. وأكّدت في أكثر من مناسبه أن تشغيل السد "لا يجوز بفرض الأمر الواقع".

نهر النيل

وفي تقرير سابق لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، حذّر مسؤول بوزارة الري من أن "أي نسبة أقل من هذا القدر قد تؤثر على السد العالي الضخم في أسوان مع عواقب اقتصادية وخيمة".

وأضاف المسؤول الذي عرّفته الوكالة بأنه مُشارك في المفاوضات دون كشف هويّته: "قد يؤدي ذلك لانقطاع ملايين المزارعين عن العمل. قد نفقد أكثر من مليون وظيفة، و1.8 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى كهرباء بقيمة 300 مليون دولار"، مُشيرًا إلى إن إثيوبيا وافقت على ضمان 31 مليار متر مكعب فقط.

لكن إثيوبيا أكّدت أكثر من مرة أنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وأن الهدف من بناء السد الذي أنجزت 68.3 بالمائة من بنائه إلى الآن هو توليد الكهرباء في الأساس. وتأمل الانتهاء منه بنهاية عام 2022. فيما لا تزال الاستعدادات جارية للبدء في توليد الطاقة منه بنهاية 2020.

وأُنجز نحو 25 بالمائة من الأعمال الكهروميكانيكية للسد التي تشمل تركيب التوربينات، حيث وصل إليه معظم التوربينات التي تم شراؤها من شركة "ألستوم" الفرنسية ومجموعة الهندسة الميكانيكية الألمانية "فويث"، والبالغ عددها تسعة، فيما لا تزال عمليات شحن باقي الوحدات جارية.

ويجري الآن تركيب وحدتين من التوربينات التي سيتم استخدامها مبكرًا، لتولّد الطاقة بحلول نهاية العام الجاري. ويُتوقع بدء توليد الطاقة من السد بمجرد أن يصل إلى مستوى المياه إلى 560 مترًا، وفق تقارير إثيوبية.

"ضغط أمريكي"

وفيما يبدو من الصعب التكهّن بنتائج مفاوضات واشنطن، رأى شبانة أن الأمر متوقف على الإرادة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وشروط التفاوض بين الدول الثلاث، مُشيرًا إلى أن "المسألة باتت الآن سياسية بالأساس وليست فنية".

وقال شبانة لمصراوي إن أمريكا "لديها من النفوذ والفاعلية والسلطة والتأثير على إثيوبيا" بما يؤهّلها لحل الأزمة، مُشيرًا إلى أن الولايات المتحدة بوسعها أن تضغط على إثيوبيا كي تُعدل نظام تشغيل السد وليس تصميمه أو إرجاء مُخططها الزمني للانتهاء منه.

وأشار إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية في اثيوبيا، وقال: "إذا أرادت أمريكا أن تؤثر في لحظة من اللحظات على إثيوبيا فلن يمنعها أحد".

ومن بين أوراق الضغط الأمريكية التي يُمكن استخدامها لحل الأزمة، بحسب شبانة، تقديم مساعدات مالية أو عسكرية للجانب الإثيوبي أو عدم تضييق الخناق عليه في ملفات حقوق الإنسان، على سبيل المثال.

كما أعرب شبانة عن أمله في أن يكون لدى الولايات المتحدة الرغبة والإرادة لتنتهي المفاوضات- التي وصفها بأنها "مباراة"- بنتائج تصب في صالح جميع الأطراف.

كان البيت الأبيض أعلن في وقت سابق من الشهر الماضي، دعمه للمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق تعاوني مستقر ومُستدام بشأن تشغيل السد، داعيًا جميع الأطراف إلى بذل جهود حسنة النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ تلك الحقوق، مع احترام حقوق مياه نهر النيل بعضهم لبعض في آنٍ واحد.

الرئيس السيسي وترامب

وأمس الاثنين، أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسي عن "ثقته الكاملة في أن تُساعهم الرعاية الأمريكية للمفاوضات في إيجاد سبيل توافقي يرعى حقوق كافة الأطراف في إطار قواعد القانون الدولي والعدالة الإنسانية"، حسبما غرّد على حسابه عبر تويتر.

وأُرجئ موعد إتمام السد 3 مرات منذ وُضِع حجر الأساس له في أبريل 2011، حيث كان مُخططًا إتمام بنائه في غضون 5 سنوات ليُصبح جاهزًا في 2016، ثم أُرجئ موعد إنجازه إلى نهاية 2018، حتى مدّدت إثيوبيا الموعد الزمني المُحتمل لإكماله لـ4 سنوات إضافية ليخرج إلى النور في 2022.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان